تحل في هذه الأيام ذكرى وفاة الإمام الشيخ محمد المهدي العباسي، شيخ الجامع الأزهر الحادي والعشرين، الشاب الذي تولى الإفتاء في مصر في الحادية والعشرين من عمره في عام 1847 ميلاديا ثم تولى مشيخة الأزهر الشريف وكان أول حنفيٍ يتولى المنصب في تاريخ الأزهر الشريف .. وتوفي في ديسمبر 1897 بدأ عهده باستصدار أول قرار من الخديوي إسماعيل بوضع قانون للتدريس في الأزهر وكيفية اختيار القائمين على التدريس بعناية وموضوعية. من أشهر مواقفه السياسية الجريئة تصديه لمحاولة الخديوي إسماعيل إلحاق الأوقاف الأهلية بالأوقاف العمومية، حيث كان الخديوي يريد سد كثير من العجز الاقتصادي من خلالها وحصل الخديوي على فتوى من بعض العلماء بجواز ذلك، لكن الشيخ أعلن رفضه بشكل واضح قائلا "إنه ليسهل عليه تجرده مما يملك وما ورث عن آبائه على أن يعلن أنه حكم بغير ما أنزل الله، وأنه حابى بدينه، أو راعه التهديد". ولم يعد أمام الخديوي سوى أن يعقد جلسة للعلماء؛ لبحث شرعية ما ينوي الإقدام عليه، وانتهى الرأي بالحاضرين من العلماء إلى صواب ما ذهب إليه الإمام الأكبر، فارتفعت مكانته وزادت هيبته بين الحكام. و من أهم مواقفه الشهير موقفه من بعض الذين أرادوا إزالة أسود قصر النيل، حيث أرسل إليه استفتاء حول جواز إقامة التماثيل، كتمثال إبراهيم باشا وأسود قصر النيل، فكان رده واعيا ناظرا للأمور بشكل كلي، حيث كان الإنجليز على الأبواب يهددون البلاد ويريدون خلخلة النظام الحاكم في مصر ويتدخلون في الشأن المصري لصالح تواجدهم وسيطرتهم فقال: إن إزالة كل منكر في البلاد وتجنب الحكم بغير ما أنزل الله لهو أمر آكد، أي أشد توكيدا، من إزالة الصور والتماثيل. تظل صورة الشيخ كبيرة ولها احتراما وتقديرا في نفوس الناس، لكن هذه الصورة تضطرب ويختلف حولها البعض بعد الثورة العرابية، حيث لم يتجاوب معها الشيخ، وطلب أحمد عرابي من الخديوي توفيق عزل الشيخ، وقام الخديوي بعزله فعلا، ولما اشتدت الثورة رفض الشيخ التوقيع على بيان عزل الخديوي توفيق، فقد رأى أن ذلك حق السلطان العثماني .. إلا أنه أعطاهم ختمه وقال لا أوقع بيدي خذوا ختمي وافعلوا ما شئتم. بعد فشل الثورة العرابية، أعاده الخديوي لمنصبه ولكنه سرعان ما بدأ يظهر سخطه من الاحتلال الإنجليزي في مجالسه وعلى الملأ، ويناقش اختيار القضاة في الدولة، فحذره الخديوي من الحديث في السياسة وطالبه بالكف عن مناقشة هذه الأمور، فما كان من الشيخ إلاأن طلب من الخديوي إعفائه من منصبه ومن الإفتاء أيضا،. فأعفاه الخديوي وعين الشيخ الإنبابي شيخا للأزهر خلفا له.