في الوقت الذي يتسارع فيه الأهالي والمواطنين إلى الاختباء في المنازل هرباً من الأمطار وبرد الشتاء القارص، لإرتداء المزيد من الملابس والإحتماء تحت الغطاء أو تشغيل المدفئة .. هناك الكثير من سكان العشش والمخيمات في السويس، ضاعفت " لعنة البرد" من مأساتهم، وهم يحاولون الهرب منها بحثاً عن الدفء بجانب الطعام والشراب والمسكن ،، حيث يأتي المساء على سكان العشش والمخيمات المتآكلة المنصوبة في عدة أماكن بالسويس، بليل طويل، لشتاء قارص على تلك العائلات ، التي تعاني الفقر وضعف الحال، ويتجمعموا فوق بعضهم البعض، للاحتماء من موجة برد لم يتعرضوا لها منذ عقود طويلة ، ويخففوا من وقع " الصقيع " والبرد والمطر على أجسادهم الضعيفة، والتي جاءت بمثابة " اللعنة " علي الأسر التي أجبرت على مفارقة منازلها . فقد انتشرت الخيام و" العشش " في محافظة السويس، عقب الثورة وتزايدت بشكل ملحوظ، والتي يقطنها مواطنين مشردين من منازلهم، إما بعد طردهم منها منها ، أو لأسبابٍ كارثية ، فيلجئوا إلى الشارع لتشييد " عشة " أو "خيمة " تأويهم، حتى بات مظهرها مألوفاً في الشارع السويسي، وتجد الكثير منها في محيط مبنى ديوان عام محافظة السويس أو الأحياء والميادين العامة. وتوجد أغلب هذه العشش والمخيمات على حدود المدينة للبعد عن المضايقات الأمنية، والتهديد بهدمها وإزالتها بتهمة إشغال الطريق، ويعتبر طريق السويس – الإسماعيلية من أكثر الأماكن المليئة بهذه المخيمات في السويس . حيث يبدأ انتشار العشش والمخيمات من "مزلقان " المثلث، وحتى حدود محافظة الإسماعيلية، وتقع العشش والمخيمات على جانبي الطريق، وتمتلئ بها بعض الأماكن مثل المنطقة الصناعية ومنطقة القرية والكيلو 46 وجنيفة وأبو سيال، وكلها تقع في القطاع الريفي بمحافظة السويس . تقع أحد هذه الخيام في ميدان " العوايد " أول طريق السويس – الإسماعيلية، والتي تأوي 6 أسر كاملة يأخذون من أفراد الجيش الأكل والغطاء، ويقومون ببيع العيش للمارة لتلبية باقي احتياجاتهم ،والذين بدءوا حديثهم بكلمات : " لولا الجيش كنا موتنا من الجوع والبرد كمان .. نفسنا في أوضة تلمنا "، مؤكدين أنه لولا عطف أفراد الجيش عليهم بالطعام و" البطاطين "والغطاء، لكانوا لقوا حتفهم من الجوع أو البرد . ويقول "وائل السيد " أثناء تناولهم وجبة العشاء " زى ما انتوا شايفين بناكل هياكل، وبواقي فراخ جابهالنا مقاول وكل يومين بيدينا 100 جنيه ، علشان نعرف ناكل، وكمان عساكر الجيش لولا إننا بنشحت منهم الأكل والبطاطين كنا موتنا من الجوع والبرد" . وأضاف وائل " " احنا 6 أسر نتنقل من خيمة إلى أخرى، ومن " عشة " إلى أخرى منذ 4 سنوات، ولجأنا إلى كل المسئولين بلا جدوى، فيتغير المحافظ ورئيس الحي ولكن تبقى السياسة التي يتبعونها كما هي، حتى انتهى بنا الحال في هذه الخيمة منذ 6 أشهر، وكل أسرة تأوي أطفالاً منهم المرضى والمعاقين، والذي زاد البرد القارص من معاناتنا هذا العام، حيث غرق سقف " العشة " المبني من " الصفيح والبطاطين "، ودخلت علينا المياه والرياح من كل اتجاه، ولم نجد مفر سوي الهرب لإحدى عربات القطار القريبة للاحتماء فيها من البرد، وهناك بدأنا رحلة أخرى من العذاب في التنقل من عربة لأخرى بعد مطاردة عمال السكك الحديدية