الائتلاف المصري لحقوق الطفل: تخفيض سن الطفولة يفجر قضايا أخرى كالزواج المبكر والتجنيد وعمالة الأطفال الحملة الشعبية لحماية الطفل: تغليظ العقوبة يعد خرقا لاتفاقية حقوق الطفل بعض الآهات والآلام ما إن تخفف من قسوتها الأيام، تعود مناسبات بعينها لتوقظها وتشعلها، فتنكأ الجرح وتدميه مجددا، وتعتصر القلب ليذرف دمعه لوعة وحسرة.. هذا هو حال والدة الطفلة «زينة» بعد أن مر عليها «عيد الأم» الأول دون ابنتها، لتنظر بقلبها صورة «زينة» تضمها ببراءة سنوات عمرها الخمسة قائلة: «كل سنة وانتي طيبة يا ماما»، فيفجع قلب الأم من جديد مع سماعه كلمات ابنتها في خياله المكلوم، وتنساب الدموع دما ناقما حاقدا على من حرم أسماعها هذه الكلمات، وحرمها دفء أحضان ابنتها الراحلة. لم تخف حدة هذه النقمة داخل والدة "زينة" بعد الحكم على مغتصبي وقتلة ابنتها بالسجن 15 عاما، ولم ينفع قلبها هذا التعاطف الشعبي الذي يربت عليها حانيًا، فإذا كان من المحال إعادة «زينة»، فإن المواساة الوحيدة الباقية، أن ينال من حرمها وجود ابنتها إلى جوارها ما يستحق من عقاب. لم تكتف الأم بأن تبكي ابنتها، وإنما أصرت على الحصول على حق ابنتها بتقديم طلب إلى النائب العام للاستئناف على الحكم والمطالبةً بتوقيع الكشف الطبي على أحد الجناة لأنه تعدى 18 عاما، استنادا لإقرار والده بأنه تأخر في استخراج شهادة الميلاد مدة سنة، وأن سنه الحقيقي 18 عاما ونصف وقت ارتكابه الجريمة، وطالبت الأم خلال لقائها مع المجلس القومي للمرأة بتعديل المادة المحددة لسن الطفولة، لردع حالات أخرى مشابهة لحالة "زينة". لم تكن دعوى أم "زينة" ومطالبتها بفتح التحقيقات من جديد وتعديل قانون الطفل آخر الدعوات، فقد سبقها تكليف رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور مجلس الوزراء بتعديل أحكام قانون العقوبات بالنسبة للأحداث، واستثناء جرائم الاغتصاب والقتل وهتك العرض والسرقة بالإكراه من نطاق تطبيق أحكام الطفولة لمن بلغ الرابعة عشرة، ليحكم عليه بعقوبة جنائية في أحوالها العادية، خاصة وأن المادة 11 من قانون الطفل تنص على عدم الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد على من لم يتجاوز الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة. «البديل» حاولت استقراء ورصد آراء بعض مؤسسات حقوق الطفل بشأن هذه المطالبات، وكيف تنظر إلى «ضرورة» تعديل قانون الطفل وتخفيض سن الطفولة، وتغليظ العقوبة على الأحداث.. قال أحمد المصيلحي – المستشار القانوني للائتلاف المصري لحقوق الطفل، إن المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل تقضي بعدم جواز معاقبة طفل بالمؤبد أو الإعدام على جريمة ارتكبها، والانسياق خلف الضغوط الإعلامية المطالبة بتغيير ذلك وتغليظ العقوبات علي الأطفال في الجنايات، من شأنه التأثير علي سمعة مصر دوليا ويضعها في مصاف الدول التي لا تحافظ علي اتفاقاتها الدولية. وأوضح «المصيلحي» أن تخفيض سن الطفولة إلى أقل من 18 عاما، يفجر قضايا أخرى، منها سن التجنيد الإجباري، ارتفاع معدلات الزواج المبكر، ارتفاع نسب عمالة الأطفال، ومن غير المنطقي أن نحكم بالإعدام على كل أطفالنا وندمر مستقبلهم، بسبب جريمة واحدة أو حالة خاصة. وأضاف أن المنظمات الحقوقية الرافضة لهذا التخفيض، ومن بينها الائتلاف، تتعاطف بشدة مع الطفلة "زينة" وتدين الجريمة الوحشية، لكن هذا التعاطف وتلك الإدانة لا يعنيان أن يغفل الائتلاف المصلحة العامة لأطفال مصر، مناشدا الإعلام وقف حملات التعاطف الشعبي وتحمل مسئوليته كجهة شريكة في تدعيم دولة القانون وحماية حقوق المواطنين، لاسيما الأطفال. وطالب «المصيلحي» بدراسة أسباب انتشار العنف بين أطفال مصر، مشيرًا إلى أن جريمة الطفلة "زينة" تحمل في ملابساتها ثغرات تحتاج إلى الدراسة والتحليل، فأحد