اتخذه العديد من المفكرين والأدباء أبًا روحيًا لهم، وكان على رأسهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي قال عنه: «كان سلامة موسى الراعى والمربى الأدبى لى، وكان الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى، وكان أحد العوامل الكبرى التى ساعدتنى فى حسم اختيارى الأدبى». تمر اليوم الذكرى ال127 لميلاد المفكر المصري سلامة موسى، رائد الاشتراكية المصرية وأول المروّجين لأفكارها، وأكبر مبشر بالعدالة الاجتماعية وبالعلم وبالرؤية العصرية. قال عنه نجيب محفوظ في كتاباته: «كنت أمضى العام كله وأنا أكتب رواية واحدة ثم آخذها تحت إبطى فى آخر العام، وأركب الترام إلى الفجالة، أدخل حارة ميخائيل جاد وأدق باب أحد البيوت فيخرج لى سلامة موسى، ويأخذ منى الرواية وأسبوع يمر وأروح لسلامة موسى البيت فأفاجأ به يقول لى: مش بطال لكن حاول مرة تانية وكان الأديب الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى وهى مخطوطة، بل كان هو أحد العوامل الكبرى التى ساعدتنى فى حسم اختيارى الأدبى.. وأذكر أنه قال لى: إن أغلب الذين يكتبون القصة فى مصر من المتأثرين بالغرب فكيف يمكن كتابة رواية مصرية لحما ودما؟ كم هى جميلة تلك اللحظات التى أتذكر فيها بداية علاقتى به، حين صدرت المجلة الجديدة وكنت أول قارئ اشترك فيها فأرسل لى سلامة موسى خطابا يشكرنى ويقول فيه: اعتبرك من أصدقاء المجلة». في كتابه "فكر سلامة موسى وكفاحه"، تطرق الكاتب والإعلامي فايز فرج إلى فكر المفكر الرائد سلامة موسى الذي ظل سنوات طويلة يدافع عن قضايا من أجل تحرير المرأة، وتحرير الوطن، وتحرير الاقتصاد، وغيرها من القضايا المهمة، واستهل كتابه بالسنوات الأولى من حياة المفكر سلامة موسى، قائلًا: في السنوات الأولى من حياته كان الطفل سلامة كثير الملاحظة والتقاط السلبيات التي يعيش بينها، فهو يتذكر "العلقة" التي أخذها من أخته؛ لأنه ناداها باسمها في الشارع، وكان هذا عيبًا أن تعرف أسماء البنات، ولا يستطيع سلامة أن ينسى منظر أحد المجرمين وهو يشنق في ميدان الزقازيق، كذلك حفر في ذاكرته منظر ولادة الجاموسة. يذكر المؤلف أن سلامة أراد أن يعيش ليدرس، ويدرس ليعيش، ففي سنة 1907، سافر سلامة موسى إلى باريس، وحاول أن يندمج في المجتمع الفرنسي، فتعلم اللغة الفرنسية في بضعة أشهر، حتى أصبح قادرًا على قراءة الصحف الفرنسية بل والكتب، وكانت الجملة بالنسبة له أفضل من الكلمة وحتى يتقن الفرنسية أكثر، كان يذهب إلى المسارح لحضور التمثيليات والدرامات. ولم يعجب "سلامة" بالمرأة والكنيسة الفرنسية وحسب، بل عبر بكتاباته عن إعجابه الشديد بالشعب الفرنسي، فهو لم يجد طوال إقامته في فرنسا رجلًا سكرانًا، وفضل فرنسا على سلامة أنها جعلته أوروبي الفكر، أي يفكر بموضوعية ويؤمن بتحرير المرأة، وحرية الفكر وتحرير العقل، وكذب الغيبيات، وعاد سلامة إلى مصر من فرنسا، ومكث شهرين، ثم سافر مرة أخرى عبر فرنسا إلى لندن هذه المرة، وفي لندن حاول تعلم الألمانية، لكن سوء الطريقة التي اتبعها المعلم، مع صعوبة اللغة نفسها، دفعا إلى التوقف عن دراستها، وبدلًا من أن يعيش في لندن لسنة أو اثنتين، بقي أربع سنوات. سلامة موسى خلال هذه الفترة وضع النقط على الحروف، وحدد ما يريد أن يفعل في مستقبل أيامه، فالعمل الذي يتمناه هو أن يكون مفكرًا وكاتبًا مستنيرًا، ينير الطريق أمام أبناء وطنه، لمستقبل أفضل، يتحقق فيه الاستقلال الوطني، وتتحرر المرأة فيه من كل القيود، لتصبح قوة عاملة في