لا يتوجب أن تحجب وقائع العنف والإرهاب المدعوم من حركة حماس فى قطاع غزة، حقيقة تاريخية موثقة، سواء فى الماضى، ومؤكد فى المستقبل، أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب المركزية، رغم تعقيدات المشهد السياسى المصرى، وفى غيره من دول ما يسمى بثورات "الربيع العربى". ولسنا فى موضع المزايدة أو حتى الجحود من أى أحد كان، أن ينكر ما قدمته مصر من عطاء وتضحيات ، سواء بالمال أو الأرواح، عبر الحروب المتواصلة فى تاريخ الصراع العربى – الصهيونى . وفى حقيقة الأمر، لم يكن ذلك منة لهذه القضية ، بل على العكس ، من قبيل تعبيرات الدور القومى والعروبى لمصر، خاصة فى ضوء حقيقة أن بلاد الشام وفى القلب منها فلسطين، تاريخياً، هى خط الدفاع الأول عن البلاد: عبرها جاءت كافة الغزوات، وسائر التحديات، وما يعنيه ذلك من إرتباط وثيق بالأمن القومى لمصر، وما يمكن أن تلحقه التهديدات المستمرة. وبطبيعة الحال، لا يمكن اختزال العلاقات المصرية – الفلسطينية ، قضية وشعباً، فى العلاقات مع فصيل بعينه، ولا يمكن أن تكون ردة فعل عما يفعله هذا أو ذاك ، سواء بنفسه، أو عبر حلفاء هنا أو هناك. وهذا يفرض على مصر أن تكون على دراية كافية بمخاطر التشرزم الفلسطينى، والإقتتال الفلسطينى – الفلسطينى، وما يشكله من تهديد لأمنها القومى . ومما له صلة، يتحتم على الدبلوماسية المصرية أن تقف على مسافة متساوية من طرفى النزاع ، دون إنحياز لطرف على آخر، مما يفرض بذل قصارى الجهد لتحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية وقابلة للإستمرار، وعدم ترك هذا الملف القومى والمصيرى لأحد غيرها . وفى السياق نفسه ، لا يتوجب أن تشارك مصر فى حصار الشعب الفلسطينى وتصعيب ظروف حياته ومعيشته . ولها أن تتخذ من التدابير والإجراءات ما يصون أمنها القومى، والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه الإقدام على اى عمل من شأنه الإضرار بحياة جنودها أو شعبها . كذلك مراجعة قوائم من منحوا فى عهد مرسى الجنسية المصرية، وتجريد قوى الإرهاب منها . وغيرها كثير لا يتسع المجال لذكره ، لكن ينبغى إعادة النظر فى غلق معبر رفح، واتاحته، وفق شروط معينة، أمام حركة الأفراد والبضائع، ذات الصلة الوثيقة بإستمرارية حياة الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة . عطفاً على إرسال رسائل شديدة اللهجة للكيان الصهيونى تحذره فيه من مغبة شن أى عدوان غاشم على القطاع ، وأن مصر، حكومة وشعباً، ليس بمقدورها أن تقف مكتوفة الأيدى حيال ذلك . وفى السياق الأشمل، وفى ضوء ما يتسرب من معلومات، خاصة من جانب السلطة الفلسطينية، يتوجب الوقوف بحزم ، ضد أى تسوية مرتقبة، من شأنها الإعتراف "بيهودية " الدولة العبرية، والتنازل عن حق العودة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تهجير قسرى لفلسطينيى 48 ، نتيجة صعوبة الحياة لهم فى داخل مدنهم وقراهم ، وما يمكن أن يكون مسار ترحيلهم، ومن بينه، شبة جزيرة سيناء، من تهديد حقيقى للأمن القومى المصرى، حاضراً ومستقبلاً، أى رفض قاطع وحاسم لأى أطروحات تنصرف إلى أن تكون سيناء من ضمن ما يسمى "بالوطن البديل" للشعب الفلسطينى . وإذا كانت موازين القوى فى اللحظة الراهنة ليست فى صالح الشعب الفلسطينى ، لأسباب عدة، فلا يمكن التطوع باسقاط حق العودة والإعتراف بيهودية الدولة العبرية، فرغم كافة معاناة وعذابات المنافى ومخيمات اللجوء القسرى، والتى كان الحلم بحق العودة، هو المعادل الموضوعى لها، ولم يكن من قبيل العبث الاحتفاظ بمفاتيح الديار والبيوت لدى من فرضت الظروف القهرية عليهم مغادرة الوطن ، ريثما يأتى اليوم الذى يعودون فيه . والحقيقة، أن غالبية الشعب الفلسطينى ترفض أى بديل مقترح عن حق العودة للوطن الأم: فلسطين . ومن ثم يتوجب التصدى لأى محاولة لتمرير ما يحاك بليل لمصادرة هذا الحق، وذاك الحلم الذى تم التمسك به برغم كل الظروف غير المواتية الماضية لتجسيده عملياً ، وبالتالى، وموضوعياً، وكما كتبت مراراً ، فالإعتراف بيهودية الدولة العبرية والغاء حق العودة لفلسطين السليبة، يعنى نهاية القضية، وإضفاء مشروعية غير مبررة لكيان مغتصب، برعاية دولية وفق السياق التاريخى لتطورات القضية الفلسطينية، وتهريبه من تحمل كافة المسئولية القانونية والسياسية والاخلاقية تجاه الشعب الفلسطينى على أكثر من صعيد . وعلى من سيقدمون على مثل ذلك، ومن يتسترون عليهم تحمل تبعات هذا الفعل المجرم . فالخيانة ليست وجهة نظر، أو أختلاف فى الرؤى والتصورات، خاصة حينما تكون فى صلب وجوهر القضية، مهما حاولوا تجميل هذه الخيانة تحت دعاوى الواقعية والعملية، فخبرات التاريخ تؤكد أن مآل نضال الشعوب فى نهاية الطريق هو النصر، مهما طال السفر وصعبت الدروب والمسالك، وان الهزيمة تكون فقط عندما تكون من داخل النفس، غير أن الشعب الفلسطينى حتماً لم يهزم من داخله، فى أى مرحلة من مراحل الصراع، ولن يهزم باذن الله ، فهو شعب الجبارين، وقادر على معالجة الخلل فى موازين القوى لصالحه، طالما ظلت قناعة الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، هى قضيتهم المركزية الأولى .