(1) كان أقبح ما يمكن رصده في إنتخابات الرئاسة الماضية مايو 2012، والتي أسفرت عن رئيس هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديث كله، هو حضور الشعارات والمزايدات على حساب الإجتهاد في وضع خطط تلامس الأرض وتبني على الموارد المتاحة وتوظف الإمكانيات وتطرح حلولًا فعلية للمشكلات وكيفية تخطيها. فلا أتذكر شيئًا من برامج المرشحين سوى كلمة "القضاء" التي سبقت كل مشكلة يعاني منها المصريون بسطاءًا ومرفهين وبين بين، فصرنا بصدد أوراق وملفات إليكترونية تمتلئ ب"القضاء على البطالة، القضاء على الأمية، القضاء على التسرب من التعليم، القضاء على مشكلات الصرف الصحي، القضاء على مشكلات الطاقة، القضاء على مشكلات المرور… وهكذا"، وكما أسهب عامة المرشحين في إستخدام كلمة "القضاء" زاعمين إمتلاكهم فانوسًا سحريًا سيظهر حال جلوسهم على مقعد الرئيس، أسهب الخاصة ممن طرحوا أنفسهم زعماء وممثلين لثورة "الخامس والعشرين من يناير 2011″ في ترديد الشعارات الثورية، ولأن هذا النوع من الشعارات كان يجدي نفعًا إلي أبعد مدى مع الشباب حديثي السن تم الإكثار منه، دون أن يحدثنا واحدًا منهم كيف له أن يقتص للشهداء من قاتليهم أو أن يضمن رغيف الخبز للفقراء بكرامة أو أن يجبر القطاع الخاص على الإلتزام بخطة واضحة لتحقيق العدالة الإجتماعية. كانت الشعارات والوعود الإنتخابية متماشية إلي حد كبير مع الحالة العامة التي سيطرت على الجميع حينها، أضواء ساطعة تُعمي الأعين عن رؤية الواقع، ومغالطات متراكمة لا يقوى أحد على ملاحقة سرعة إنتشارها للرد عليها وتفنيدها، وسيولة ولا منطقية في الأحداث، فانتجت التجربة ما انتجت، وكان ل"30 يونيو" الفضل في محو سوء ما انتجت. (2) مناسبة هذا الطرح هو كثرة الحديث عبر وسائل الإعلام الجماهيرية عن برامج المرشحين لانتخابات الرئاسة أبريل 2014، وأنها ولا سواها الأساس الذي يجب أن يحكم الناخب ويدفعه للتصويت لهذا المرشح دون غيره، ولا أعرف هل تجلس نخب الفضائيات سويًا مطلع كل شهر ليتفقوا على ما سيروجون له !!، فلا تكاد تلحظ تناقضًا في الأطر العامة والخطوط العريضة لحديثهم، ورغم إختلافهم في المواقف أحيانًا، إلا أن لديهم القدرة على حبس المشاهد في زاوية ما وتضخيمها لتصبح هي الكون كله ومن خلالها يقيّمون، وكما حبسوا الرأي العام لشهور في ثنائية المدني والعسكري وقتلوا كل طرح يعالج الأمر وفقًا لثنائية الوطني وغير الوطني، والكفء وغير الكفء، والمناسب وغير المناسب، يؤسسون مهرجانهم اليوم حول برنامج المرشح والذي لا تتخطى رؤيتهم له وفقًا لتجربتنا الماضية معهم عددًا من الشعارات الثورية وعددًا من المشكلات التي يتعهد المرشح بحلها – بدون تأصيل خِططي -. ولا جدال في حتمية أن يعلن كل مرشح مبادئه وأهدافه العامة، ولكن الجدال يأتي حول دور النخب السياسية "كتاب وإعلاميين وقادة احزاب وحركات" في التعامل والتعاطي مع هذه المبادئ والأهداف المعلنة، فهل المطلوب من النخب هو التهليل لهذا المرشح دون غيره بناءًا على قدرته في عرض شعارات ينافق من خلالها الرأي الغالب على الأوساط السياسية، وهل يتوقف دورهم – الذي من المفترض أنه مُوجِه للرأي العام – عند حد المفاضلة بين شعارات الناخبين؟ّ!.. أم أن المطلوب على وجه الصواب هو تحليل الشخصية وإظهار نقاط ضعفها ومواطن قوتها وهل لدى صاحبها الكفاءة "القوة والقدرة" لتحقيق أهدافه والسعي لمبادئه، كذلك قراءة المسوغات الواقعية والبناء عليها عند التعرض لطموحات المرشح المستقبلية، وكذلك حساب المعوقات وحجمها وما هي فرص المرشح في تخطيها وإلي ما يستند في معركته؟ وهل يكفيه ما يستند إليه؟، وكذلك قراءة تاريخ وحاضر المرشح وهل لديه أو لدى من يختارهم كأعوان له، القدرة والفرصة لترجمة الأهداف النبيلة في صورة خطط زمنية فعلية وجادة وتنفيذها ومراقبتها وتوجيه القائمين عليها؟. ونحن في هذا نؤمن كما يؤمن غيرنا أن البرامج الثورية والمبادئ الوطنية على أهميتها وجلالها لا تنهض بنفسها، وإنما بالأفراد القائمين على تنفيذها، فالعنصر البشري يظل هو العامل الحسم سواء عند ترجمة المبادئ إلي خطط محسوبة المدى أو عند التنفيذ وتزليل العقبات، ولكل امرئ قدرة لا يمكنه تخطيها تحددها الظروف والإمكانيات والمعوقات فوق تكوينته الذاتية وهل هي رخوة أم جادة، ولاسبيل أمام النخب إن أرادت جادة إصلاح الوطن سوى إدراك أن المزايدة بغير وعي والشعارات الخالية من المضامين، لا تصنع المجد ولا تؤسس له، وفشل أصحابها حتمي، والأحلام في المطلق بدون تأصيل وتخطيط إستراتيجي وحساب للمعوقات وأساليب مواجهتها، عبث محض يقود صاحبه إلي الإنتحار أو الهروب، ويقود العامة ممن تولّى أمرهم إلي الفوضى وفقدان الثقة.