أحن إلى وجه أمى.. أبحث عنه فى ملايين الوجوه … ألَهَث فى الشوارع .. فى الميادين .. فى الحارات .. فى الأزقة .. فى الفضائيات وكتب التاريخ والتصاوير كل الوجوه مطموسة بلا ملامح … أجهد النظر وأسبح به فى كل مكان … ألملم عين من هنا وعين من هناك … رمش وحاجب من هناك ومثلهما من هنا… أنف من هنا وآخر من هناك …. هذه شفاه تشبهها وتلك قريبة منها… ياه هذا الذقن به علامة الحسن مثل ذقنك… لكن تعلوه تجعيدة غير موجودة عندك … أحاول أن أرسم وجهك من الملامح المتناثرة على ملايين الوجوه …. أفشل وأجر أذيال الهزيمة …. أحاول بأذنى السباحة فى الصمت … اشتاق إلى سماع صوت أمى … تهاجمنى أصوات البوم والغربان … أبحث عن ابتسامة وضحكة صافية لأمى… لا أجد سوى العبوس والابتسمات الصفراء المحتضرة… الآن وأكثر من أى وقت مضى احتاج كثيرا إلى حضنك…. لا أجد إلا القسوة والحرمان فى زمن الفقد والوحدة….. مفردا… وحيدا .. منكفئا على ذاتى فى برد وصقيع لا نهائى… اتشمم أى رائحة تشبه رائحة أمى…. لا أجد إلا العفن والقبح والكراهية …. جائع بعدك ولا يسد رمقى أى شىء …. كل الأطعمة ماسخة بلا طعم ولا رائحة…. حتى ولو كانت من مطاعم وفنادق الخمس نجوم…. الخبز كله " مسكع وسحلة وحطب وحنطة ومكفهرالوجه… كان العيش يخرج من فرنك يزغرد وينادى الأكيلة بفرح…. نلتف حولك نلتهم الجوع ولا يجرؤ على المقاومة …. تمتد يدك إلينا بالخبز المولع الطازج الخارج للتو من الفرن الطينى … و تمتد اليد الأخرى تحمل صينية البطاطس ذات الوجه المحمر تسبقها رائحة المدفوس فيها من قطع اللحم الساكنة بين جنبات شرائح البصل والطماطم وتنافس الخبز فى الزغردة بعد خروجها من الجانب الآخر من الفرن الطينى … كل صباح من يوم الجمعة اتشمم الرائحة التى ما زالت ساكنة فى أنفى للفول المدمس الخارج من" قدرتك الصغيرة السهرانة فوق الموقد الصغير طوال الليل، والطعمية بالسمسم والبيض وهى خارجة مولعة من الطاسة لتسكن فى فمى وأفواه إخوتى مع العيش البيتى وصوابع البطاطس وقرون الفلفل.. أشهى أكلة كانت من يدك يا أمى حتى ولو كانت عيشا مغموسا بالدقة … ياه العالم حولى بعدك غارق فى سكون الأموات … احتمى بصوتك من صمت العالم … ضوضاء ودوشة وزحام … و لا أحد غيرك حولى وداخلى…. كل النساء دونك زعم و إدعاء…. لولا ذكراك الساكنة فى أعماقى ما احتملت البقاء بعدك للحظة واحدة أو الانتظار إلى ميلاد" الفرح فى سمائى" … رحل أبى قبلك فكان كسر الظهر … وكانت العتمة التى تنجب ظلاما يوما بعد يوم… لم يفلح أحد غيرك فى تجبيرالكسر وإضاءة بعض الشموع… نعم ما زالت بعض الشروخ حية فى ظهرى المكسور …. لكن معك كنت أزك على عكاز الروح والمُلم بشظايا القلب لمواجهة أمواج الحياة…. بك صبرت وعاندت وتحملت بجلد كسر الظهر….. الآن حالى لايخفى عليك يارب …. بفقدك ياأمى انكسر القلب وتشظت الروح…. للأسف لا يوجد فى الحياة و لم يكتشف الطب بعد ما يجبر ويلملم كسور القلب وشروخ الروح…. يعنى بدونك يا أمى " القلب مكسور وأعيش بشظايا روح "…. ويأتى عيد ميلادى ليكون فرحا وحزنا …. حزنا على عام مضى ومصير لا أعرفه لصغار رزقنى بهم المولى على كبر ،ولم تتكحل عيونهم بالنظر إلى وجهك .. وفرحا على عام مضى واقتراب موعد اللحاق بك وبأبى الذى سبقك للأبدية .. لكن الذى لا احتمله رغم مرور السنوات على فقدك أن يكون هناك ما يسمى عيدا لك وبدونك … كل الأعياد بدونك ذكرى للحزن ، أغيب فيها عن الوعى وأسافر لك فى مقامك الأبدى مع أبى كى آخذ العيدية ونقتسم الكعك والبسكوت والترمس وفته صباح العيد.. أعود لوعى لأجدنى فى الفراغ …. ياه كل شىء ضاع بعدك .. لم يبق إلا الروائح الساكنة داخلى وصورتك التى لا تغيب ويوم آت لا ريب فيه للرحيل إليك …. كل سنة وأنت طيبة يا أمى …!! هامش الحياة كرسى تيفال لا يلصق به أحد ، كل من يأتى دوره ينزل فى محطته حتى ولو كان نبى أو ملك … أفهموها بقى كل شىء عبث !! [email protected] [email protected]