لم يكن يحتاج إلى البحث عن عمل أو ممارسة مهنة، فقد كان يملك ثروة تسمح له بأن يعيش حياة مرفهة،فانكب على القراءة والمطالعة دون الاهتمام بشؤون حياته المادية. تمر اليوم الذكرى ال63 على وفاة الكاتب الفرنسي أندريه جيد، الذي قال "لا شيء يمنع السعادة كذكرى السعادة"،وقال "من الأفضل أن تكون مكروهاً لما فيك على أن تكون محبوباً لما ليس فيك"، و"الفن تعاون بين الله والفنان، وكلما قلَّ دور الفنان كان الأمر أفضل". حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1947، وللكاتب كثير من الروايات المترجمة إلى اللغة العربية منها "الباب الضيق" و"السيمفونية الرعوية" و"مزيفو النقود" و"اللا أخلاقي". عاش فترة طويلة بين الجزائر وتونس، وترك له أبوه ضيعة صغيرة في مدينة "بسكره" الجزائرية، كان ينزل إليها في فصل الشتاء من أجل الاستشفاء من مرض الصدر الذي أصابه وهو شاب صغير. وقد أتاحت له هذه الإقامة التعرف إلى المسلمين، وعاداتهم في الريف التونسي، وربطته صداقة قوية بالعرب الريفيين البسطاء هناك، وأحب العيش بينهم، وهو ما يتجلى بقوة في روايته "اللا أخلاقي". قال عميد الأدب العربي عنه: "أأدهشك يا سيدي إن قلت لك إن "الباب الضيق" ليس أول كتاب ترجم إلى العربية من كتبك؟ فقد ترجمت "السيمفونية الريفية" منذ أكثر من عشر سنين ، وطبعت ترجمتها غير مرة. وترجمت بعد "الباب الضيق" "مدرسة النساء" وفي النية أن يقدم "المزيفون" إلى قراء العربية. ومن يدري لعل "أقوات الأرض" أو "روميتيه" أو "بالود" أن تترجم في وقت قريب. إن الشرق العربي جدير أن تثق به. إنه يذيع أدبك كما أذاع من قبل آداب قادة الرأي في العصر القديم. وإنا لنبتهج إذ نراك بيننا في الوقت الذي يقدم فيه كتابان من كتبك إلى قرائنا ويسعدنا أن ينبئك نجاحهما بأن الإسلام يحسن اللقاء كما يحسن الإعطاء». كما قال عنه سعدي يوسف: ربما اعتبرَ القاريءُ ، أندريه جِيد، والحديث عنه الآن، ضرباً من العودة إلى ماضٍ شِبه منسيٍّ، وهو أمرٌ مفهومٌ في ثقافةٍ ليست متّصلةً، لكن أندريه جيد حاضرٌ في ثقافة بلده وقارته، بل حتى في سلوك مواطنيه، ولا تزال الدراسات عنه، شخصاً ومبدعاً، تحظى بالاهتمام، ومن بينها هذه الدراسة ذات الصفحات السبعمائة التي أُلخِّصُ منها "ساعات أندريه جيد الأخيرة". القاريء العربي عرف جِيد في كتبٍ ممتازة الترجمة، وكان لطه حسين فضلُ تقديمه إلى لغتنا في مطبوعات دار الكاتب المصري ومجلتها الشهيرة، ومن بين تلك الكتب كما أتذكر، أوديب -ثيسيوس، الباب الضيق، وترجم له اللبنانيون "قوت الأرض" و"السمفونية الراعوية" و"مزيفو النقود". كانت حياة جِيد في منتهى الغنى والجدل، والتحولِ بجانبيه المعنوي والماديّ، ومن هنا جاءت صعوبة عمل ألن شريدان الذي استقصى هذه الحياةَ المفعمةَ ثراءً وتفاصيلَ ذاتَ مغزى، يوماً بعد يومٍ، في دأبٍ يستحقّ الإعجاب والتقدير. اندريه جيد انطلق في صياغة الفصول الجديدة، وفي تحديث النصوص القديمة، من مجموعة مراسلات دوستويفسكي، التي صدرت مترجمة في ذلك الحين. وقد أتاحت تلك المجموعة لجيد الذي كان، هو الآخر، من هواة كتابة الرسائل وقراءتها، مناسبة لرسم «بوتريه» للكاتب الروسي. وحلّت لديه بديلاً من السيرة السردية. ويقيناً أن قراء دوستويفسكي كانوا دائماً في حاجة إلى من يرسم لهم صورته السيكولوجية في شكل ذكي وحاذق يساعدهم على فهم أعماله وما أغلق عليهم منها، بأفضل مما يمكن سيرة حياة أن تفعل. انكبّ اندريه جيد، على تحليل شخصية دوستويفسكي، رابطاً تطور تلك الشخصية، كما تلوح من خلال الرسائل، بتطور علاقة الكاتب بالشخصيات المحورية في أدبه. وإضافة إلى هذا، تمكن اندريه جيد، عبر تلك البورتريه، من رسم صورة متكاملة للرجل نفسه في خضم تناقضاته، مفسراً بتناقضات الكاتب تناقضات الشخصيات التي يبدعها. وهو نفس ما كان اشتغل عليه ولكن في توسع أكثر في اتجاه الروايات الكبرى لدوستويفسكي، في المحاضرات المعروفة باسم «محاضرات فيوكولومبييه». أغرته الشيوعية مدّة إلا أن رحلته إلى الاتحاد السوفياتي 1936 أقنعته بلا إنسانية النظام الستاليني. ورفض دائماً تكريمات الدولة، وتوفي في باريس في العام 1951.