قبل وفاته ب10 أيام، وقف يتحدث إلى جمهوره البالغ حوالي 3 آلاف بمركز ويمبلي للمؤتمرات بلندن، عن ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد عودته من جولة شملت مصر ودبي وباكستان وماليزيا، لكن ظلت مصر المحطة الأهم في حياة «مارتن لينكز». بالتزامن مع ذكرى ميلاد «لينكز» ال105، تقرأ عليكم «البديل» لمحات من حياته، وآراء تلاميذه في أفكار ذلك المتصوف والأديب الإنجليزي، المولود في مثل هذا اليوم من العام 1909. اعتنق «لينكز» الإسلام في مصر بعد لقائه بالعديد من الصوفيين التابعين للطريقة الشاذلية في مصر، وسرعان ما تجلّى فيه أثر التدين والتصوف، وغيَّر اسمه إلى "أبو بكر سراج الدين"، وصار صديقًا مقربًا للكاتب الفرنسي المسلم الصوفي "عبد الواحد يحيى أو رينيه جينو"، إذ اقتنع تمامًا بصحة نقده القاسي للحضارة الغربية. كان ل«جينو» تأثير حاسم على فكره، الذي تعرف في تلك الفترة على الميتافيزيقي الألماني الفرنسي "فريثيوف شوان"، وبقي على وفائه له حتى نهاية حياته، فقد كان شوان يمثل بالنسبة له "نارًا على علم في عالم مظلم"، ولا نظير له في القرن العشرين. وكانت العلاقة بينهما علاقة تلميذ بأستاذه، وبقيت على نفس الصورة طوال عمره المديد، وحين تردد على لسان البعض أن "لينكز أعظم من شوان" قال في بساطة: إن لينكز ليس شيئًا بدون شوان، وهذا التواضع البسيط كان سمة له بين كل من عرفوه. استقر لينكز في مصر طوال فترة الأربعينيات، حيث درّس لطلبة كلية الآداب فكر وأدب شكسبير. وكان الحدث السنوي البارز في حياته آنذاك هو إخراج مسرحية من مسرحيات شكسبير في الجامعة، تجلت فيها مواهبه وعبقريته المسرحية. وقد كان حبه لشكسبير إلهاما لتلاميذه للتفوق على أنفسهم، حتى إن أحدهم صار نجما سينمائيا شهيرا فيما بعد، وكان عمق فهمه للمغزى الروحي لأعمال شكسبير نبعا انبثق منه كتابه "سر شكسبير.. أعظم مسرحياته في ضوء فن المقدسات". تزوج عام 1944 من "ليزلي سمولي" التي اتفقت مع أفكاره طوال الستين عاما التي تلت ذلك التاريخ، وكان منزلهما الريفي في قرية صغيرة بجوار الهرم خلال حياته في القاهرة ملاذا آمنا لكثير من المصريين والأجانب الذين كانوا يستشعرون ثقل الحياة الحديثة. ويُذكَر أنه أشهر إسلامه على يد شيخ جزائري اسمه الشيخ "أحمد العلوي"، التقى به في سويسرا التي كان يعمل بها مدرسًا، بعدها غيير اسمه من إلى اسم "أبي بكر سراج الدين".وقال وقتها: "لقد وجدت في الإسلام ذاتي التي افتقدتها طوال حياتي، وأحسست وقتها أني إنسان لأول مرة، فهو دين يرجع بالإنسان إلى طبيعته حيث يتفق مع فطرة الإنسان، شاء الله لي أن أكون مسلمًا، وعندما يشاء الله فلا راد لقضائه، وهذا هو سبب إسلامي أولاً وقبل كل شيء". نشر لينجز قبل رحيله عن مصر عام 1952م، كتابًا بعنوان "كتاب اليقين.. المذهب الصوفي في الإيمان والكشف والعرفان". وخلال دراسته للحصول على ليسانس في اللغة العربية، أصدر كتابه ورائعته البليغة "محمد رسول الله وحياته" اعتمادًا على أقدم المراجع؛ وذلك عام 1973م، ونال عنه جائزة الرئيس الباكستاني. كما أصدر العديد من الكتب مثل "الساعة الحادية عشرة"، وهو دراسة عميقة للأزمة الروحية للعالم الحديث، مهد له بكتابيه "معتقدات قديمة وأوهام حديثة"، و"ما هو التصوف؟" الذي تضمن تصحيحا لكثير من المفاهيم عن هذا البعد في الإسلام. وجاء كتابه "الرمز والنموذج الأولي" برهانا على عمق فهمه للرمزية التراثية، فلم يكن مجرد كتاب أكاديمي كما يشير العنوان الثانوي للكتاب: "دراسة في معنى الوجود". ممن أسلم متأثرًا ب"لينكز" كان (غاي آيتون)، وفي ذلك يقول: إن من فتح عيني على الإسلام هو الكاتب البريطاني (أبو بكر سراج الدين)، كما شجعني على إعطاء الإسلام مزيدًا من الاهتمام. شارك "لينكز" في إصدار مجلس أمناء المتحف البريطاني فهرست المطبوعات العربية المحفوظة هناك، والذي جاء الجزء الثاني منه في (113) صفحة من القطع الكبير، صنّفه الأديب بالاشتراك مع السيد (اسكندر فلتن)، وضمّنه كل الآثار العربية المطبوعة التي دخلت خزانة المتحف البريطاني من سنة 1926 إلى 1957م. بعد احتفاله بمناسبة مولده ال96، رحل عن عالمنا المفكر الصوفي أبو بكر سراج الدِّين، صاحب "الفن القرآني في الخط والتذهيب" الذي يعد تحفة فنية، وبه من الأفكار الثرية الكثير حول الخط واللون، تصدّرت مقدمة هذه الطبعة كلمة الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة، تلاه مدخل للدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، ثم 6 فصول عن الخطِّ حتى ص 64، وإلى ص 180 اللوحات، وعندها ينتهي الكتاب المطبوع عام 2005.. نفس عام رحيله عن عالمنا.