يأخذك العجب وانت تتابع ما يجري في سوريا، من أن الشغل الشاغل لجميع الدخلاء في الحرب التي تتعرض لها هذه البلاد، هو إنضمام المقاومة اللبنانية إلى السوريين الذين يتصدون للعدوان. أظن أن تصريحات السيد كمال اللبواني تقطع الشك باليقين. يعلن هذا العضو البارز في الإئتلاف السوري المعارض عن إستعداد «الثورة» لأن تبيع هضبة الجولان، مقابل مساعدة المستعمرين الإسرائيليين لها على إحتلال دمشق. نسي هذا الشخص البائس أن الأخيرين إحتلوا بيروت سنة 1982! فكان ما كان! العجب العجاب، أن مشاركة المقاومة اللبنانية في الدفاع عن سوريا لا تؤرق حكومتي أميركا وفرنسا وحلفائهما فقط، رغم أنهما سبقتا المقاومة إلى سوريا، ولكنها تقض مضاجع عملائهما وأتباعهما أيضا، في دنيا العرب على وجه العموم وفي لبنان بوجه خاص. في يبرود سقطت الأقنعة. أمراء النفط كانوا هناك. الولاياتالمتحدة الاميركية والحكومة الفرنسية وإسرائيل كانوا هناك. عبروا إلى يبرود من لبنان يا أصحاب «السيادة» الوطنية، ويا «جماعة المستقبل». انتم الذين تفضلون الذهب على الخشب. قال محدثي من يبرود أن المعركة في هذه المدينة «كانت معركة المقاومة اللبنانية الحقيقية». في يبرود أجبرت هذه الأخيرة جميع أعدائها على الخروج من مخابئهم. فاجأت المتربصين بها، كيف أنها تعلمت فنون القتال والدفاع عن حقوق الناس وعن الأرض، مهما اختلفت الجغرافيا الطبيعية والمناخية. لقد اتخذت منذ أشهر عديدة، مجموعات خاصة من المقاومة مواقع لها في أعالي القمم حيث تصل درجة الحرارة ليلا أحيانا إلى عشر درجات تحت الصفر، لتراقب وترصد! يقول محدثي من يبرود أيضا، أنه ظهرت في معركة القلمون، إرادتنا ومستوى احتمالنا. ان المقاوم بات يمثل نموذجا للجندي الوطني. الذي يختلف طبعا عن المرتزقة المأجور من الوكالات الأمنية الخاصة، كما أنه لا يشبه الجندي الغربي، الذي احترف العمل العسكري. بمعنى آخر أن معركة القلمون سطرها مقاتلون جُبِلوا على العقيدة الإسلامية القرآنية، بما هي سلاح قوي ضد الظلم والفساد والعسف. القول لمحدثي. ذكرني هذا الأخير في السياق نفسه، أن المقاومين اللبنانيين اصطدموا في القلمون بخصوم بعضهم من سكان سوريا يعرفون تضاريس المنطقة جيدا، وبعضهم دخلاء تمرسوا بالقتال في العراق وافغانستان والشيشان وغيرها. الفرق كان بين طبيعة المعركة التي يخوضها المقاومون، وبين الحرب غير المباشرة، التي يشنها الأميركيون على سوريا! ليس لدى المقاومين اللبنانيين عتادا عسكريا أفضل كمّاً ونوعا، من مثيله الذي كان بحوزة المرتزقة. فلقد زود الأخيرون بأصناف السلاح جميعها، من دول الخليج، ومن مستودعات الجيش العربي السوري نفسه، لأنهم كانوا قد استولوا عليها أو لأن الذين تكلفوا بحراستها تخلوا عنها. يقول محدثي أنه كان في القلمون كميات كبيرة من السلاح تكفي لعدة فرق عسكرية، اشتملت على مضادات للدروع (الكورنت والكونكورس والميلان). التي استعملها المتمردون