مرتكبي الجريمة "ضحية" التفكك الأسري، وأقوال والده "غريبة" حيث طالب بإعدام ابنه، وهذه مؤشرات تتطلب إعادة البحث في كيفية حماية الأطفال الذين تدفعهم ظروفهم الاجتماعية إلى ارتكاب جرائم بشعة، وهو ما يتطلب تكاتف الدولة والمجتمع المدني، وأن تفكر الدولة في تنشيط مراكز الشباب والأندية الرياضية التي تستوعب الأطفال وتوفر لهم صحة نفسية سليمة، ويصبح التفكير في منع تكرار الجريمة أهم من تغليظ العقوبة. وتقولأميرة عبد الحكيم – نائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان، رغم بشاعة ووحشية الجريمة التي ارتكبت ضد "زينة"، فإن القانون يجب أن يبقى مجردا لا يتم تغيير قواعده ونصوصه مع كل قضية، مشيرة إلى أن قانون الطفل المصري علي وجه الخصوص يعد من أعظم القوانين التي تستطيع أن تفخر بها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، حيث جاء متوافقا إلى حد بعيد مع «اتفاقية حقوق الطفل». وأضافت «عبد الحكيم» أن منظمات المجتمع المدني بذلت جهودا كبيرة لتحصل على المكاسب التي نصت على حماية حقوق الطفل المصري في كل الظروف، سواء مع القانون رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته في القانون 26 لسنة 2008، وتم تدشين قانون فلسفته الأساسية قائمة علي حماية الطفل وأنه ضحية في كل الأحوال سواء كان جانيا أم مجنيا عليه، فهو ضحية المجتمع والأسرة والتربية والظروف الاقتصادية والثقافية والتعليمية، مشيرة إلى أن التحقيقات كشفت عن أن أحد مرتكبي الجريمة «أمه راقصة»، وهذا ما يحتم ضرورة فتح ملفات دور «لجان حماية الطفل» في كل المحافظات، لأن هذا «الجاني» كان «ضحية» قبل اشتراكه الجريمة، فأين كانت هذه اللجان؟ وترى «الحكيم» أن المطالب التي يطلقها البعض ممن يفرد لهم الإعلام مساحات كبيرة، تعصف بنضال الحقوقيين والمنظمات الفاعلة في مجال الدفاع عن الطفل وحقوقه عبر سنوات، مؤكدة أنه بدلا من أن «نريح نفسنا ونطلع تشريعات تضاعف العقوبة أو تخفض سن الطفولة» علينا الاستعانة بالحلول الاجتماعية، وتفعيل أدوار الصحة والتعليم والأسرة ورجال الدين والإعلام ومنظمات المجتمع المدني وغيرها لمنع الجريمة من الأساس. وتتفق مها مأمون – مؤسس الحملة الشعبية لحماية الطفل، مع وجهة النظر نفسها، فتقول إن دعوات تخفيض سن الطفولة أو تغليظ العقوبة على الأحداث في جرائم القتل والاغتصاب وهتك العرض تتسم بالعبثية وتفتقد إلى الصحة والمشروعية، سواء بنص الدستور الجديد الذي تم إقراره مؤخرا، والذي نص في مادته (80) علي أنه «يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، كما تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية». ومن ثم فأي تعديل لقانون الطفل المصري وتخفيض سن الطفولة يمثل خرقا لهذا الدستور الذي يزهو الرئيس بأنه من أعظم دساتير العالم وشهد إجماعا شعبيا منقطع النظير، مستنكرة أن يطالب رئيس المحكمة الدستورية العليا بتعديل القانون بالمخالفة للدستور! وأوضحت «مأمون» أن الاستجابة لمطالب تعديل سن الطفولة يمثل خرقا لالتزام مصر الدولي باتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، وهو ما يعقبه إدانة دولية يترتب عليها وقف المنح والإعانات التي تقدمها دول الاتحاد الأوربي لمصر فيما يتعلق بمشروعات التنمية. وأضافت أن تحديد سن الطفولة بالثامنة عشرة يتفق مع ما نصت عليه "اتفاقية حقوق الطفل" الصادرة عن الأممالمتحدة، التي كانت مصر بين أول 20 دولة في العالم وقعت عليها عام 1991، وتحديد هذا السن لم يكن عشوائيا، بل جاء بناء علي دراسات وأبحاث، تتعلق بمعايير النضج والثقافة والتربية والصحة، مؤكدة أنه لم تم تطبيق تلك المعايير بالكامل في مصر، فإن سن الطفولة سوف يصل إلى 21 عاما وليس 18 فقط، وذلك لاختلاف كثير من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية.