كحال مصر يتكون حزب الوفد العريق من مختلف طبقات المجتمع السياسية و الاقتصادية و العلمية ، حيث لا يشترط الإنضمام إليه حداً أدنى من التعليم أو الثقافة أو الانتماء الديني أو العرقي أو الجغرافي . و كما مصر هي منارة التائهين و ملاذ الحائرين , كذا الوفد صار بيتاً للأمة , يستقبل في أروقته و لجانه كل من لفظتهم الجبهات السياسية الأخرى .. والمندسين . عندما أعاده الباشا سراج الدين للحياة السياسية كان لا يزال يحتفظ ببعض جلاله القديم كحزباً حاكماً في السابق يعود بين صفوف المعارضة مناقساً قوياً على الساحة البرلمانية ، و سارع للإنضمام إليه العديد من الأعضاء القدامى و الجدد ، ممن يعلمون جيداً أن " الوفدية " كما الوطنية ، إنتماء لا يمكن التخلي أو التنازل عنه . يوقن غالبية الوفديون بالخلل الإداري على مستوى معظم القيادات الحزبية في القاهرة و المحافظات و الذي نتج عنه تفريغ الحزب من الأجيال القيادية و تأخر شعبية الحزب في الشارع السياسي ونقصان مصداقيته ، مع حرص الوفد الدائم على وجود حكومة موازية للحكومة المصرية ، إلا أنها لا تقدم نماذج قيادية أو حلولاً وطنية ، بل تضيف ألقاباً فقط لأعضاءها . – حكومة مصر أيضاً كما حكومة الوفد.. تضيف ألقاباً .. - و بالرغم من ذلك تنحصر أصوات المعارضة و المطالبات الإصلاحية داخل اجتماعات لجان المحافظات و على صفحات التواصل الاجتماعي فلماذا لا تتطور ثورات الوفديين لتعديل كيان الحزب و إعادته لموضعه الطبيعي و التاريخي ؟ بعدما انتهى عهد الباشوية في الحزب العريق تحولت ساحاته إلى معارك رئاسية ( رئاسة الحزب .. فقط ) حيث سيطرت الغلبة العصبية أحياناً و المالية أحياناً أخرى . وصار الصراع بمجمله على ولاءات الهيئة الوفدية . هنا فقط يختلف الوفد عن مصر . حيث تنحصر الكتلة التصويتية فيما يسمى الهيئة الوفدية ، و هم أعضاء اللجان العامة و النوعية ، و هي عضويات في الغالب أزلية ، إذا ما حصل أحدهم عليها صارت في رقبته ليوم لقاء ربه ، حتى لو اعترف بانتماءه الخفي لتنظيمات محظورة أو تكشفت علاقته بجهات أو أجندات سياسية أخرى ، و هي في كل الأحوال مثار و محور اهتمام المتسابقون على الرئاسة أو الهيئة العليا ، حيث يتحول الوفدي من إنسان عادي ، إلى إنسان انتخابي محَطّ اهتمام و رعاية . أعضاء الهيئة كذلك جعلوا من شخصية الرئيس كائناً أسطورياً ، و زرعوا في نفوس الوفديين الشعور بحزبية الكنبة ، حيث المشاهدة و المتابعة عن بعد و ترديد ذات السؤال على استحياء .. من يصلح بديلاً ، و كأن البديل – فقط – الوحيد هو من يملك المال أكثر ليستطيع توفير أكبر عدد من الموالين في الهيئة الوفدية مخلصين له القرابة أو المواطنة أو الانتماء . فلماذا لا يثور الوفديون ؟ لا يثور الوفديون .. لعلمهم أن اللائحة التنظيمية العتيقة ما عادت تجدي أو تنصفهم ، هي ذات اللائحة التي وُعدوا بتغييرها أو تعديلها دون جدوى . لا يثور الوفديون .. ليقينهم أنهم بلا كيان تأثيري حقيقي على الإدارة العليا .. و أن من يمثلهم من السهل استرضاءهم و إخماد ثورتهم . لا يثور الوفديون .. لعلمهم أن غاية ما يُستجاب لهم ، أن تنعقد الهيئة العليا الموالية و تخرج ببيان تجديد الثقة بالرئيس و الهيئة العليا . لا يثور الوفديون .. لعلمهم التام أن كل ما يُدار من تحقيقات و إجراءات تنظيمية تبقى حبيسة الأدراج و تحكمها المصالحات و المصالح . لا يثور الوفديون .. لأنهم افتقدوا الزعيم الوفدي القدوة ، الذي قد يضحي بمصالحه و صداقاته و وقته من أجل إنصاف الحزب و استحقاقاته . لا يثور الوفديون .. لأن الغالبية منهم سُحقت من هزائم الحزب المتتالية و ما عاد لديهم متسع لمساندة قيادة حقيقية واعية . لا يثور الوفديون .. لسابق خبرتهم مع الثورة المصرية ، فيعتقدون أن الأفضل الحفاظ على الكيان السليم ظاهرياً حتى مع تأكد تآكله الداخلي . نصمت أحياناً حفاظاً على الكيان .. بالرغم من استمرار إصرارهم على هدم صورته القوية و الوطنية والسوية بفكرهم الملوث المنحرف . حمى الله مصر . حمى الله الوفد .