غضب العمال يلاحق لجنة الخمسين لوضع الدستور بعدما أهدرت حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ويهدد هذا الغضب بإفشال هذا الدستور الذي يتم إعداده والتصويت ضده، فبدلا من تعويض العمال عما عانوه من اضطهاد وتهميش على مدار العقود الماضية وتحاول إرضائهم بمنحهم حقوقهم المسلوبة في مواد واضحة وصريحة، إلا أنها تجاهلتهم تماما وظهر ذلك جليا بإلغاء نسبة ال50% عمال وفلاحين في المجالس النيابية. رصدت "البديل" انتقادات القيادات العمالية والنقابية للجنة الخمسين، وإلغائها لثوابت كانت مستقرة منذ ثورة يوليو 1952 بهدف تمكين الفئات الأضعف في المجتمع المصري، وظلت في الدساتير 54 و71، وحتى الدستور السابق الذي وضعه الإخوان. قال "كمال عباس" المنسق العام لدار الخدمات النقابية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن وضع العمال في لجنة الدستور إلى الآن غير مبشر على الاطلاق، معربا عن عدم اطمئنانه بعدما ألغيت نسبة العمال والفلاحين، ونص المواد على اتاحة العمل الإجباري رغم تجريمه في الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، وتجاهل النص على الحريات النقابية، وإلغاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي نص عليه دستور الإخوان، وكان قليلا من الحسنات في هذا الدستور، وهذا المجلس موجودا في كل الدول الأوروبية وتونس والأردن. وأكد أن اللجنة اعتقدت أنها لجنة لكتابة الدستور من تلقاء نفسها ولكنها في الحقيقة هي لجنة لصياغة مقترحات المجتمع حول الدستور وإعادة صياغته. وأشار إلى أن إلغاء نسبة العمال والفلاحين يوضح تراجع تأثير العمال على القرار السياسي بسبب ضعف النقابات الجديدة، واتحاد العمال مرفوض من العمال، ولم تكن أحزاب اليسار جاذبة للعمال، وبالتالي كل هذا أنتج غياب تمثيل سياسي قوي للعمال. وأكد على ضرورة الإبقاء عليها حتى وان كانت فترة انتقالية شريطة أن نعطي للعمال فرصة لإنشاء أحزابهم وإصدار قانون الحريات النقابية حق في التنظيم وإنشاء أحزاب لهم وقتها ستتمكن من التعبير عن نفسها في البرلمان. وطالب القيادي العمالي بالحديد والصلب "مصطفى نايض" أمين عمال حزب التجمع، بضرورة أن يشمل الدستور الحريات النقابية بشكل واضح وصريح فبعدما كانت موجودة الآن يحاولون تجاهلها ويعملون عكسها بما يخالف الاتفاقيات الدولية. كما أن اللجنة لم تنص على الحد الأدنى والأقصى بشكل واضح حتى لا يتم التلاعب به من خلال التشريعات والقوانين، وكذلك لم تنص على علاقات عمل عادلة. وأعرب عن رفض إلغاء نسبة العمال وكذلك رفض وضع كوتة لهم موضحا أن هذه الكوتة توضع للأقليات في المجتمع بينما العمال والفلاحين ليسوا أقليات ويمثلون 60% من المجتمع فالعمال 33% والفلاحين 27 % تقريبا، وبالتالي يجب تمثيلهم بشكل حقيقي في البرلمان حتى يكون لهم صوت مسموع ومن يدافع عن مصالحهم. ويقترح "نايض" أن تكون الضوابط التي يجب أن يتم تحديدها أولا وضع تعريف حقيقي للفلاح والعامل، ثانيا وضع عقوبات حاسمة لكل من يزور شهادة أو يمنح كل من ليس له صفة العامل والفلاح شهادة الصفة. وأعرب عن تخوفه من أنه في حالة إلغاء هذه النسبة استخدام بعض الكتل البشرية من العمال والفلاحين الذين ليس لهم عمل سياسي وتعطيل الفكرة المطروحة بأن يحصل الدستور على نسبة 80% من التصويت "بنعم" وهذا لن يصب