لنا " . ويكمل " مجدي محمد صلاح " رب الأسرة الثانية : " أنا لسه خارج من السجن ووجدت عائلتي في الشارع مع باقي الأسر في هذه الخيمة، لعدم مقدرتهم على دفع الإيجار فتم طردهم" ، و استطرد قائلاً : " نحن نعمل مع المقاول بالنهار، وفى الليل نبيع العيش لكسب قوتنا، ولكنه لا يكفى حتى علاج الأطفال، حيث أن أحد أبنائي يعانى من مرض بالقلب، وباقي الأطفال يعانون من أمراض مختلفة، ولهذا نلجأ إلى التسول من المقاول وأفراد الجيش، الأكل والغطاء، وجاءت موجة البرد القارص لتزيد من معاناتنا والتي لم يفلح فيها إيقاد النار للتدفئة، فنتسول الأغطية والبطاطين من رجال الجيش للاحتماء فيها" . ويقاطعه "عفت حسن" رب الأسرة الثالثة : " كلنا نفسنا في أوضة تلمنا من الشارع مش عاوزين أكتر من كده، بدل رميتنا في الشارع، فكلنا من ابناء السويس أباً عن جد، ولا نستحق هذه الإهانة" . وفى " عزبة الصفيح " الواقعة بحي الأربعين في السويس، لا يختلف الحال كثيراً عن المخيمات، فأغلبها دون سقف خرساني، في مباني تنوع بنائها ما بين الحجر والخرسانة والطوب الأحمر واللبن، والتي يكسو معظمها " الصفيح " والخشب، للاحتماء من عوامل الجو، إلا أن معظم الأسر الفقيرة هناك استسلمت للبرد القارص، وجاهد أربابها لتوفير الحد الأدنى من التدفئة لأطفالهم الذين تعرضوا للإعياء بسبب الإنخفاض الحاد في درجات الحرارة، ودخول المياه إلى داخل مساكنهم . وتضاعفت معاناة هذه الأسر في "عزبة الصفيح" بسبب غياب التيار الكهربائي عن المنازل لأكثر من 8 ساعات متتالية، وأضطر الكثير منهم إلى إيقاد النار داخل المنازل، غير آبهين بالمخاطر المترتبة على ذلك، ويقول "محمد سليمان" أحد قاطني عزبة الصفيح أنه لا مفر من إيقاد النار للتدفئة، لعدم مقدرة أبنائه على تحمل البرد، وغير مكترث بتضرر أثاث منزله من جراء دخان النار، أو المخاطر المترتبة على نوم أفراد العائلة في جو من الدخان والغازات المنبعثة من النار، كما أعرب عن سخطه الشديد من إنقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي، والذي زاد من معاناتهم . وفى منطقة " أبو سيال " بحي الجناين لا يختلف الوضع كثيراً عن عزبة الصفيح، حيث يقول "أحمد سمير" أحد سكان " أبو سيال " إن الخشب هو الرفيق الوحيد لأمثاله الفقراء الذين لا يجدون أية مشكلة في إيقاد النار داخل المنازل، للحصول على التدفئة، معرباً عن خشيته من نفاذ الخشب من الشوارع، وبقايا مواد البناء مما قد يضطرهم إلى قطع الأشجار للحصول على الأخشاب . وفى قلب مدينة السويس، وبأرقى أحيائها نجد عدد من " العشش" في محيط المحافظة، والتي بدأت في الظهور بعد قيام ثورة 25 يناير، وبرغم رؤية المسئولين لها على مدار هذه السنوات إلا أن العشش مازالت ملجأهم الوحيد . حيث يقول "عربي محمود " أحد قاطني هذه العشش الواقعة بحديقة الخالدين " أنا عايش هنا من 3 سنين ومحدش سائل فيّا، وعلشان أعرف أعيش ببيع شاي، منه اُرزق ومنه أتدفى من النار "، ويؤكد "عربي" أن الشتاء جاء هذا العام قارص جداً، ما يجعلهم يقفزون السور المقابل لهم للاحتماء بأحد المباني التابع لمحافظة السويس من البرد، مشيراً إلى أنهم لولا حصولهم على أغطية وبطاطين من أفراد الجيش المرابطين هناك لكانوا لقوا حتفهم من البرد.