الدولة اليهودية مفاجأة أم هدف تاريخي؟ جمال محمد عبيدات حكاية «الدولة اليهودية» حكاية طويلة و تعود الى سنين بعيدة قبل أنابوليس وحتى قبل قيام اسرائيل، فقبل الولادة الدولية لما يسمى بإسرائيل كان هناك اعتراف أممي بها ك «دولة يهودية».
بل إن قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم «181» (نوفمبر 1947) قال بإقامة دولتين مستقلتين في فلسطين «يهودية وعربية» (ولم يقل يهودية وإسلامية «بل تعاطى القرار مع اليهودية باعتبارها قومية، أما قادة إسرائيل ومنظرو الصهيونية فقد اتفق جميعهم على تعريف «إسرائيل» كدولة يهودية...
وشدد ما يسمى بإعلان الاستقلال على أن السلطة والسيادة في إسرائيل هي للشعب اليهودي... فضلا عن أنه تواترت في الإعلان مقولات: «الشعب اليهودي.. و«الدولة اليهودية»، «حق الشعب اليهودي في تأسيس دولته»، و«شعب يهودي سيد».
وقد اتفق في هذا الطرح المتشددون والعلمانيون منهم على السواء .. فإيتمار رابينوفيتش (سفير إسرائيل السابق في واشنطن) عرف نفسه في حوار (على إحدى القنوات الفضائية العربية) بأنه علماني إسرائيلي غير أن «إسرائيل»، بالنسبة له، هي دولة يهودية في المقام الأول.
وفي هذا السياق فإن هناك فيضاً من الدراسات والمؤلفات التي وثقت لتاريخية وعقائدية هذا المفهوم وفي جميع اللغات ..وقد حذرت بعض الدراسات الإسرائيلية من مخاطر هذا المفهوم ومن أبرزها : كتاب «إسرائيل شاحاك» (الديانة اليهودية وتاريخ اليهود: وطأة 3000 سنة).. إذ يقول شاحاك «من المخاطر المبكرة لمفهوم الدولة اليهودية: استدعاء الفظائع العسكرية التاريخية وتبنيها وممارستها من خلال استراتيجية عدوانية متوحشة».. ومن أمثلة هذا الاستدعاء ... ما جاء في (سفر يوشع 10 28 40..) ..
«وهكذا هاجم يوشع كل أرض الجبل والمناطق السهلية والسفح ودمرها وقتل ملوكها، ولم يفلت منهم ناج، بل قضى على كل حي كما أمر الرب إله إسرائيل».. ويؤكد «شاحاك » بأن الاستدعاء لهذه الفظائع الدينية أصبح سياسة أو استراتيجية للجيش الاسرائيلي»!!
ومن الدراسات اللافتة في هذا الموضوع دراسة (أورن يبتحال/ المحاضر في كلية الجغرافية في جامعة بن غوريون) حول «الأوهام الإسرائيلية الثلاثة» ويلخصها بالتالي: وهم الديمقراطية؛ ووهم وجود «مجال إسرائيلي»؛ ووهم وجود «هوية إسرائيلية» مشتركة، ثم يؤكد «يبتحال» بأنه لا يوجد في «إسرائيل» أقلّه إلى الآن بنية تحتية سياسية مكانية وقانونية، لإيجاد نظام ديمقراطي...
وأن الخلل الجوهري كامن في حقيقة أن «إسرائيل» ما زالت إلى الآن تعتبر دولة متهودة، وليس فقط يهودية، وإنما متهودة، ومن أجل ذلك تم إنشاء وسن منظومة كاملة من القوانين والمراسيم والمؤسسات بهدف السيطرة اليهودية وتمددها على المنطقة «المتنازع عليها».
ويضيف «يبتحال» بأن المؤسسة الدينية تُحدِّد «من هو اليهودي». وتعطي النظام نكهة ثيوقراطية يهودية.. وبذلك فإسرائيل تبتعد أكثر فأكثر عن الديمقراطية.
