تعنّت حكّام السعودية: إلى أين؟!يمكن القول أن هجوم حكّام السعودية على قلاع «الإخوان المسلمين» في مصر وقطر وغيرها في خضمّ معركة كسر العظم ضدّ سورية كان خطأً استراتيجياً مميتاً شبيهاً بخطأ هتلر القاتل في الهجوم على الاتحاد السوفييتي إبان الحرب العالمية الثانية فيما كانت ألمانيا تخوض معركة كسر عظم مع بريطانيا للهيمنة على العالم. بعيداً عن الإيديولوجيا شتّان ما بين «الإخوان المسلمين» والاتحاد السوفييتي بالتأكيد وما بين سورية وبريطانيا الاستعمارية فالاتحاد السوفييتي خرج قوة عالمية عظمى من الحرب العالمية الثانية و«الإخوان» وقطر دخلا حديثاً هامشاً إقليمياً أضيق بكثير وبريطانيا فقدت تفوّقها العالمي بعد الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة أما سورية فباتت مرشحة لدورٍ إقليمي أكبر بعد تهميش «الإخوان» وتركيا وقطر والطريق الاستراتيجي المغلق الذي حشرت السعودية نفسها فيه بسبب ضيق أفق حكامها. لكن لو قلّصنا أبعاد الصراع من عالمٍ إلى إقليم ومن كرةٍ أرضية إلى أرض ضادّ فإن الدرس الاستراتيجي المؤلم يبقى واحداً: لا تخض معركتي كسر عظم مع عدوّين مختلفين متعاديين أحدهما إيديولوجي والآخر سياسيٍّ في آنٍ واحد. ويذكر أن الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية بدأا الحرب العالمية الثانية حليفين كما بدأت السعودية وقطر و«الإخوان» ما يسمّى «الربيع العربي» حلفاء حتى انقلبت ألمانيا على الاتحاد السوفييتي فجأة بسبب حقد عقائدي دفين من دون اعتبار لضرورات الاستراتيجية العسكرية على المسرح الأوروبي وكان ذلك خطأ هتلر المميت. إذا أراد حكام السعودية الخروج من مأزقهم اليوم عليهم إمّا أن يتصالحوا مع القيادة السورية أو مع جماعة «الإخوان المسلمين» وهو في الحالتين علقمٌ مُرار يتطلّب تخلّياً عن مشروعِ توسّعٍ إقليميٍّ وتنازلاً عن ماء وجهٍ وعن بعض الشخصيات والسياسات من معرّة النعمان إلى لبنان. إنها في الحالتين هي مرحلةٌ جديدةٌ في الإقليم مرحلة بداية أفول الحقبة السعودية وصعود الحقبة السورية لذا التقطت القيادة القطرية الجديدة تلك المعادلة تحديداً فسعت إلى قطع الطريق على حكام السعودية وراحت تحبو حبواً حثيثاً من هامشها المغلق في اتجاه الرئيس بشار الأسد. ما يفسّر أيضاً تسليم «تركيا العدالة والتنمية» شبكة استخباراتية صهيونية في إيران وما يفسر سعي جماعة «الإخوان المسلمين» إلى إعادة إنتاج نفسها اليوم تحت عنوان مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع بعد التعاون العلني مع حلف الناتو في «الربيع العربي»! «الحرد» بحد ذاته ليس استراتيجية سياسية بالنسبة إلى قطب إقليمي ولا برطمة الشفتين ورفض إلقاء كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدم قبول مقعد في مجلس الأمن الدولي أو استقبال الأخضر الإبراهيمي أو حضور مؤتمر جنيف2 وغيره لمن حسم خياره تماماً بالجلوس في أحضان الولاياتالمتحدة معبّراً عن «الحرد» و«الزعل» إزاء: 1 – تراجع البابا والماما الولاياتالمتحدة عن ضرب سورية عسكرياً 2 – قبولها بحل سياسي للأزمة السورية ضمن تفاهم معين مع روسيا والصين 3 – شروعها في مفاوضات جدية مع إيران حول ملفّها النووي وبالتالي حول دور إيران في الإقليم 4 – انغماسها اضطراراً في شأن البيت الداخلي المالي والاقتصادي والصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. عرقلة الحل السياسي عبر الأدوات السورية والإقليمية بات الآن الورقة الأخيرة في جعبة حكام السعودية ومن هنا تصعيد التفجيرات اليومية في العراق والتعنّت السياسيّ المعاكس للتفاهم الأميركيّ-الروسيّ وللوقائع الميدانية على الأرض السورية من فصائل «معارضة الخارج» السورية. ليس مرجّحاً أن ينجرّ الأردن إلى مغامرة سياسية كبرى في سورية بضغطٍ سعودي على نحو معاكسٍ للرياح الدولية والإقليمية. على العكس من ذلك ثمة مؤشرات بأنه ضيّق قليلاً على تهريب السلاح والمتطوّعين عبر الأردن إلى سورية... ورغم حاجة مصر الشديدة إلى الدعم المالي السعودي والخليجي لم تتردّد في تعطيل التغطية الرسمية العربية للعدوان العسكري الأميركيّ على سورية عندما كان ذلك مطروحاً بقوة وليست بوارد التورّط في سورية مباشرة وهذا من أهم منجزات إطاحة مرسي وحكم «الإخوان»... لذلك يراهن حكام السعودية الآن على اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة والعلاقة مع «إسرائيل» لقلب الموازين داخل الولاياتالمتحدة ومن هنا تصريح تسيبي ليفني بأن السعودية و»إسرائيل» تتحدّثان بلهجة واحدة حيال إيران كذلك إلغاء المملكة السعودية حديثاً مقاطعة «إسرائيل» من الدرجة الثانية والثالثة كتتمة لقرار مماثل اتخذ عام 2005. أي أن حكام السعودية اختاروا المزيد من التورّط في الأزمة السورية من خلال تعطيل الحلّ السياسي لها وقرروا بالتالي تفجير المنطقة وهذا لا يمكن إلاّ أن يرتدّ عليهم في النهاية.