أسهم الشيخ محمد الغزالي الذي تصادف هذه الأيام ذكري ميلاده,- رحمه الله- بدور ملحوظ في تجديد الفكر الإسلامي علي مدي النصف الثاني من القرن العشرين باعتباره يمثل الجيل الخامس في مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامي الحديثة التي قادها الأفغاني ومحمد عبده خلال النصف الثاني من القرن الماضي. كما حرص علي توجيه العقلية الإسلامية المعاصرة إلي العودة إلي الاعتماد علي حقائق الدين النقية, بعد أن لاحظ أن الحقائق الرئيسية في المنهاج الإسلامي لا تحتل المساحة العقلية المقررة لها,وإعادة ترتيب أولويات العقل المسلم بحيث تنال اهتمامه الأساسي القضايا الجوهرية وليس القضايا الثانوية أو الهامشية, فقد كان ينبه دائما إلي هذا الخطأ في فقه الأولويات بخاصة لدي شرائح الشباب. هذا ما أكده كتاب جديد للدكتور محمد يونس الصحفي ب الأهرام والصادر عن مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة بعنوان تجربة الشيخ محمد الغزالي في تجديد الفكر الإسلامي. وأوضح المؤلف أن الغزالي قدم رؤي تجديدية في عدة ميادين من أبرزها تفسير القرآن الكريم, وتصحيح تعامل المسلمين مع السنة النبوية, والعبادات, والأخلاق, فضلا عن طرحه لاجتهادات وترجيحات فقهية وفكرية في العديد من القضايا المعاصرة بخاصة في مجالات الفنون وتحرير المرأة, وكشفت الدراسة أن الغزالي قد تبني منهجا جديدا في الدعوة يتفق مع احدث ما توصلت إليه نظريات الاتصال والإعلام في توصيل الرسالة للمتلقي وإقناعه بها. ويتضمن الكتاب الذي قدم له المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري, خمسة فصول تتناول سيرة ومسيرة الشيخ محمد الغزالي والموقع الفكري له في مدرسة التجديد الإسلامي الحديثة, ومعالم منهجه العلمي في التجديد, وتجديد الإسلام في الميدان السياسي, وإسهاماته في إصلاح الفكر الإسلامي, وتجربته الدعوية في ميزان علم الاتصال. وأوضح المستشار البشري في تقديمه للكتاب أن الشيخ الغزالي عاش متفاعلا مع عصره وامتزجت دنياه مع دينه امتزاجا عميقا حتي إننا نكاد نؤرخ لكتبه بعناوينها لنعرف متي كتبت, مؤكدا أن الموقع التاريخي لفكر الغزالي يجعله يقف علي مجمع البحرين, بحر المحافظة علي الأصول والذود عن الثوابت, وبحر التجديد الفكري والفقهي, مشيرا إلي انه لا يمكن فهم الدور الحقيقي للغزالي في تجديد الفكر الإسلامي علي مدي النصف الثاني من القرن العشرين, إلا إذا تأملنا ما وصل إليه الواقع الإسلامي في القرن السابق حيث أثار الفكر الغربي الذي تواكب مع الاستعمار, التيار المحافظ في الفكر والفقه للذود عن العقيدة في مواجهة التغريب, ومن هنا, في مواجهة هذه المدرسة المحافظة ظهرت دعوة التجديد الفقهي والفكري, تحاول أن تفتق من الوعي الإسلامي ما يتلاءم مع متغيرات الواقع ومستحدثاته. وكان الغزالي ثمرة هذا الجمع بين المدرستين, وبهذا الوعي التاريخي قاد معركتين, معركة التجديد ضد الجمود والسطحية والتخلف الفكري, ومعركة المحافظة دفاعا عن ثوابت الدين والعقيدة ضد نزعات التغريب ودعاوي التفكيك والانحلال العقيدي. وأوضح الكتاب أن الشيخ محمد الغزالي ينتمي الي مدرسة تجديد الفكر الإسلامي الحديثة, التي بدأت في القرن الماضي علي يد جمال الدين الأفغاني, ومحمد عبده, واستمرت من خلال الجهود الفكرية لرشيد رضا عبر مجلة المنار, ثم الجهود الإصلاحية لمصطفي المراغي في الأزهر الشريف, فأثمرت التكوين الفكري للشيخ محمد الغزالي(1917-1996 م) الذي مثل الجيل الخامس في هذه المدرسة. وأشار الكتاب إلي أن الظروف التي أنتجت رواد هذه المدرسة لاتزال مستمرة بشكل أو بآخر, فقد حدث الاستقلال السياسي في المجتمعات الإسلامية, ولكن ظلت التبعية الاقتصادية والثقافية والإعلامية فلا يزال الغرب هو( المركز المنتج) ولا يزال الشرق الإسلامي هو( الهامش المستهلك), ولكل ذلك فإن الغزالي وجد نفسه, مدفوعا لأن يواصل الطريق الذي بدأه الأفغاني وسار عليه محمد عبده وبقية أجيال هذه المدرسة. ويرجع ما يحدث للمسلمين اليوم إلي أننا مصابون في أخلاقنا, وأن إسلام الفرد لا يكتمل إلا بالالتزام بالأخلاق التي جاء بها الدين الحنيف.