الجيل الذى نشأ فى أوائل الثمانينات .. هو جيل مميز بلا شك. لا يعود هذا فقط إلى أننى أحد أبناء هذا الجيل، نعم بالتأكيد هذا سبب وجيه؛ لكن للأمانة هذا ليس السبب الوحيد لتميز هذا الجيل. إذا كانت هناك شكوى من كبار ومن صغار بسبب وجود فجوة واسعة بين الأجيال السابقة والأجيال الأحدث؛ نعتقد أن جيل الثمانينات هو من اتخذ هذه (الفجوة) مقراً له. وقف هذا الجيل كالشبكة فى ملعب للكرة الطائرة.. وأخذ يتلقى من الناحيتين الضربات الطائشة من فريقين "غوشم".. فريق من الكبار سناً يميل إلى (احتكار) الحكمة والخبرة، وفريق من الصغار سناً يميل إلى (احتقار) هذه الحكمة والخبرة. أجيال قديمة.. تربت على مجاراة الأمور والسير غالباً جانب الحائط، وأجيال حديثة.. تعلمت التمرد على أى سلطة من الأب والأم إلى رئيس الجمهورية. فريق يرغب فى مد سيطرته إلى المستقبل، وفريق يريد إلغاء الماضى. هذا لا يسرى بالطبع على كلا الفريقين من الأجيال.. فهناك حوالى (234 واحد كويسين) فى الفريقين. بين الفريقين الأشرار.. يقع جيل الثمانينات، وعمرو سلامة مبدع فيلم "لا مؤاخذة".. وأنا؛ ولإن المجال لن يتسع هنا فسأكتفى الآن بعمرو سلامة وفيلمه الجديد.. وسأجعل الحديث عنى وعن جيل الثمانينات فيما بعد خلال مقال آخر طويل جداً وممل. عمرو سلامة من مواليد نوفمبر 1981، وله العديد من الأفلام القصيرة والإعلانات والكليبات، وأخرج ثلاثة أفلام سينمائية طويلة (زى النهاردة) 2008 و(أسماء) 2011 و(لا مؤاخذة) 2014.. والأخير من تأليفه. فيلم (لا مؤاخذة) يعبر عن مأساة التلميذ المصرى فى المدارس الحكومية، خاصة عندما تجتمع كوارث هذه المدارس مع مشكلات سن البلوغ، هو نظام كامل صنعه الطلبة والمدرسين الفاشلين وأضطرت الغالبية من المنظومة التعليمية أن تتعامل معه: إما بالمشاركة فيه، أو التطبيل له، أو الإنعزال عنه قدر الإمكان. المدرسة الحكومية فى مصر.. هى مدرسة بحق، ولكن لتعليم كيف تقاتل فى حياة بدائية عشوائية بعد ذلك، بدءً من فصول مكتومة إلى بلطجة منظمة إلى تشرب العنصرية وتعلم عادات إدمانية وتحت إدارة تكاد تبارك هذا الفساد. المدارس الحكومية هي النموذج المباشر الواضح بدون تجميل للفساد الأخلاقى فى وطننا، فضلاً عن الفساد الإدارى. التلميذ المصرى المسيحى هانى عبد الله بيتر.. والذى أثرت وفاة والده فيه وفى والدته نفسياً.. ومادياً؛ مما أضطر والدته إلى نقله من مدرسة خاصة إلى مدرس حكومية بتشجيع من هانى الذى أدرك ما أستجد من صعوبات مالية على أسرته. دون أن "نحرق لكم" الفيلم: تبدأ مفارقاته المضحكة الحزينة مع وفاة الأب فوق طبق الغداء.. مروراً باخفاء الطفل فترة طويلة لحقيقة ديانته فى المدرسة والفصل.. وحتى لا يكون "كوفتس" منبوذ بينهم، إلى حصول "هانى" على لقب "لا مؤاخذة".. عندما نطقها وهو لا يفهمها فسخر منه زملاؤه ولقبوه بها، ويتكامل (العالم المجنون) بمدرس بلطجى يؤم الطلبة فى المسجد، بل وصلاة هانى كالمسلمين وحفظه لأسماء الله الحسنى وتلاوتها فى الإذاعة المدرسية، ومدرسين جهلاء.. وكل هدفهم الدروس الخصوصية بعد "اليوم الدراسى"، ومدير ترى فيه كل التقاليد الإعلامية والحلول السطحية للحكومات المصرية، ومدرسة تتعرض للتحرش من الطلاب فتستقيل.. ويصادفها هانى فيما بعد فى فرح بالكنيسة، ومدرس يبدو سوياً وشجاعاً.. حتى قام البلطجية "فعلموا عليه بالسافوريا" على وجهه.. فتنكسر رجولته.. حتى يصادفه هانى فيما بعد ساعياً إلى الهجرة، حتى يلجأ هانى إلى حل (تدريب الجودو) فى مواجهة (على) البلطجى الأكبر فى فصله كى يصبح له صيت ك "واحد من الذئاب". وبذلك أعتقد أننى لم أحرق لكم الفيلم على الإطلاق..! على الرغم من الملامح التى ذكرناها، فإن تفاصيل الفيلم تبقى كثيرة ومحفورة وحقيقية.. ويصعب أن تنساها، أما صُناع الفيلم وعلى رأسهم عمرو سلامة.. الذى مر بأغلب ما حدث ل (هانى) فى حياته المدرسية.. فيحسب لهم أنهم لم يفقدوا الفيلم روح الطرفة.. رغم كآبة الواقع الذى يجسده. إذا كنا نحاول كتابة مجموعة من المقالات تحت مسمى ثابت هو (كوميديا زرقاء)، وهى (كوميديا) تدعو للحسرة.. و(زرقاء) لأنها لا تصل ل (السوداء).. أو الكآبة والبكاء، أو (زرقاء) لأن الأزرق كان تعبيراً على السخرية فى أكثر من مناسبة، والسخرية هى كوميديا مبنية على موقف واضح أو ملاحظة موضوعية.. وليست ضحك من أجل الضحك.. هى نفسها الحالة التى تجسدها صورة ياو مينج لاعب كرة السلة الصينى (آساحبى) أو "الضاحك المفقوع" على عالم الإنترنت. كما يمثل هذا الفيلم "لا مؤاخذة" هذه الحالة باقتدار. وهو فيلم مصرى لا يُنسى لأنه حقيقى، وتناول كافة الموضوعات دون حرج أن تعرضه بأمان فى بيتك، وهو جاء كتنفيس متأخر جداً لمأساة الطفل فى مرحلة لا يجيد فيها التعبير عن هول ما يتعرض له فى دراسته.. خاصة إن كانت حكومية، ويدعو الجميع إلى مكاشفة جادة بين الأباء وأطفالهم فى كل بيت، عسى أن يطلع الطفل والديه عن (كهف الأسرار) الذى يخوضه يومياً.. لعلهما يفيداه.