المجتمع بجانب الرجل، وينتشر العلم، وتتحول مصر إلى الصناعة، ويختفي الجهل والفقر والمرض، والإيمان بالغيبيات، وتنتشر المدارس لبنات والبنين. كان سلامة موسى يؤمن بأن التأليف ليس صناعة أو حرفة، وإنما هو الحياة؛ لأن المؤلف يحيا في مؤلفاته، كما أن مؤلفاته تحيا فيه، فهو مهموم دائب التأمل، يمارس الحياة ويلتقط منها موضوعاته التأليفية، بل إن هذه الموضوعات تغمره وتتدخل في علاقاته العائلية والاجتماعية والاقتصادية. وفي رسالته حادًا صلبًا قويًا، ومن هنا اختلف مع بعض الأدباء والمفكرين في أفكارهم وأهدافهم ومؤلفاتهم. وتحولت هذه الاختلافات إلى مناقشات ومعارك أدبية وفكرية، كان السلاح الوحيد المستخدم فيها هو القلم. يقول سلامة موسى: عندما أقارن بين مؤلفاتي وبين مؤلفات طه حسين وعباس العقاد، أعجب أكبر العجب؛ لأن موضوعاتها التي تشغلهما تختلف عن الموضوعات التي تشغلني، فإن لهما أكثر من ثلاثين أو أربعين كتابًا عن شرح المجتمع العربي في بغداد والمدينة ومكة وغيرها من الدراسات عن أبطال من العرب ماتوا قبل 1300 أو 1400 سنة. وتقرأ باسنت موسى في كتابه «هؤلاء علموني»، فتقول: بدأ أستاذنا سلامة موسى كما يقول في رسم خارطة حياته حوالي عام 1906، حيث قرر الذهاب إلى أوربا بعد أن ساءت أحواله العائلية وهناك انبسطت له أفاق وأحلام جديدة وذلك من خلال انه بدأ أولا في تعلم اللغتين الفرنسية والإنجليزية فأختلط بعناصر جديدة في تلك المجتمعات وقرأ العديد من الكتب التي بعثت النور في عقله والشجاعة في قلبه فقرر منذ ذلك الوقت وهو في حوالي العشرين من العمر أن يكون متمدينا مثقفا وعاش باقي سنوات عمره كما يقول في خصومات بسبب قراره هذا. مع أنه أحترف الأدب والعلم والثقافة فأنه يشعر أن كل تلك الأشياء تعنى عنده الكفاح والحياة، لذلك هو لا يبالى بما يقال عن أسلوب الكتابة ولكنه يبالى أسلوب الحياة ولا يعبأ ببلاغة العبارة ولكني يعنى بأن تكون الحياة بليغة بحيث نحيا متعمقين متوسعين، والحياة لا تعنى لدى سلامة موسى هذا العمر القصير الذي يحياه بدمه ولحمه بل أن أجمل أحساس يستمتع به في فترات اليأس والذي يحيل يأسه إلى رجاء أن مؤلفاته وأفكاره ومنهجه الفكري وكفاحه لن يموت بعد موته إذ هو سيبقى ويؤثر ويوجه ويفتح النوافذ للنور، وبذلك يتجاوز حياته ويحيا ويؤثر بعد موته. أما طارق حجي، فيؤكد أن "موسى" كان كبير المظاليم فى حياتنا الثقافية، ويقول: تأثر "موسي" بكتابات ونظريات تشارلز داروين . وصار عراب الاشتراكية الإصلاحية، كما صار عراب الدعوة للعلم واللحاق بالحضارة الغربية والانتقاد الكلي للحضارات الشرقية. فى 1914 اشترك مع شبلي شميل فى تأسيس صحيفة أسبوعية سمياها "المستقبل" ؛ لم تعمر طويلا. وفى 1921 ساهم مع المؤرخ المصري المعروف محمد عبدالله عنان فى تأسيس "الحزب الإشتراكي المصري". تولى موسى رئاسة تحرير واحدة من أهم المجلات الثقافية بالعربية "الهلال" من 1923 وحتى 1929، وفى 1930 أسس مجلته "المجلة الجديدة" التى نشر فيها لسنوات خلاصة أفكاره المناصرة للعلم والحضارة الغربية مع نزعة إشتراكية إصلاحية. كذلك كان من رواد تيار "فرعونية مصر" مع نظرة لم تتخل عن استهجان الثقافة العربية والأدب العربي. كان الناقد المصري (الماركسي) الشهير غالي شكري من أبرز المنافحين عن سلامة موسي وقيمة رسالته الفكرية. ويقول غالي شكري: "كان سلامة موسى يرى أن تحرير الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة سوف يؤدي إلى تحرير تلك الفئات من سائر أشكال العبودية".