يعمل في صمت، بعيدًا عن الأضواء في ظل الصراع الحالي والسعي للحصول على لقب سياسي، إنه الدكتور يسري حماد – نائب رئيس حزب الوطن، الذي يؤكد أن الحوار الوطني الجاد بعيدًا عن الصراعات هو الحل للخروج من الأزمة الحالية.. - كيف تنظر للأوضاع الحالية في مصر؟ حالة من الاضطراب، أسهم فيها قادة المؤسسة العسكرية بتنصيب أنفسهم أوصياء على حياة مصر السياسية، فسجنوا من اختارهم الشعب لإدارة البلاد، وعينوا من فشلوا في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والبلاد بوضعها الحالي تسير إلى المجهول بعد أن كان مخطط الانقلاب العسكري أن تستقر البلاد تحت وطأة الخوف والقهر خلال أسبوع، فإذا بشبابها ينتفض للشهر الخامس على التوالي، وإذا بمن أيد الانقلاب انسياقًا خلف الإعلام الذي ضلل الشعب وساق له الأكاذيب وشوه جميع من شارك في ثورة 25 يناير، ظنا منه أن ذلك يساهم في الاستقرار وتحسن الأوضاع المعيشية، إذا بعدد كبير يوقن أن 30 يونيو كان خدعة كبيرة لم ولن يستفد المواطن البسيط منها سوى مزيد من عدم الاستقرار وسوء الأحوال المعيشية ورجوع النظام القديم برجاله وأسلوب حكمه المعادي لكل فئات الشعب المصري. - ما موقف حزب الوطن من الدستور الجديد؟ «الخمسين» كانت تمثل فصيلا واحدا غير منتخب، وحاول التيار العلماني إقناع المصريين أن دستور 2012 لا يحقق العدالة الاجتماعية وحقوق الفلاح والعامل والطالب والحرية والكرامة، ويصنع من الرئيس دكتاتورًا، فإذا بلجنة الخمسين تقر هذه النصوص، بل تزيد عليها بزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية، وتحصين عدد من مؤسسات الدولة، وتضع نصا يمنع تعديل الدستور مستقبلا، في نفس الوقت الذي ألغت هيئات مكافحة الفساد والوقف الخيري، ونزعت الصبغة الإسلامية من دستور 2012، وتم حذف كل المواد الخاصة بالشريعة الإسلامية كثمن لوقوف الكنيسة المصرية إلى جانب الانقلاب العسكري. الدستور الجديد لم يعط أي حقوق للعامل والفلاح ولا لأهالي النوبة أو سيناء، وكتب النسب المتدنية التي تصرف على البحث العلمي وخلافه، بدلا من الاقتراب من النسب العالمية أو ما هو مقرر حتى في الدول المجاورة. الدستور حصن أعمال الفنانين التي تسئ إلى الدين والشرع من رقابة الأزهر كما قام بنزع موافقة البرلمان على تعيينات المحكمة الدستورية وجعلها في يد المحكمة نفسها. وبعد دراسة مواد الدستور ووضعه كأداة لإعطاء شرعية لخارطة الطريق التي لم يوافق عليها أبناء الشعب المصري رأينا رفض هذه التعديلات جملة وتفصيلا. - هل ترى في أسلوب المقاطعة وسيلة لإسقاط الدستور؟ الحل في إرجاء الاستفتاء لحين وجود برلمان منتخب تعرض عليه هذه التعديلات ليجيزها أو يرفضها. المقاطعة سلاح معترف به في الدول المتقدمة التي تحترم إرادة الناخب ولا يتم تزويرها لصالح السلطة الحاكمة، أما في مصر فقد جرت العادة قبل ثورة 25 يناير على تزوير إرادة الشعب المصري بتآمر سافر بين المؤسسات القائمة على إدارة الاستفتاءات والانتخابات، وهذا ما نخشى تكراره، خاصة أن المتوقع ألا يزيد المشاركين في الاستفتاء على 8 مليون ناخب على أقصى تقدير، وأن الشعب المصري أطلق على هذا الدستور أسماء تدل على الرفض مثل «الدستور السري» و«الدستور العسكري» و«دستور الفنانين» وغيره من الأسماء المقززة. - بوصف «الوطن» أحد أعضاء التحالف الوطني. ما خطة التصعيد التي ينوي التحالف اتباعها في المرحلة المقبلة؟ التحالف لا يصعد الأمور، حكومة الانقلاب ومن يتبعهم من إعلاميين هم من يتبنى تصعيد الأمور. انظر إلى قانون منع التظاهر والأحكام المغلظة التي تتبناها سلطة جاءت عن طريق التظاهر المسلح، وانظر إلى الأحكام التي تصدر بالسجن على شباب وفتيات المدارس والجامعات، وانظر إلى عودة الشرطة لسابق عهدها في إهدار كرامة المصريين وفتح المعتقلات وعودة زوار الفجر والقتل بدم بارد، واستخدام بعض رجال القضاء لتمرير تلك الأحكام التي أصابت المجتمع المصري في مقتل، وانظر إلى الدستور الذي كتب في الظلام، والذي يراد به زيادة الانقسام المجتمعي، والقنوات الفضائية التي تحض على العنف والكراهية والكذب واتهام الأبرياء، فالنظام الحالي يصنع الخصوم ويزيد من السخط الشعبي؛ وأعتقد أن السخط الشعبي سيزداد بحلول العام المقبل، نتيجة الزيادة المتوقعة في الأسعار، خاصة الوقود والدواء وكل السلع المستوردة، وربما يمنع عجز الميزانية الوفاء بالتزامات مصر الداخلية والخارجية. - تقييمك لموقف حزب النور بداية من مشاركته في الحوار الذي دعت إلية القوات المسلحة في 30 يونيو حتي الآن؟ سقطة تاريخية كبرى، الحزب يتخذ المواقف السياسية ثم يبحث عن مبررات لتسويقها سياسيا. وإن كان الحزب حر في اتخاذ الموقف السياسي الذي يختاره، لكن المصيبة الكبرى إقحام الدعوة السلفية في هذه السقطة الكبرى، خاصة وأن معظم أبناء الدعوة السلفية اتخذوا موقفا مغايرا لهذا الموقف. - تساءل رجل الشارع البسيط كيف يدعو التحالف الوطني لحوار مجتمعي للخروج، في الوقت الذي يحشد لمظاهرات تشوبها أعمال تخريبية وتنشر العنف في البلاد ؟ التحالف يرى أن الخروج من الأزمة الحالية لن يكون إلا بإيمان الجميع بالحوار البناء الذي يعلي مصلحة الوطن، وينظر إلى السلبيات التي أدت إلى انهيار مصر خلال 60 عاما مضت. أما عن أعمال التخريب، فأنا أعلم يقينا أن وسائل الإعلام المصرية لا تهتم أبدا بمقتل الآلاف من المتظاهرين السلميين أو اعتقال 20000 سياسي وتلفيق التهم واقتحام المنازل وإحراقها إن لم يجدوا بها أصحابها وينظرون إلى تشويه الجدران بالكتابة عليها. هل تكلم أحد عن صفع أعضاء هيئة التدريس واقتحام جامعة الأزهر، هل تكلم أحد عن الأحكام الظالمة على طلاب الجامعات وفصل 700 طالب من جامعة الِأزهر؟ من كان يهلل بالأمس لحرق 27 مقرا من مقرات حزب الحرية والعدالة ويهلل لتعطيل المترو والبلاك بلوك وقطع الطرق هم من يتكلمون اليوم ويدينون التظاهرات السلمية التي يصورون فيها (البلطجية) على أنهم ضمن المتظاهرين السلميين. - هل من الممكن أن يخرج حزب الوطن بمبادرة ما تسير بالجميع في اتجاه الحوار الوطني؟ الحوار الوطني ضرورة ملحة ومطلب عاجل يؤمن به كل من يحب هذا الوطن ويطمح في تقدمه، هناك طرف وضع البلاد في أزمة ولم يوقن حتى الآن أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الأزمة وليست الحلول الأمنية التي ثبت فشلها ويتأكد ذلك يوما بعض يوم. المشكلة أن العسكريين لا يجيدون فن السياسة والحوار، الموضوع بالنسبة لهم مجموعة من الأوامر تشمل إطلاق النار على من يخالف الأوامر، العلمانيون ومعهم الكنيسة المصرية وجدوا أنفسهم في وضع لم يكونوا يحلمون به، تغيير الدستور وحذف مواد الهوية منه، والتسلط على إدارة الدولة، إعلام تابع لفلول الحزب الوطني يشعرون أن المصالحة الوطنية من الممكن أن تؤدي إلى محاسبتهم قضائيا على كمية الكره والكذب التي قاموا بترويجها خلال الأشهر الماضية. - تأزمت الأوضاع الأمنية عقب عزل الدكتور مرسي فانتشرت التفجيرات وأعمال القتل والإرهاب، وأصابع الاتهام تتجه نحو التيار الإسلامي. هل تعتقد أن الإعلام وراء ذلك أيضًا؟ من يقوم بالتفجير هو من يوجه أصابع الاتهام، هل التهم الجزافية التي يتم تلفيقها صباح مساء من أبواق إعلام الحزب الوطني من صحف وقنوات فضائية بعد أن تم إغلاق المنابر الإعلامية للتيار الإسلامي دليل فعل؟ هل تم القبض على متهم واحد في قضية واحدة وثبت انتماءه للتيار الإسلامي؟، هل الشرطة المصرية التي ثبت أنها من كان يفجر الكنائس وكانت وراء أحداث طابا سابقا غائبة عن المشهد الحالي؟ أقول إن الأزمة السياسية التي كان سيخسرها من قام بالانقلاب العسكري تم تحويلها إلى أزمة إرهاب وحرق كنائس ليتم التغطية على المشكلة الأصلية وهي الاستيلاء على الحكم بالقوة المسلحة. أما فيما يخص أحداث سيناء، فأرى ضرورة محاكمة المسئولين عن أمن سيناء خلال الأربعين عاما الماضية لأنهم لم يقوموا بواجبهم في الكشف عن العناصر الإرهابية التي يتحدثون عنها الآن وكأنها نبتت فجأة. - ما حقيقة الاتفاق بين التحالف الوطني وبعض الأحزاب الإسلامية مثل «مصر القوية» أو الحركات الثورية للتظاهر في الشارع؟ تلاقي الرؤى والمواقف لا يعني عقد تحالفات بمعناها المفهوم، لكنني أرى أن سوء إدارة المرحلة الحالية، وسقوط رموز السلطة الحالية فيما كانت تنكره من قبل، والاستعجال بإظهار ما كان خفيا من قبل مثل عودة فلول الحزب الوطني بقوة للمشهد السياسي ورغبة الفصيل العسكري في السيطرة على كل إدارات الدولة وطريقة كتابة الدستور والقوانين سيئة السمعة التي تم وضعها مؤخرا هي سبب نقمة فئات جديدة كانت محسوبة من قبل على تحالف 30 يونيو المشئوم. - عقد التحالف الوطني عدة جلسات مع الدول الأوروبية، آخرها اللقاء مع وفد البرلمان الأوروبي. إلام انتهت تلك الجلسات؟ طبعا معروف أن الوفود الخارجية تأتي بتنسيق كامل مع سلطة الانقلاب الحالية أو بدعوة منها، وهي التي تقوم بتحديد جدول الأعمال حسب اتفاق الطرفين، وتعتبر من أعمال الوساطة الدولية وليس لفرض أجندات معينة، وكما قلت لسنا نحن من دعوناهم أو سمحنا بحضورهم. الجلسات في البداية كانت للوصول إلى حل سياسي للأزمة، ولكن ممثلو الاتحاد الأوروبي فؤجئوا بعدم رغبة القيادة العسكرية في الوصول إلى حل سياسي، وكذلك الحال في رئيس وزراء حكومة الانقلاب والذي وصفه ليندسي جراهام السيناتور الأمريكي بأنه يريد إشعال حرب أهلية في مصر. اللقاءات الأخيرة كان الهدف منها المشاركة في استفتاء الدستور وقد سألناه عن ضمانات النزاهة الكاملة وعن وضع خارطة الطريق في حالة تصويت الشعب بلا على الاستفتاء فوعد بالإجابة ولم يرد حتى الآن رغم مرور شهر كامل على توجيه الأسئلة. - هل يخوض حزب الوطن الانتخابات القادمة سواء كانت فردية أو قائمة؟؟ الحديث بشأن الانتخابات سابق لأوانه، وجموع الوطنيين ترفض الحديث عن انتخابات في ظل إلغاء القيادة العسكرية ومن يتبعهم من مؤسسات الدولة لخمسة استحقاقات انتخابية سابقة بالمخالفة للدستور والقانون وآخرها عزل الرئيس المنتخب، فمن يتحدث الآن عن الانتخابات عليه أن يقنع الشعب المصري أولا عن مصير اختيارات الشعب ومدى مصداقية القادم وضمانات ذلك في وقت تم اقصاء قضاة تيار الاستقلال عن المشاركة في الإشراف والرقابة وكذلك ماتردد عن منع الفرز في اللجان الفرعية والذي اعتبره من مكاسب ثورة 25 يناير. - هل يتجه التحالف الوطني وحزب الوطن حاليا للمشاركة سياسيا ومواجهة الفصيل الأخر والعودة مرة أخري للصندوق الانتخابي؟ الأحزاب السياسية لا تنعزل أبدا عن المجتمع أو المشاركة السياسية، لكن النظام الحالي يريد العودة مرة ثانية إلى المشاركات الصورية والنظام السياسي «الديكوري» وسيطرة فصيل معين على الحياة السياسية يؤازرهم رجال الأعمال الذين يستخدمون ثروات الشعب في سرقة مكتسباته. وسوف يضحك أي مصري إن حدثته مجددا عن الصندوق الانتخابي الذي تم وضعه فوق الشجرة بعيدا عن يد الشعب المصري. - في حالة إعلان التحالف الوطني عن مرشح رئاسي يمثله مثل الدكتور سليم العوا، أو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح. هل سيتم دعمه من قبل حزب الوطن ؟ بلا شك المرحلة القادمة مرحلة التوافق بالنسبة للأحزاب الوطنية التي تؤمن بالتغيير وحق الشعب في اختيار ممثليه ونظامه السياسي دون تضليل إعلامي أو حشد من قوى الظلام وأتباع النظام السابق، وأعتقد أنه مطلب شعبي رئيسي. وقد بدا ذلك واضحا وبشدة خلال التجهيز لانتخابات البرلمان التي كان من المفترض إجراؤها في أكتوبر الماضي. - هل هناك مفاوضات مع الجيش حاليا؟ المشكلة مع القادة العسكريين الذين يريدون عودة الساعة والزمان إلى الوراء ومعاملة الشعب المصري كقطيع يستجيب دون نقاش، والعسكري بطبعه لا يعرف التوافق أو الحوار السياسي، ثقافته تعتمد على مبدأ «الغلبة لمن بيده القوة» ويبدو ذلك واضحا في تعاملهم مع الإعلام والقوى السياسية وطوائف الشعب المختلفة بعد 30 يونيو، ويقبع من خلف القادة العسكريين فئات لا وجود لها إلا في أروقة الإعلام تم صنعها قبل 25 يناير من قبل النظام السابق وكذلك الكنيسة المصرية ورموزها الذين تم تشكيكهم في كل الوطنيين، فدائما ما تلقي بنفسها في أحضان النظام المتغلب المستبد لتحقيق أقصى مكاسب سياسية لها بدون بذل أي مجهود حقيقي، وإن حاولت الخلاص يوما فالطريق معروف، بعض الاعتداءات من مجهولين حتى تعود إلى الحضن الأبوي مرة ثانية. - هل هناك وساطة خارجية مع دول أوروبية ؟ توقفت الوساطة كما أخبرتك سابقا وقالوا في آخر لقاء لو اقتنعت الأطراف المختلفة بعدم جدوى الحلول الأمنية وضرورة الوفاق السياسي فنحن على استعداد للمشاركة في جهود الوساطة مرة أخرى، ولكننا مؤمنون بأن الحل لابد أن يكون مصريا وتدخل الأيادي الخارجية من الممكن أن يضر ولاينفع خاصة أن لكل دولة مصالحها الخاصة حتى الدول العربية التي منعت المساعدات سابقا ثم هي الآن تضحي بالمليارات من أجل نجاح الانقلاب. - دائمًا ما يخرج نائب رئيس الوزارء الدكتور زياد بهاء الدين بالحديث عن مصالحة. هل ترى أنها يمكن أن تتم؟ الدكتور زياد قدم مبادرة للحل السياسي تم رفضها ثاني يوم في اجتماع مجلس وزراء حكومة الانقلاب وخرج علينا الببلاوي ليقول من أراد أن يلحق بخارطة الطريق فليتفضل ثم سمعنا عن استقالته منذ أسبوع وتم نفيها، على العموم الإعلام متربص بأصحاب المبادرات لإفشالها قبل تداولها حتى لايستقيم أمر البلاد ويتم عقاب كل من ساهم في قتل العزل وترويج الكذب وتشويه الشرفاء من أبناء هذا الوطن ويتم فضح الصورة الحقيقية للإعلام الذي يدار من فلول الحزب الوطني ورجال أعماله. - أخيرًا.. رؤيتكم للخروج من الأزمة الحالية وعودة الحياة إلي طبيعتها ؟ الخروج من الأزمة يكمن في عودة المؤسسة العسكرية لثكناتها وأن دورها لايكون في إدارة مؤسسات الدولة بل في حماية النظام الذي يختاره الشعب ومساعدته في النهوض بالبلاد، وفي الإيمان أن الحكومات العسكرية المتعاقبة على حكم البلاد قد أفسدت مؤسسات الدولة وأدت إلى انهيار كافة مناحي الحياة في مصر وزيادة فقر الفقراء وغنى الأغنياء وأن الحلول الأمنية ستبوء بالفشل وفي النهاية ضرورة الحوار الوطني والتكامل المؤسسي والقيادة الأمينة لهذا البلد الذي طال انتظار أهله للفرج وللحاكم الذي يصلح ويحنو على أبناء مصر. كذلك ينبغي غل يد مؤسسات الدولة عن التدخل في النظام السياسي ومحاولة تطويعه لمصالحها الخاصة وعودة رجل القضاء لدوره الوحيد وهو إقامة العدل والحكم بالقسط.