يُعد مبحث النفس من المباحث التى شغلت الفلاسفة المسلمين، وكانت محورا أساسيا من محاور الخلاف بين جمهور الفلاسفة والمتكلمين، وعلى رأسهم الإمام أبو حامد الغزالي، والشيخ الرئيس ابن سينا. والشيخ الرئيس من أكثر الفلاسفة المسلمين توسعًا فى مبحث النفس، وقد قسم النفس إلي ثلاثة أقسام: نفس نباتية، ونفس حيوانية، ونفس إنسانية، ولكل نفس من هذه النفوس وظيفة خاصة، ويُعرف النفس الإنسانية بأنها "كمال أول لجسم طبيعى آلى من جهة ما يفعل الأفعال الكائنة بالاختيار الفكري والاستنباط بالرأى، ومن جهة ما يدرك الأمور الكلية"، ويرى ابن سينا أن المنهج السليم الذى يجب أن ينطلق منه الباحث فى هذا المبحث، هو إثبات وجود الشئ الذى يسمى نفسًا أولاً؛ لأنه ليس من المنطقي أن يوصف شئ من الأشياء قبل أن يُثبت وجوده، فبرهن على وجود النفس بعدة براهين، كبرهان الوعى بالذات، وبرهان الرجل الطائر، وبرهان الاستمرار، والبرهان الطبيعي، وبرهان وحدة النفس، وبهذه البراهين فاق الشيخ الرئيس الفلاسفة فى بحثهم لمسألة النفس، وتميز بها. إن النفس عند ابن سينا أكثر كمالاً من الجسد فهى ليست مادية، ولا تموت بموت البدن، وليست متعلقة به، فالنفس جوهر روحى قائم بذاته، مختلف عن الموجودات المادية، وإن "من مات قامت قيامته"، وإن "اللذة والعذاب يوم القيامة تكون للنفس وليس للجسد"، فالإنسان يوم القيامة يبعث بنفسه، وليس بجسده، واللذة تكون عندها سرمدية والألم أيضًا سرمدي. ويوضح لنا ابن سينا، توضيحًا أفلاطونيًا، هبوط النفس مكرهة إلي الأرض؛ لذنب ما اقترفته، فى قصيدته العينية حيث يقول: هبطت إليك من المحل الأرفع ~ ورقاء ذات تعزز وتمنع ومحجوب عن كل مقلة عارفٍ ~ وهى التى سفرت ولم تتبرقع وصلت لعى كره إليك وربما ~ كرهت فراقك وهى ذات تفجع أما الإمام الغزالي فقد اتفق مع الشيخ الرئيس فى الكثير من هذه النتائج فهو متفق معه فى أغلب البراهين، بل وشرحها فى كتابه "معارج القدس فى مدارج معرفة النفس"، واتفق معه كذلك فى تعريف النفس، بل يكاد يكون هو ذات التعريف، كما اتفقا ابن سينا والغزالي في أن النفس حادثة، وأن بالآخرة أنوعًا من اللذات أعظم من اللذة الحسية، وهو أيضًا لا ينكر بقاء النفس عند موت الجسد.