«أرى الشهادة قرب ميدان التحرير».. كلما طالما كررها الشيخ عماد عفت – أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إمام الثوار ورمز المقاومة داخل الأزهر الشريف، الذي وقف في صف الثورة منذ يومها الأول في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حتى استشهد بطلق ناري خلال أحداث مجلس الوزراء في يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011، وظل دائما يرفض أن يكون مشهورا أو ينتفع مثلما فعل الكثيرون بالهرولة إلى شاشات الفضائيات، لينصبوا أنفسهم متحدثين عن الثورة. قالت عنه أسرته: «دائما يسارع بالتواجد مع الثوار كلما دعا داعي الوطن، وكان معهم في معركة تحريره من أسر المتجبرين». وقال عنه مفتي الديار المصرية السابق: إنه من الثوار، وهو أول من أفتى بحرمة التصويت لبقايا الحزب الوطني. ودعته أسرته في بيان لها بعد استشهاده قائلة: «نحن إذ تعتصر قلوبنا ألما على فراق الشيخ، فإننا نؤكد عزمنا سلوك كل الدروب، واتخاذ كل الأسباب، لا لمحاسبة المسئولين عن قتله فحسب، وإنما لتحقيق ما خرج من أجله في أول الأمر، وهو استعادة الوطن لأهله، وتحرير إرادته من أسر أعدائه، وإعادة بنائه والنهوض به ليدافع عن الأمة ويحرر أراضيها ويحقق مصالحها». ولد شيخ المقاومة المبتسم «عماد الدين أحمد عفت» في الجيزة في الخامس عشر من أغسطس عام 1959، حصل علي ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1991، بعدها نال ليسانس الشريعة الإسلامية في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف عام 1997، ودبلومة بالفقه الإسلامي العام من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر عام 1999، ودبلومة الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بالقاهرة. لدى «رمز المقاومة» أربعة أبناء، كان يحملهم معه في الاعتصامات ومظاهرات ميدان التحرير، كان دائما يأتي إلى الميدان بعمامته وزيه الأزهري، معلنًا رفضه الدائم والأبدي للظلم أيا كان مصدره، غير هياب من حاكم أو سلطان. تولى «إمام الثوار» منصب مدير إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء المصرية، وعضوية لجنة الفتوى بالدار، بعد أن كان رئيس الفتوى المكتوبة، وتم تعيينه في دار الإفتاء في أكتوبر 2003، وعمل كباحث فقهي بدار التأصيل للدراسات الشرعية. عطاؤه الإسلامي الذي صبغ خلقه كان يدفعه إلى أن يجلب هدايا من ماله الخاص لتلامذته المتفوقين، كما يقرضهم من ماله حين الحاجة. في إحدى المرات منح تلميذة له 5 آلاف جنيه لإتمام زواجها؛ كان متواضعا إلى حد كبير، يرفض الجلوس إلى مكتبه، مفضلا أن يتوسط تلاميذه، وجاء كأب لتلميذة أندونيسية في فرحها عندما أصبح وكيلاً لها، وقالت عنه بعد وفاته إنها افتقدت بموته الأخ والأب والصديق والمعلم. يقول الشيخ محمد عبد الله نصر – منسق حركة «أزهريون مع الدولة المدنية» إنه التقى بالشيخ عماد عفت أكثر من 5 مرات، وكان رجلا خلوقا كتوما قليل الكلام. لم يكن يفاخر بمنصبه، وكثير من الثوار لم يعرفوا أنه أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية إلا يوم وفاته. ويضيف «نصر» أن «إمام الثوار» كان يبث روح الأمل في الشباب، وكان يعلمهم أهمية العمل الجماعي، فكان يبدأ بنفسه، فيجمع القمامة ويقسم الأعمال على الشباب، ويعلمهم إنكار الذات، وكان يعمل بمبدأ نصرة المظلوم دائما سواء كان متوافقا مع أفكاره أم لا. وأكد «نصر» أن «الشيخ عفت» كان زاهدا، لم يظهر يوما في الإعلام. كان دائما في الصفوف الأولى حتى لحظة مقتله، ولم يكن من المتخاذلين ولا المتاجرين إعلاميا بإنجازات شباب الثورة، كان يرى أن النصر يأتي مع الصبر والثبات. كان يردد لهم دومًا: «مهما بلغت قوة الظالم فإن المظلوم سينتصر ولو بعد حين»؛ لذلك سطر نهاية مقاوم بطولية في الصف الأول منطلقا من قوله تعالى {السابقون السابقون أولئك المقربون}، ولمقولته الشهيرة «من أردا المفاخر، فلن يرضى بالصف الآخر». ويؤكد الشيخ عبد الغني هندي – منسق جبهة «استقلال الأزهر» إن الشيخ الشهيد شارك في جميع فعاليات الثورة منذ 25 يناير، وفي كل الاعتصامات، وأنهم كانوا سويا قبل أن يستشهد بنصف ساعة. مشيرا إلى أن الغريب في الأمر أن قضيته لم تحسم حتى الآن. ويضيف «هندي» أن الشيخ عماد مثال للأزهري الذي يجب أن يحتذى به، فحتى لحظة النهاية استشهد «عفت» وهو يرتدي قميصا أبيض، ورفض المشاركة في الاشتباكات مرتديًا زي الأزهر، حتى يكون مثل باقي أفراد الشعب، ورفض الشيخ الشهيد أن يلقي كلمة في مارس 2011 بحجة أنه لا يريد أن يزايد على الشيخ «علي جمعة» مفتي الجمهورية وقتها.