انخفاض أسعار الدواجن في أسواق الإسكندرية وكيلو الفراخ البيضاء يصل 70 جنيها    رئيس الوزراء يؤكد استعداد مصر لتقديم كل أشكال الدعم المطلوبة لإنجاح زيارة المدير العام لمنظمة الفاو    الأردن يدين اقتحام قوات إسرائيلية لمقر الأونروا في الشيخ جراح ويحذر من تداعياته الخطيرة    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء الرئيس السيسي وحفتر اليوم    رئيس وزراء كمبوديا يدعو للوحدة وسط تصاعد التوتر مع تايلاند    كأس عاصمة مصر.. عودة داري وبيكهام لقيادة دفاع الأهلي في مواجهة إنبي    طولان: مواجهة الأردن صعبة.. وثقتي في لاعبي مصر لم تهتز    شريف يعتذر لطولان: أول من منحني فرصة كمهاجم    نجاة 4 ركاب في انقلاب ميكروباص بالقرب من كوم أوشيم    متحدث "الوزراء": أسعار تذاكر حديقتي الحيوان والأورمان سيتم إعلانها لاحقا    النيابة الإدارية تعاين حريق عقار بسوق تجاري في المنصورة: خالي من اشتراطات الحماية والسلامة المهنية    شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصص عائلية تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي ل"اللي باقي منك"    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    الدعم السريع تستهدف محطة كهرباء الدمازين بطائرة مسيرة    سقوط مدوٍ والريال تائه.. صحف إسبانيا تتحدث عن هزيمة الملكي ضد سيلتا فيجو    أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول «نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل»    مؤسسة «Join» اليابانية تعتزم الاستثمار بمشروعات تحلية مياه البحر في مصر    محافظ المنيا يستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية لتفقد محطات ومسار القطار الكهربائي السريع    الزمالك يختتم تدريباته اليوم استعدادًا للقاء كهرباء الإسماعيلية بكأس عاصمة مصر    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    تقرير "بروجيكت سينديكيت": الكهرباء هي الحاسم في سباق الذكاء الاصطناعي    خدمة اجتماعية بني سويف تحتفل باليوم العالمي للتطوع    الأرصاد: نشاط للرياح وسقوط أمطار على هذه المحافظات    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    شاهد مكان مقتل الفنان سعيد مختار خلال مشاجرة في أكتوبر.. صور    ضبط شخص و4 سيدات يستقطبون الرجال لممارسة الأعمال المنافية للآداب بالإسكندرية والجيزة    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    القومي للإعاقة: الذكاء الاصطناعي أحد أدوات تعزيز الشمول والدمج المجتمعي    مهرجان الأوبرا العربية في دورته الأولى يكرم المايسترو عمر خيرت    سرقة إسرائيل ل تراث أم كلثوم.. برلماني يطالب بتدخل حكومي    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    المصريون بالخارج يدلون بأصواتهم فى انتخابات 30 دائرة ملغاة بأحكام المحكمة الإدارية العليا    جيش الاحتلال يشن غارات جوية داخل مناطق انتشاره وراء الخط الأصفر في رفح الفلسطينية    "الصحة": الوضع الصحي في مصر مستقر رغم زيادة الإنفلونزا الموسمية    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    اعرف شروط الترقية لوظيفة كبير معلمين.. أبرزها قضاء 5 سنوات في ممارسة المهنة    المجلس الأعلى للجامعات ينظم ورشة عمل لتقييم البرامج الأكاديمية    مشتريات الأجانب تصعد بمؤشرات البورصة فى بداية تعاملات اليوم    مدير جهاز تنمية البحيرات: عودة طيور الفلامنجو لبحيرة قارون بعد تحسين أوضاعها    كلوب يدعم صلاح: سفير ممتاز لمصر والمهاجم الأفضل في ليفربول    حسام أسامة: بيزيرا «بتاع لقطة».. وشيكو بانزا لم يُضِف للزمالك    غرفة عمليات الشعب الجمهوري تتابع تصويت المصريين بالخارج في الدوائر الملغاة    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    التريلر الرسمي للموسم الأخير من مسلسل "The Boys"    مي عمر تحسم الجدل: الاعتزال مش في قاموس محمد سامي    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    وزير الإسكان: سنوفر الحل البديل ل الزمالك بشأن أرضه خلال 3-4 شهور    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. إبراهيم علوش: قراءة في أبعاد الخلاف السعودي-المصري حول الملف السوري
