نبرة التشكيك والتشهير بثورة يناير باتت واضحة وضوح الشمس في البرامج الإعلامية المعروف سلفاً توجهاتها وانتماءاتها السياسية,منذ اندلاع الثورة وحتى لحظة سقوط المخلوع ,حيث استدار المؤشر 180 درجة في المواقف والعبارات والتوجهات ,ثم ما لبثت نفس الوجوه الكالحة تطل علينا دون حياء لتؤكد في كل مرة أن ثورة يناير كانت مؤامرة ,وأن 30 يونيو جاءت لتصحيح المسار ,ولتأكيد مزاعمهم بدأ الصيد في الماء العكر بسقوط الإخوان وما يفعلونه من فوضى وجرائم ترتكب يومياً باسم الدين في الشارع المصري ,حيث خلت الساحة بتواري الإخوان والتخلص من القيادات الشبابية الثورية بعد الزج بهم في المعتقلات والسجون ,فأصبح الطريق ممهداً لرجال نظام مبارك الذين مازالوا يحتفظون بالمال والجاه وانعدام ماء الحياة وينعمون بالحرية ويرقبون الأحداث لاقتناص فرصة تبدو على ما يظنون سانحة.فيتم التأكيد على أن الإخوان هم من خططوا لأحداث الجمل رغم ضلوع الحزب الوطني في التورط بجرائم القتل والترويع واستخدام البلطجية بصورة بشعة في هذه الأحداث الدامية وأن السجون فتحت بفعل الإخوان وأن أياد خارجية حاكت المؤامرات في الداخل أثناء الثورة لإزاحة مبارك وإشاعة الفوضى في البلاد ,وأن دهس الشباب بعربات الأمن المركزي والعربات الدبلوماسية كان بطريق الخطأ ,وأن قتل المتظاهرين على مدى الأيام الثلاثة الأولى ,كانت مجرد حوادث فردية جاءت على سبيل رد الفعل غير المسبوق بأوامر مباشرة من قيادات الداخلية على رأسها حبيب العادلي الذي اعترف مبارك أنه كان يمسك أمن البلد بقبضة من حديد .هذه المحاولات الفاضحة الهدف منها تبرئة النظام بأكمله على رأسه مبارك بعد فرم الأوراق والمستندات داخل أروقة أمن الدولة ,هذا الرجل الذي يشارف التسعين من عمره وما يزال يهتم بتلوين شعر رأسه بالصبغة السوداء ويرتدي نظارته التي تخفي تجاعيد سنوات حالكة السواد قضاها في حكم مصر ملوحاً بيديه من خلف القضبان وكأنه يتجول في ربوع المحروسة رئيساً منتصراً لا مهزوماً مخلوعاً مكروهاً من كافة أبناء الوطن المخلصين في تحد سافر لمشاعر الملايين ممن لايطيقون النظر إلى طلعته غير البهية . ومما يدعوللعجب ما أذاعته قناة الحياة اليوم حيث تم تسريب مكالمة هاتفية لمبارك وآخر يدعى (محسن) الذي بدا وكأنه معداً لمجموعة من الأسئلة يريد طرحها على الرأي العام من خلال مبارك ,فتحدث عن الإخوان وأمريكا ثم قطر ودعم الإمارات والسعوديةماراًعلى ممر قناة السويس ثم عرج على ترشح حمدين والسيسي الذي يرى أنه الوحيد الموجود على المسرح الأن وأنه أحسن واحد حسب تعبيره. المدهش حقاً ما طرحه هذا المدعو على مبارك من استعداد بعض المواطنين لعمل توكيلات له ولإبنه جمال من أجل الترشح للإنتخابات الرئاسية المقبلة!! والحقيقة أنني لا أجد تعليقاً مناسباً لهذا التبجح السافر.فمن حق هذا المدعو أن يتحدث إلى مبارك كيفما يشاء ,لكن ليس من حقه ولا من حق القناة مادياً أو أدبياً إذاعة حوارات جانبية أو مباشرة مع مبارك كشخصية اعتبارية وهو سجين ومتهم ليس فقط بقتل المتظاهرين ولكن أيضاً بقتل أحلام 90 مليون على مدى 30 عاماً أحرق فيها اليابس والأخضر ولم يترك لنا سوى المرض والجهل والفقر ولم يتبق لنا من سيرته إلا محاولات لوأد أعظم ثورة شعبية عرفتها مصر منذ ثورة يوليو وحتى الأن. أسئلة كثيرة تبرز أثناء الحديث حول أوعن مبارك الذي يكنى الأن بالرئيس الأسبق في تعمد واضح لخلع صفة جديدة تعيد إليه مكانة الرؤساء لا باعتباره مخلوعاً يوضع تحت طائلة القانون.فمن الذي سمح بإذاعة هذا الحوار ,ولماذا لم يتخذ أى إجراء قانوني ضد هذه القناة من قبل وزير الإعلام أو الحكومة أو من بيدهم الأمر ,إن أبواق مبارك الإعلامية ورجالاته ظهروا على السطح في انقلاب سافر على ثورة يناير وهم يتحدثون جهاراً نهاراًعن ظلمه وأيامه ووطنيته في ظل صمت القائمين على السلطة الذين لولا ثورة يناير ما وصلوا إليها إن صمتهم عن إفساح الساحة للنظام الفاسد إدانة لهم ,بل ويجعلهم شركاء فيما يتم الترتيب إليه في الخفاء والعلن. هذا التكريس المضلل لابد من توقيفه وإعادة التعامل مع الثورة بما يليق بها وبما قدمت لمصر وشعبها من مكتسبات يحاول البعض أن يهيل عليها التراب ,فليس من المنصف أن نلقي بكل المسئولية على عاتق الإخوان وإن كنا ضد مواقفهم وأطماعهم قلباً وقالباً وأن نغفل الأيادي الأخرى التي عبثت وما زالت تعبث وتبذل بسخاء للعودة بقوةعلى الساحة السياسية .إن ثورة 30يونيو هى الموجة الثانية لثورة 25 يناير التي تستحق أن نضرب بيد من حديد لكل من يحاول النيل منها أو القفز عليها مرة أخرى ,وليعلم مبارك ورجاله أن مصر تخلصت نهائياً من حكمه كما تخلصت من حكم الإخوان ,وأن شباب الثورتين المطاردين منهم والأحرارعلى استعداد تام لبذل المزيد من التضحيات للحفاظ على ثورتيهم وتحقيق أهداف على رأسها الجزاء الرادع لكل من تسبب في تقزيم دور مصر وتجويع شعبها وإذلاله على مدى أكثر من ربع قرن.