إلا في طابور الإرهاب ويدعم موقف الجماعات المتأسلمة. وأكد "يسرى معروف" عضو لجنة الخمسين الاحتياطي ورئيس اتحاد عمال مصر الديمقراطي،على أن إلغاء هذه النسبة هي التي قطعت شعرة معاوية بينها وبين العمال خاصة وتنهي حالة ضبط النفس، التي يلتزمها العمال نحو لجنة الخمسين، مضيفا أن اللجنة قد تجاهلت أغلب المقترحات التي تقدم بها، خاصة وأنه لا توجد مشكلة واضحة في التصور الكامل للحقوق الاقتصادية وحقوق العمال في الدستور. وأوضح أنه تقدم بعدد من المواد تضمن حقوق العمال وتمت الموافقة عليهم المبدئية إلا أنه تم تجاهلهم في لجنة الصياغة مثل وضع نص صريح لحقوق العمال في القطاع غير المنتظم، وتجريم فصل العمال والنقابيين تعسفيا أو الإضرار بهم، ومحاولة إلغاء نسبة العمال والفلاحين بمجالس الإدارات والتعاونيات ثم إعادتها بعد الضغط. وأضاف أنه من الملاحظ تعمد إقصاء الاحتياطيين لتعاطفهم مع قضايا العمال، كما تم إفراغ المواد التي تقدمت بها من مضمونها بعد موافقة اللجان النوعية عليها مثل تأسيس النقابات بالإخطار. أما "عبد الفتاح إبراهيم" ممثل العمال المنسحب من لجنة الخمسين، ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، فأكد أن استبعاد العمال والفلاحين وهذه الفئات من الدستور يعد بمثابة عداء لثورة يوليو 52 ولنحو 70% من الشعب المصري، وأنهم يبررون ذلك بأن العمال والفلاحين لم يستفيدوا من هذه النسبة في السابق، مضيفا أن هذا ليس ذنب العمال والفلاحين، ولكن المشكلة كانت في الحكومة والضوابط التي كان يقوم على أساسها الاختيار، مؤكدا أن الغاء هذه النسبة يهدد السلم الاجتماعي في الدولة. فيما أوضح القيادي العمالي "صلاح الأنصاري" أن تجاهل حقوق العمال والفلاحين في لجنة وضع الدستور وإلغاء نسبتهم يعد تراجع في مكسب تاريخي مستقر عليه في كل الدساتير المصرية منذ عام 52 لفئة مهضوم حقها ولم تتمكن من حقوقها، فهذه لنسبة ليست كوتة ولإنما هي تمثيلا لأكثر من 27 مليون مواطن، وعندما يتم سحب هذه النسبة وإبعادها تماما من المجالس المنتخبة، خاصة وأنهم لا يستطيعون المنافسة المالية ولا يستطيع العامل أن يتكفل بتكاليف العملية الانتخابية. كما أكد "حمدي حسين" القيادي العمالي بشركة غزل المحلة، على رفضهم تماما الانتقاص من مزايا العمال حقهم في نسبة ال50%، وإذا كانت الحجة استغلال هذه النسبة يمكننا وضع تعريف جديد للعامل والفلاح. وأشار إلى ضرورة وجود تنظيمات نقابية قوية ووضع حد أقصى للدعاية حتى لا يدخل العمال في مواجهة الرأسماليين وأصحاب الثراء الفاحش، طالما هناك قانون يحد من الإعلانات الفاحشة نستطيع المنافسة وعدد مؤتمرات محددة. وأوضح أن هذا الأمر سيصب في صالح الإخوان الذين يرغبون في عدم مرور هذا الدستور وبالتالي سنضطر للتصويت ب"لا" وبذلك فهذه اللجنة تعمل لصالح الإخوان وليس لصالح الثورة. وحذر "محمد الباجوري" القيادى العمالي ورئيس نقابة العاملين بالشركة الوطنية للغاز، من حدوث صدام مجتمعي بين غالبية مكونات المجتمع بعد إهدار حقوق العمال والفلاحين ويؤدى بالضرورة لثورة عمالية جديدة فى ظل تجاهل مطالب العمال المشروعة ويجعلهم يصوتون ضد الدستور. وأضاف أن القرار الذي اتخذته اللجنة يرسخ لإنتاج دستور رأسمالي يهمش نسبة كبيرة من فئات المجتمع وأغلبية الشعب المصري التي تنتمي إلى العمال والفلاحين.