لم تكن موجة الصقيع التي ضربت مصر في الأيام الماضية، إلا سببا في سعادة غمرت قاطني المدن الجديدة؛ بعدما رأوا الثلوج تتساقط، وبالتالي فلهم ليسوا في حاجة إلى السفر للخارج، وعبروا عن سعادتهم بمشاهد عديدة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك فئة آخري شغلها الجري تحت الأمطار، والبعض نزل غير مباليا ووقف يندد بالانقلاب العسكري، وفي وسط هذا الزحام تضيع آمال "بائع" في أن يعود إلى بيته ومعه قوت يومه. المستضعفون في مصر يكتفون في الشتاء بكوب من الشاي وبطانية_إن وجدت_، وإذا اشتد عليهم البرد يشعلون بعض الأخشاب، ويقهرون موجة الصقيع ب"العدس"، ولكن ماذا يفعل من يبيع "الكتب" على الرصيف، ويخسر كل ما يملك بسبب تساقط الأمطار؟، وماذا فعلت لهم الدولة؟ كانت البداية من ميدان الجيزة، حيث التقت "البديل" بالمواطن مجدي سيد 65 عاما وهو أحد بائعي الكتب في المنطقة، ويقول أن هذه الفترة كانت موسم بالنسبة للبائعين، حيث كان طلبة كلية الزراعة والكليات الأخرى من أنشط الزبائن، وكان يعتمد على ما يكسبه لتوفير نفقات بيته وأبناؤه، ولكن هذا العام جاء مخيبا للآمال. ورغم حالة الحزن التي سيطرت عليه بعد غرق معظم الكتب بسبب الأمطار، إلا أنه كان يجاهد لإنقاذ ما تبقي؛ حتى يستفيد بهم في الأيام القادمة، حيث يشكو من حالة الركود التي بدأت مع السنة الدراسية في الجامعات، خاصة أن جامعة القاهرة كانت تشهد العديد من التظاهرات، التي أعقبها تعامل من أفراد الشرطة بالغاز المسيل للدموع والخرطوش؛ وكان هذا سببا في ترك الرصيف لعدة أيام، ثم العودة بعد أن تهدأ الأمور. وتابع بأن الموجة الباردة التي تشهدها مصر أثرت عليه بعد أن تلف عدد كبير من الكتب بسبب سقوط الأمطار، مؤكدا أن الكتب السياسية هي الأكثر مبيعا منذ قيام ثوره 25 يناير، وازداد الإقبال عليها أكثر من أي وقت سبق بعد وصول الإخوان للحكم حتى 30 يونيو، بينما كان شهر رمضان موسما لكتب الطبخ والكتب الدينية، ولكن هذا العام شغل الجميع عن كل شيء فيما عدا السياسة. وعلى بعد عدة أمتار يقف الحاج "أشرف رمضان" أمام "فرشة الكتب" التي يملكها، ولم يتبق منها سوى عدد قليل جدا، بعد أن غرق بعضها وتلف الآخر، وبصوت ملأه الحسرة والأمل قال :" أكيد مش هتمطر كل يوم، وبكرة ربنا يرزقنا برزق العيال"، وأكد أنه طالب الحكومة أكثر من مرة بتوفير "رخصة لكشك" لبيع الكتب، ويلتزم هو بكل الواجبات المفروضة عليه من دفع رسوم . واستطرد قائلا :" أنا مقدم على الترخيص من سنة 1997، ولحد دلوقتي قاعدين ع الرصيف"؛ حيث لم توافق المحافظة على إعطاءه الترخيص حتى الآن، وهذا يتركه فريسة للبلطجة الذين يطلبون منه بعض الإتاوات، مقابل تركه في المكان وإذا رفض يهددون بطرده، مما يضطره إلى تنفيذ مطالبهم، لافتا إلى أنه يكسب قوت يومه بالكاد، وأحيانا لا يملك ما يعطيه لهؤلاء "الفتوات"، ولكن هو وكل من يحوجهم زمانهم إلى البيع على الرصيف يتعرضون لمثل هذه المضايقات دائما، في ظل عجز الدولة عن توفير أماكن آخري. فيما يؤكد "محمود الصعيدي" أنه طلب مقابلة المحافظ ولكنه رفض الاستماع إلى شكواه، ولم يشغل باله بأحوالهم أو يهتم بمنحهم الرخصة المطلوبة لعمل كشك، فضلا عن أن المسئولين في المحافظة قالوا "اللي مش عاجبه يعتصم أو اعملوا حركة تمرد للبياعين"؛ ورغم هذه السخرية لا يمكننا الاعتصام ؛لأن المتضرر في النهاية هم أسرنا . وأضاف أن "الأرزقية" جميعهم خارج المعادلات السياسية، ولا يشغلون بالهم بمن يجلس على الكرسي، لافتا إلى أنهم يرون انه لا فرق بين مبارك ومرسي ومنصور؛ طالما الجميع أهملهم وبقي حالهم على ما هو عليه، فلم يجدوا تحسنا في أحوالهم المعيشية، ومع ذلك لم يضربوا عن العمل ولم يقطعوا طريق؛ قائلا:"ياريت بقا حد يتقي ربنا فينا ويحافظ على أكل عيشنا ".