وتناول هذه القضية العديد من المفكرين والباحثين العرب بدراسات معمقة لعل من أبرزهم «عزمي بشارة» في كتابه («من يهودية الدولة وحتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية»: دار الشروق، 2005 )..يتناول بشارة في كتابه «الإشكاليات الرئيسية في الديمقراطية الإسرائيلية».
وربما من أبرزها «إشكالية المواطنة ويهودية الدولة». ف «إسرائيل وهي في ذروة علمانيتها لم تستطع التخلص من التطابق التام بين الانتماء الديني والانتماء القومي للأمة التي يراد تأسيسها بإقامة الدولة...مما يفسر العودة إلى «رموز ما قبل الشتات في مملكة يهودا وأرض إسرائيل التوراتية». وأن «يهودية الدولة ليست مجرد صفة، بل أيديولوجية سائدة.. حتى جعلت في حالات معينة من كراهية العربي تأكيدا للهوية».
مما عزز موقف عدم إمكانية التعايش مع الفلسطينيين»، أما الباحثة الفلسطينية رجاء العمري من حيفا فتقول بأنه «في غياب (الجزء القومي) في مشروع المواطنة وفي ظل دعوات (التهويد) يتحول الفلسطيني إلى هندي أحمر في وطنه!!
بينما تؤكد الباحثة نيفين أبو رحمون في دراستها حول «الوعي القسري» وإقصاء الهوية ( 21 /2/ 2005) ..
بأن هوس «يهودية الدولة» وفرض رموزها يتعدى إلى فرض رموز الدولة والحركة الصهيونية وتراث اليهود على عقل الطالب العربي..حتى بات جهاز التعليم العربي يشكل أداة للسيطرة على العرب، وعلى وعيهم كما على وجودهم. وتشكل مضامين التعليم العربية نهجا مدروسا في هذا الإطار لتمييع هوية الطالب الفلسطيني وإحساسه بتاريخه وثقافته ورموزه الوطنية...
وفي نفس الوقت الذي يجري فيه «التشديد على يهودية الدولة الاثنية» طرحت وزارة المعارف الصهيونية «100» مصطلح على الطلاب العرب لدراستها.
تنقسم إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تتناول التراث اليهودي (وليس العربي الفلسطيني) ومجموعة تتناول الحركة الصهيونية (ليس الحركة الوطنية الفلسطينية أو الحركة القومية العربية).. تتناول هذه المجموعة الرواية الصهيونية من خلال مصطلحات مثل «حرب الاستقلال». حرب «سلامة الجليل».
كانت إسرائيل «مضطرة» لخوض القتال دفاعا عن ذاتها «أمام الإرهاب والاستفزاز العربيين». وثالث هذه المجموعات مجموعة المصطلحات الديمقراطية وهي (لليهود والعرب)... ومن أمثلتها «النشيد الوطني» و«قانون العودة لليهود».
وتخلص أبو رحمون بالاستنتاج بأن «تعليم الرواية الصهيونية والثقافة اليهودية للطالب العربي إنما يهدف إلى خلق وعي مشوه وهوية إسرائيلية في محاولة لإنتاج وعي قسري في ظل غياب الرواية العربية الفلسطينية البديلة».
وفي ذات الموضوع تناول مجموعة من الباحثين الفلسطينيين قضية «المواطنون العرب في إسرائيل: الحاضر والمستقبل». (الليمون المر 24 يونيو 2004 الإصدار 24) فكان منهم:
ماجد عبادي (باحث في مجال حقوق الإنسان) تناول مسألة «التفاوت في ملكية الأرض والتعليم.. و طرح إشكالية الوجود العربي في ظل الدولة العبرية (هناك ما يقارب 3 ,1 مليون من المواطنين العرب، يشكلون ما نسبته 20% من عدد سكانها البالغ 6 ملايين)..
وقال إن إسرائيل تعرّف نفسها، حسب إعلان استقلالها، بوصفها دولة ديمقراطية ودولة الشعب اليهودي»، أما واقع العرب فيكذب الوعد بالديمقراطية والمساواة حيث هناك «انعدام للمساواة بين اليهود والعرب في أغلبية أوجه الحياة في إسرائيل، مثل تملك الأراضي والتعليم».
حسين إيبش (مراسل صحيفة الديلي ستار اللبنانية في واشنطن) فتناول: «عدائية إسرائيل تجاه مواطنيها العرب» واستنتج بأنه بات من الاعتيادي الإشارة إلى المواطنين الفلسطينيين بوصفهم «قنبلة سكانية موقوتة» أو «تهديداً ديموغرافياً»، وليس على أنهم بشر...فقادة إسرائيل يحذرون من أنه إذا تنامى عدد العرب من نسبة 20% الحالية إلى ما بين 35-40%، فإن إسرائيل ستصبح- مصيبة المصائب «بلداً ثنائي القومية».
الدكتور أحمد الطيبي: (الطبيب وعضو في الكنيست، و زعيم الحركة العربية من أجل التغيير، والذي كان مستشاراً سياسياً لياسر عرفات بين عامي 1993 و 1999 ) وصف السياسة الإسرائيلية تجاه العرب بأنها «ديمقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب».
وفي مسألة التسامح أكد الطيبي أن ثمة صدعاً آخذاً في التوسع في العلاقات بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية داخل إسرائيل.. وأن هناك تناميا في مشاعر السخط، حين أن النظام والأكثرية اليهودية، يعاملون العرب على أنهم أعداء وليس على أنهم مواطنون شركاء، كما أن هناك ميلا متناميا داخل المجتمع الإسرائيلي لتأييد فكرة الترانسفير».
أما المرحوم الدكتور «أحمد صدقي الدجاني» فكان قد تناول في مقال له «مفهوم الدولة اليهودية وماذا يعني؟ في (صحيفة الأهرام 26 /7/ 2003) .. قال فيه «اسرائيل بحسب هذا المصطلح هي (مُلْكٌ) لأشخاص تعرِّفهم السلطات الاسرائيلية كيهود، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، وتعود أي اسرائيل اليهم وحدهم. أما من ناحية أخرى، فإسرائيل كدولة يهودية، لا تعود لمواطنيها من (غير اليهود) الذين تُعتبر مكانتهم لديها مكانة (دونية) على الصعيد الرسمي نفسه.
ويشير الدجاني إلى أن شارون أرسل إلى الرئيس بوش وإلى الكونغرس في واشنطن وزير السياحة في حكومته ليقول لهم: إن الحل الذي «نقبله ولا نقبل سواه هو أن يكون الأردن وطن الفلسطينيين، وبإمكان أي فلسطيني في أي مكان كان، بما في ذلك عرب «إسرائيل» التوجه إلى الأردن وإقامة دولتهم فيه».
وأردف قائلاً: هذا هو الحل العملي الذي يوفر علينا وعلى الفلسطينيين العذابات وعدم الاستقرار. فإسرائيل من البحر إلى النهر لن تكون إلا دولة يهودية نقية.
نكتفي بما تقدم للاستدلال والتأكيد على تاريخية الطرح الصهيوني وعقائديته ورسوخه في الفكر والذهنية الصهيونية.. ونتساءل كيف يمكن القبول بمزاعم المفاجأة التي قيل بأنها أحرجت حضور (أنابوليس)؟؟ إن كل ما في الأمر هو الانتقال المنهجي المنظم من مرحلة المطالبة بالاعتراف ب «إسرائيل دولة ذات سيادة» إلى مرحلة «الاعتراف العربي بهويتها اليهودية». والانصياع بعد ذلك لشروط هذه المرحلة وما يترتب عليها!!
ألم يتم ترسيخ مفهوم «يهودية الدولة» كحقيقة فكرية وسياسية وقانونية ودولية بل واقعاً معاشاً على الأرض؟؟ والعرب منشغلون في نزاعاتهم الصغيرة؟
وأما بالنسبة للمهرولين إلى موائد «رايس وليفني ومن لف لفهما.. فبالله عليكم ماذا أبقيت من ثوابت أو خطوط حمراء دون انتهاك؟
ماذا بقي للتفاوض ؟
ألم يتم التنازل عن معظم الحقوق ؟؟ ومن لم يتم التنازل عنه ألسنا بصدد المساومة عليه؟؟ عن صحيفة البيان الاماراتية 12/12/2007