أعترف أن الأمر لم يخل من طرفة كانت مدخلا للتعرف على طريقة تفكير الشيخ ومنهجه وليس مذهبه أو عقيدته إذ ارتبط بانتشار مقطع فيديو شهير ينبرى فيه مُفسرا ومحللا لمعنى كلمة ” بيبسى كولا ” وهى تعنى حسب فتواه ( ادفع أي فكه لإنقاذ إسرائيل ) !! وبغض النظر عن وجاهة هذا التفسير الكوميدي أو عدم وجاهته أو كونه حتى فقرة ترويجية لصالح ‘ مكة كولا ‘ إلا أن الشيخ ( السلفى الإخوانى ،، الإخوانى السلفى ) !! الذى اعتمد على تفقه ابنه الأصغر بارك الله فيه فى علم مقاطعة البضائع الأجنبية قد توارى عن ذاكرتى على الفور مع زوال الدهشة الوقتية رغم حماسه الكبير لنقل خبرات أبو اسماعيل الابن إلى مئات ملايين المسلمين عبر الفضائيات من خلال هذه الفقرة . ورغم أنه عاد بعد استدعاء شاق من الذاكرة مع صعود نجمه إعلاميا ومن خلال استبيانات مرشحى الرئاسة باعتباره أحد المرشحين ‘ المُفترضين ‘ المُنافسين ، إلا أنه مع هذا نجحتُ فى أن أظل مقاوما صامدا أمام الرغبة فى التعرف إلى المزيد من منهج تفكيره إلى أن هبط بكل ثقله مساء ‘ جمعة استرداد الثورة ‘ إلى ميدان التحرير ليس مشاركا كما أعلن بل ليفرض خطابه هو دون أن يرفع مطلبا واحدا أو شعارا من شعارات الثورة باستثناء موقفه من المجلس العسكري والانتخابات وتفصيلات سياسية أخرى !! الرجل وأنصاره كانوا واضحين وصادقين جدا منذ البداية ، ولكن نحن من أخطأ الفهم أو القدرة على الاستيعاب . فقد أُعلن أن حملة دعمه هي من ستُشارك فى التظاهرات بمنصة كانت الأكبر رغم مُقاطعة التيار الديني المنتمى إليه أو المؤيد له رئيسا سواء كانوا سلفيين أو إخوان أو جهاديين أو غيرهم !! ومع الفهم بأن حملة دعم المرشح للرئاسة ليست كيانا حزبيا أو أيديولوجيا يتبنى برنامجا سياسيا باتجاه فصيل مُحدد وإنما هى فريق يعمل للترويج لصالح مرشح يحمل برنامجا لكل المصريين بغض النظر عن توجهه الأيديولوجي حسب التأكيد المستمر لأبو إسماعيل . إلا أن فريق الحملة الذى تحاورت وتجادلت طويلا مع بعض منظميه قد نجح إلى أبعد حدّ ممكن فى أن يظل فريقا للدعوة بمفهومها الدينى الخالص حتى وهو يرتدى شارات و ‘ تى شيرتات ‘ دعمه لحملة مُرشح ‘ مُفترض ‘ لرئاسة دولة مُختلف على ( دينيتها ومدنيتها ) . وليس صعبا اكتشاف أن فريق الدعم للحقيقة فرق الدعم تمتلك مستوى مغاير تماما لخطاب أبو إسماعيل ( الرئاسي )، فهو خطاب ديني دعوى مباشر وواضح لا لبس ولا تفاصيل فيه نحو تطبيق الشريعة والحدود وتغيير المُنكر إلى أخره ، وبمنهج ينقلك مباشرة إلى المُقدس كتاب الله وسنة رسوله أبو إسماعيل نفسه اجتهد في أن يكون مرشحا ‘ مُفترضا ‘ وهو يتنقل خطيبا بين المنصّات فى الميدان . كما اجتهد فى تسويق عدائه للمجلس العسكرى ، ولكنه مع هذا فشل بامتياز كمُرشح كما فشل كداعية فى إقناع الجمهور سابقا بتفسيره لمعنى كلمة ‘ بيبسى ‘ حتى لو كان تفسيرا صحيحا . فشل رغم أنه أجاد الظهور كأكثر مرشحى الرئاسة حماسة على الإطلاق وثورية وشجاعة وانتقادا للعسكر فى مخالفة مروعة للتوجه العام المؤيد للمجلس من قبل التيارات الدينية الداعمة له . هل استشعر الميدان الذكى رغم التهابه أصلا بالعداء للمجلس العسكرى أول وأخطر تناقض ظاهرى ما بين الشيخ وأنصاره ؟ يبدو أن الإجابة بنعم ، والشواهد كثيرة ليس أولها أو آخرها الهتافات المُضادة والشوشرة المتعمدة عليه أثناء إلقائه لخطبته الأولى من فوق منصته التى قال أنه لو كان يعلم بأنها مُرصعة بصوره لما صعد عليها ، وهو الذى كان يستطيع أن يأمر بإزالة الصور وملصقات الدعاية المستفزة لتهدئة خاطر الميدان هذا مع التصديق بأنه لم يكن يعلم أصلا . يدخل الإنسان الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين ، ولكن هل يصبح ليبراليا بمجرد القول بأنه ليبرالي ؟ أبو إسماعيل يشدد على أنه ليبرالى جدا رغم أنه صاحب سلسلة دراسات ومحاضرات عن حتمية ‘ المواجهة بين الإسلام والعلمانية ‘ التى بُحت أصوات أنصاره وهم يهتفون ببطلانها هى والمدنية والاشتراكية والليبرالية المنتمى إليها شيخهم قولا مشروطا السؤال الأهم الآن ، كيف تمكن الشيخ من اتقان هذا الخطاب الماكر متعدد المستويات وليس المزدوج فقط وهو الشيخ السلفى المضمون الإخوانى الشكل ، أو السلفى بأدوات إخوانية ، أو الإخوانى بمنهج سلفى ؟! بل كيف أتقن القدرة على ضبط هذا الخطاب والتحكم فيه حسب المنصّة التى يلقى من عليها خطبه ودروسه دون أن يفقد تأييد الإخوان أو السلفيين ، بل ويسعى لكسب تأييد التيارات الأخرى والشارع والميدان ؟ الإجابة ببساطة أنه يتمتع بذكاء فطرى كبير ، وثقافة واسعة فى العلوم الشرعية والدينية وبعض الدنيوية ، كما أنه كان دؤوبا على زيارة كل بلدان الشرق والغرب ومغرما ، بمتابعة ودراسة الحملات الانتخابية لمرشحى الانتخابات الأمريكية بالتحديد على كل مستوياتها ، وأدرك مبكرا أهمية اللجوء إلى فريق متخصص يقوم بإعداده جيدا ورسم خطواته وضبط تصريحاته وأدائه ولقاءاته الإعلامية . ولذلك فهو عندما يتحدث عن تطبيق الشريعة فى حال فوزه بالرئاسة وعن مستقبل السياحة وصناعة السينما والفنون يضرب لنا مثلا تشبيهيا فى التدرّج بما قام به النبى صلى الله عليه وسلم فى دولة المدينةالمنورة بمشركيها ويهودها ومنافقيها وأنصارها ومهاجريها من المسلمين . ثم يضعك فى النهاية مباشرة أمام المُقدس ، ويحيلك إلى عهد الدعوة المبكر وعليك أن تختار لأى فريق تنتمى ( المشركين أم اليهود أم المنافقين أم المسلمين ) !! واعدا بأن أسلمة مصر سوف تتم وفق برنامج زمنى ينتهى ونهاية فترة رئاسته الأولى . وعندما يتحدث عن أوضاع المسيحيين ومسألة فرض الجزية مع ملحوظة أنهم يدفعون الضرائب فهو يتأسى أولا لحال المسلمين الذين ينفقون زكاة المال والفطر والصدقات ويدفعون الضرائب أيضا بينما الجزية على النصارى لن تتجاوز وفق حساباته مبلغ العشرة جنيهات عن كل ذمّى على أرض مصر ثمنا بسيطا للدفاع عنه ، ولعصمة دمه وعنقه من الاشتراك فى الحروب مع جيش المسلمين . ثم أنها وفى النهاية علامة عدل ! هل هناك إغراءات أكثر من هذا ليمتنع الشباب المسيحى عن التجنيد والالتحاق بالكليات العسكرية والشُرَطية ؟ الشيخ يسقط بكل سلاسة الحق فى المواطنة ، بعد أن أسقط الفهم بأن القضية فى قيمتها وليست فى العشرة جنيهات أو حتى ‘ الفكّة ‘ التى يدفعها المواطن المُغفَّل فى مشروب ‘ البيبسى ‘ لإنقاذ إسرائيل !! كما يسقط الفهم أيضا بأن الزكاة فرض على المسلم فقط كأحد أركان إسلامه من صلاة وصوم وحج ، وقبلهم الشهادة ، ولا علاقة للمسيحى بأدائها من عدمه !! فى هذه النقطة الحساسة بالتحديد ، ولأنه مُدرب على استخدام العديد من أُطر ومستويات الخطاب الجاهزة بكل تنويعاتها عاد وقال أنه تحدث عن الجزية فى ‘ إطار ثقافى ‘ ولا صلة لذلك ببرنامجه الانتخابى !! أنا لا أفهم مقصد الشيخ بالإطار الثقافى فى علاقته بالدينى وفى علاقة الاثنين بالبرنامج الانتخابى !! وعندما يتحدث عن فرض الحجاب والنقاب فى حال توليه رئاسة البلاد فإنه ينتقل سريعا إلى مربع الداعية فيقول أنه ( سوف يدعو المؤسسات إلى تعميم الزى الإسلامى ) بينما ترجمتها الصحيحة كرئيس وحاكم أنه ( سوف يأمر مؤسسات الدولة بفرض النقاب فرضا على النساء ) لاحظ هنا أنه غالبا لا يستخدم كلمتى ‘ الحجاب والنقاب ويستبدلهما بالزى الإسلامى ‘ . الأكثر إدهاشا فى حازم صلاح أبو اسماعيل من حادثة تفسير معنى كلمة ‘ بيبسى ‘ وعلى قناعة شخصية منه بأن أى ثورة بعد أن تهدأ يتم الانتقام من الثوار فإنه يتحدث بكل الثقة والطُمأنينة قائلا ومشيرا إلى نفسه أنه مالم يوجد حاكم عادل فى قلبه رحمة فإن الثوار سوف يُنكل بهم ، والضمانة الوحيدة لرقاب وأعناق من قاموا بالثورة هى أن ينجح أبو اسماعيل رئيسا للجمهورية !! هل أدرك مولانا الآن لماذا أنعته دائما بالمرشح ‘ المُفترض ‘ وليس ‘ المُحتمل ‘ ؟ أثق أن ثقافته وذكائه ربما يسمحان له بهذا دون طلب المساعدة من أعضاء فريق دعمه . ولكن لا أثق فى سلامة إدراكه بأن مئات الباعة الجائلين يدخلون الميدان للارتزاق يوميا .. يدخلون باعة جائلين ويخرجون باعة جائلين . [email protected]