يبدو أن وجود الشاعر السجين «عمر حاذق» خلف قضبان سجن برج العرب بالإسكندرية، لم يكن ثمنًا لموقف نبيل اتخذه يوم 2 ديسمبر2013 فقط، حين اعترض على ضرب الضابط لزملائه الذين حملوا لافتات تطالب بالقصاص من قتلة أيقونة الثورة الشهيد خالد سعيد، بل كان ثمنًا أيضًا لدوره في كشف فساد المؤسسات الثقافية وفضحه، وتحديدًا مكتبة الإسكندرية التي كان يعمل بها صاحب "فضاءات الحرية" وكان دائمًا ما يمد الصحف المصرية بملفات الفساد بالمؤسسة الكبيرة. وحول هذه النقاط دار الحديث بين عدد من المثقفين الذين اجتمعوا في ندوة أقامتها مؤخرا دار «العين» للتضامن مع الشاعر ومناقشة روايته "لا أحب هذه المدينة"، التي رأت النور، بينما هو محاصر خلف قضبان السلطة. المثقفون الذين أدانوا وشجبوا الحكم الصادر ضد «حاذق» بالسجن لعامين، لمخالفته قانون التظاهر، اعتبروا أن هذا الحكم ليس اعتباطيًا بل أكدوا أنه جاء في سياق حملة منظمة لتصفية شباب ثورة يناير، وتطرقوا في حديثهم إلى قانون التظاهر مطالبين بإلغائه، مؤكدين أنه وضع وزارة الداخلية في مواجهة مع الشعب المصري. اكتملت عتمة المشهد حين أيدت محكمة مدينة "ببا" ببني سويف الحكم بسجن الكاتب والحقوقي كرم صابر، عضو اتحاد الكتاب، 5 سنوات بتهمة ازدراء الأديان وسب الذات الإلهية في مجموعته القصصية "أين الله"، وجاء هذا الحكم الذي لم يشهده أي كاتب أو مبدع منذ 20 عامًا، مخالفًا للمادة 67 من الدستور الجديد الذي شارك فيه الكاتب محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر إذ وعد المثقفين بحماية حقوقهم وحريتهم الإبداعية، لكنه حنث بوعوده حسبما قال الشاعر عبد المنعم رمضان، الذي يرى أن «سلماوي» غير راغب في خوض معركة مع السلطة من أجل كتاب مغمورين دون الانتباه للمبدأ. وعن موقف اتحاد الكتاب قال «رمضان»: اتحاد الكتاب منذ نشأته وحتى الآن لم يتحرر من قبضة السلطة ومن ثم فهو مشغول دائمًا بتعميق علاقته بها، لأنه يعمل تحت مظلتها ولا يريد رئيسه "الدائم"، الدخول في معركة مع السلطة تخسره المكاسب التي جناها على مدار السنوات الماضية، والغريب أن كبار المثقفين يتعاملون بفاشية مع الكتاب الشباب ويتهمونهم بأنهم طلاب شهرة وأنهم من أبلغوا عن أنفسهم، واتفق مع الكاتب سعيد الكفراوي، والذى يرى أن مهمة الاتحاد هي الدفاع عن السلطة لا عن المثقفين. اللافت في الأمر أنه بينما اختفى الكثيرون ممن يثيرون فرقعة دون انفجار، حرص البعض ممن لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، على إدانة ما حدث ل«حاذق» والتضامن معه، وهذا ما كشفته ندوة دار العين، حيث تغيب الكثير منهم عن الحضور، الأمر الذي دفع صاحبة الدار الدكتورة "فاطمة البودي" إلى توجيه اللوم عبر حسابها ب«الفيس بوك» إلى من يجلسون على مقاهي وسط البلد، بينما لم يتضامنوا مع الشاعر السجين. اكتفى بعض الحضور من المثقفين ببيانات الشجب والإدانة، وكانت مناشدة رئيس الجمهورية بسرعة الفصل في قضية «حاذق» ذروة ما استطاعوا إليه سبيلًا، بينما لاقى هذا المقترح اعترضًا من البعض مؤكدين أنه لابد أن ندافع عن الإبداع بالتشريعات لا بالالتماسات، التي لن تجد صدى، والأهم هو فضح مخطط السلطة في القضاء على شباب ثورة يناير، والضغط من أجل إلغاء قانون التظاهر المشين. ويعود «عبد المنعم» للحديث عن قضية «كرم صابر» بطرحه لعدد من التساؤلات "لماذا تتراخى الدولة المصرية في حسم قضايا الحسبة الدينية؟، ولماذا تصمت في حسم قضايا حرية الرأي وتفتح الطريق أمام التيارات الدينية التي تحاربها لتقيم هذه التيارات محاكم تفتيش في ضمائر المبدعين؟ إجابة "رمضان" على ما طرحه من تساؤلات، أدانت السلطة التي تسير بحسب قوله بوجهين متناقضين، إذ أوضح أن الدولة تحارب التيار الظلامي صراعًا على السلطة فقط، والمفارقة أنها تستخدم هذا بعض أدوات هذا التيار في استقطاب الجماهير. واتفق الحضور على أن الأزمة لا تكمن في مواد الحريات بالدستور فقط، ودليلهم في ذلك أن المادة 67 تنص على عدم حبس أي مبدع أو كاتب، بينما الأزمة الحقيقية هي غياب العدالة الاجتماعية التي تضمن تحقيق منظومة أخلاقية، ودونها تظل الدساتير حبرًا على ورق.