" إن فكرا يكون مقيدا بالعادات مستبدا للتقليد ، لهو فكر ميت لا حياة فيه ، ولا قيمة له ، فيجب ألا تكون الكلمة الأخيرة للنصوص البالية أو السلطات البائدة ، بل الحياة النابضة ولروح الترقي المتصل، وتوخي المصالح العامة". كانت هذه المقوله فحوى دعوة الإمام محمد عبده ، التي بنى عليها مشروعه الإصلاحي، وربما كانت سببا أيضا في الهجوم عليه من ذوي العقول المتحجرة الذين يرفضون أي تجديد، ويفضلون الإنغماس في ظلمات الجهل. في الجزء الثالث من الحلقة النقاشية التي أقامها فريق رواق المعرفة بالتعاون مع وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ، تناولت الباحثة " سارة حرب" المشروع الإصلاحي والنهضوي للإمام محمد عبده حيث قالت: " إن الهم الأساسي لمحمد عبده كان ينصب علي إيقاظ العالم الإسلامي لمواجهة الإستعمار الغربي الذي كان يسعي للإستيلاء علي ثرواته وخيراته ، لكنه وجد أن المجتمع المنغمس في العادات والتقاليد البالية ، والذي يعيش تحت وطأة الجمود والتخلف ، لا يستطيع أن ينهض، ومن هنا بدأ الإمام مشروعه الإصلاحي بتحسين أحوال الأزهر الشريف ، وكان الأزهر في ذلك الوقت يسيطر عليه تيارين هما " تيار الجمود الذي يرفض أي تجديد ويرفض تعليم العلوم الحديثة من منطق ، فلسفة، جغرافيا وغيرها من العلوم ، والتيار الآخر هو تيار التقيد والإنقياد والذي انبهر بمظاهر الحضارة الغربية وأراد استبدال الهوية الإسلامية بكل ما هو غربي ، وأمام شطط هذين التيارين رفض الإمام الجمود ، وكذلك محاولات التغريب ، وأسس مشروعه الإصلاحي علي التجديد والاجتهاد في استخدام العقل بما يتناسب مع هويتنا وثقافتنا، حيث قام بتفسيرالقرآن الكريم بطريقة مبتكرة وإظهار الإعجاز اللغوي فيه". وذكرت حرب أن الإمام محمد عبده هو أول من تطرق لموضوع السلطة الدينية حيث أكد أنه لا يوجد ما يسمي بالسلطة الدينية في الإسلام بل جاء الدين الإسلامي ليهدم السلطة الدينية. وأشارت الباحثة في حديثها الي إحدى فتاوي الإمام، التي اعتبرتها سابقة لعصرها، وهي فتوي خاصه بالنظام الرأسمالي والإشتراكي ، وأوضحت " في 21 فبراير عام 1900 قام بعض العمال بالإضراب عن العمل ، بسبب المرتبات ، فانضم لهم الإمام محمد عبده بعدما شعر بالظلم الواقع عليهم ، ووقف في وجه اللورد كرومر، وقال أن الإسلام دين يحمي العمال من الحكومة، وأصدر فتوي تؤكد أن النظام الرأسمالي غير صالح للتطبيق في دولة نامية مثل مصر ، وهذا دليل قاطع علي تأييد الإمام للإشتراكية المعتدلة وإيمانه بالعدالة الإجتماعية". حول " الإصلاح أولا أم الثورة" كان الخلاف بين الإمام محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني حيث قالت الباحثة سارة حرب أن الأفغاني كان ثوريا يري الثورة السبيل لأوحد للتغيير، أما الإمام محمد عبده فكان ينادي بالإصلاح أولا، وكان يري أن الصفوة أو النخبة المستنيرة هي من يحق لها التحكم في البلاد. وأشارت سارة في حديثها الي أن الإمام محمد عبده مثله ككل المجددين ، اتهم أيضا بالعمالة والتواطؤ مع الغرب والاستعمار ، وكان مهاجموه يلتفون حول فكرة أن المستعمر الغربي وجد بغيته في الإمام محمد عبده ليزج أفكاره بين ثنايا الدين، وأخذوا يدللون علي ذلك بعدة كتابات له تخص الدولة الدينية والدولة المدنية، وأنه دعي للدعوة المدنية التي يكون فيها الحكم لغير الإسلام، وأكدت سارة أن من هاجمو الإمام أرادوا تشويه صورته فقط، كما أرادوا أيضا أن يركنوا إلى ما ألفوه من جهل تخلف رافضين أي جديد، بينما كان الإمام يرى أن التجديد هو الطريق وإن كان هو الطريق الأكثر صعوبة لكنه ملائم أكثر لطبيعة الأمة. وفي نهاية حديثها قالت الباحثة أن الإمام محمد عبده كان " مجددا للدنيا بتجديد الدين" ومجتهدا، تبني فكر ومنهج إصلاحي لم يسبقه إليه أحد.