بكثافة ضد آليات الجيش العربي السوري، وتمكنوا من إعطاب عدد منها. فجعلوا من صورها، المحترقة، مادة إعلامية ودعائية على شبكات التواصل وفي وسائل إعلامهم. تحسن الإشارة هنا إلى أن القذائف المضادة للدروع التي أخذها المتمردون من مخازن الجيش السوري، هي نفسها التي استخدمها المقاومون اللبنانيون ضد دبابات المستعمرين الإسرائيليين في تموز 2006. ما حمل المقاومين اللبنانيين على دفن الدبابات السورية في خنادق وحفر، لا تخرج منها إلا لترمي، ثم تعود إلى مخابئها. هكذا تحولت دبابة ت 54 الهزيلة بحسب تعبير محدثي، للخدمة بطريقة صواريخ المقاومة. ثم يقارن محدثي من يبرود، دبابة الجيش السوري المذكورة، بالميركافا الإسرائيلية. الدبابة السورية هي من وجهة نظره، قديمة بطيئة، عفا عنها الزمن. بعكس الدبابة الإسرائيلية. هنا شعرت بالأسى يخنق صوته، كأن ما أفصح عنه أقل بكثير مما أخفاه. ولكن حماسته عادت من جديد وعبر عن فخره وإعتزازه، برفاقه مسترسلا في روايته لتفاصيل معركة يبرود. فقال لي، سجلي أيضا، أننا ربحنا معركة القيادة الميدانية. بمعنى أن غرف عملياتنا بقيت ناشطة وفعالة في جميع المواقع، رغم الهجمات الإلكترونية المعلوماتية من قبل شبكات إستخباراتية عربية وأجنبية. بالإضافة إلى أن البصمات الإسرائيلية كانت واضحة وبينة على أرض المعركة، تشويشا وأجهزة تنصت زرعت في أكثر من مكان. وأخيرا أصر محدثي، على النجاحات في مجال الحرب النفسية والإعلامية. حيث عرفنا كيف نظهر، قوة المقاتل العربي، في الجيش العربي السوري وفي المقاومة اللبنانية، في مقابل ضعف المرتزقة الذين يضيق الخناق عليهم يوما بعد يوم فيرتبكون وتفشل خططهم فيقعون في الكمائن المميتة، وتتكدس جثثهم كما لو أنها حيوانات نفقت بعد فيضان او زلزال. يؤكد محدثي في الختام، أن يبرود كانت مشروعا من دمشق إلى بيروت، يحاكي مشروع الصهيونية من النيل إلى الفرات. كان الدخلاء يدخلون من لبنان إلى يبرود، وكانت «سيارات الموت» تنطلق من يبرود إلى ضاحية بيروت الجنوبية، وكذلك الصواريخ التي تتساقط عشوائيا على البلدات البقاعية. لماذا لم تسقط سوريا رغم أن دباباتها قديمة وبطيئة، ورغم المرتزقة الذين بلغ عديدهم أزيد من مائة الف، واستيلائهم بالقوة والإفساد والإنشقاق، على مخازن أسلحة جيشها وثكناته؟ هل ما تزال خطورة إنهيارها على نفس درجة ما كانت عليه من قبل، علما أنها تقاوم منذ ثلاث سنوات؟ بمعنى آخر هل صارت سوريا أقوى أو أضعف بالقياس على القدرات والأدوات التي جزها المستعمرون في الحرب ضدها؟ كيف نفسر أن المقاومة اللبنانية تحولت إلى قوة عسكرية مؤثرة على ميزان القوى، ليس في لبنان وحسب ولكن على مستوى المنطقة وفي سوريا تحديدا؟ كي نفهم تراجع جيوش المرتزقة في سوريا أمام جنود الجيش العربي السوري ورجال المقاومة اللبنانية؟ هل صارت المقاومة اللبنانية جيشا عربيا من نوع لا نعرفه، أم صار الجيش العربي السوري مقاومة من نوع لا نعرفه!