نشر في البديل يوم 05 - 09 - 2013

تناولت وسائل إعلام عربية شتى اختلاف موقفي السعودية ومصر إزاء توجيه ضربة عسكرية لسورية، وهو الخلاف الذي طفا بدبلوماسية، لكن بشكل لا تخطئه العين، في اجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية المنعقد في القاهرة يوم الأحد المنصرم. فقد جاء وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل للقاء القاهرة حاملاً معه أجندة دعم التدخل العسكري الأجنبي المباشر وتغطيته عربياً، أما وزير الخارجية المصري نبيل فهمي فلم يقدم، بالمقابل، دفاعاً عن موقف الدولة أو القيادة السورية، ولم يبدِ أي تأييد لها، إنما قام فعلياً بإجهاض تبني قرار بتأييد الضربة العسكرية وتغطيتها سياسياً من الجامعة العربية، فتم بالتالي تمرير بيان ختامي يدين جريمة استخدام السلاح الكيماوي في سورية، ويحمل النظام السوري مسؤوليتها، لكن يحول الملف السوري للأمم المتحدة لكي تعمل بناءً على القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مما يعني فعلياً عدم القيام بشيء، ويعني أكثر من ذلك رفض التصرف خارج سياق الأمم المتحدة، وما يحمل موضوعياً إدانة ضمنية لأي عمل عسكري من خارج إطار مجلس الأمن، مما يخدم سورية موضوعياً، بغض النظر عن تحميل المسؤولية والإدانات.
وقد شجع الموقف المصري عدداً من الدول العربية مثل الجزائر وغيرها على اتخاذ مواقف أعلى سقفاً تحفظت على البيان الوزاري إما رفضاً لمبدأ الدعوة لتدخل دولي أو محاكمات، أو احتجاجاً على تحميل الدولة السورية مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي، الخ… وكلها تحفظات وجيهة وأكثر بالطبع، سوى أن أي بيان مشترك مع السعودية ما كان من الممكن له أن يكون أعلى سقفاً مما خرج عليه. وقد لعبتها الخارجية المصرية وسطياً بإعطاء السعودية كل ما تريده ما دام لا يتعلق بتغطية ضربة عسكرية أو تدخل أجنبي مباشر في سورية، وهنا مربط الفرس في اللحظة السياسية الراهنة.
وهو فرق كبير إذا ما قورن بتذيل مصر للسعودية في الملف السوري وغيره منذ مبارك والمجلس العسكري ومحمد مرسي حتى تاريخ 30 حزيران/ يونيو 2013 مما يؤشر بأن مصر ربما بدأت تخط لنفسها نهجاً مستقلاً مع مراعاة ضوابط الحفاظ على الدعم السعودي والخليجي، المالي بالأخص، في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها، وسلسلة الإجراءات التي اخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتضييق عليها. ويذكر أن ما يقارب مليونا مصري يعملون في السعودية حالياً، يحولون عدة مليارات من الدولارات سنوياً لمصر، تليها تحويلات المصريين من الأردن، ثم الكويت.
ويزداد هذا الفرق في السياسة الخارجية المصرية وضوحاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم الاستثمار المالي والسياسي والعسكري والإعلامي والأمني للحكم السعودي في مشروع إسقاط الدولة السورية، لا القيادة السورية فحسب، وسعي الحكم السعودي لقيادة ذلك المشروع منفرداً، من خلال محاولة تحجيم دور منافسيها في جماعة الإخوان المسلمين، والسعي لتحجيم الدول التي يمتلك الإخوان المسلمون نفوذاً فيها مثل قطر وتركيا ومصر محمد مرسي.
ومن المعروف أن الحكم السعودي خاض معركة سياسية ضارية لتعزيز نفوذه في الائتلاف الوطني السوري من خلال فرض استقالة "رئيس الوزراء" غسان هيتو المدعوم قطرياً، والإتيان برجله أحمد الجربا رئيساً للائتلاف في انتخابات دعمت فيها قطر المرشح المنافس أديب الشيشكلي. والأهم أن الحكم السعودي فرض قيوداً على الدعم الذي تقدمه قطر للإخوان المسلمين في سورية، وللجيش الحر، وبالمقابل، حصل الحكم السعودي على موافقة الولايات المتحدة لتزويد الجماعات المسلحة في سورية بصواريخ أرض-جو غير أمريكية، على أن يتم توزيعها تحت إشراف "المجلس العسكري الأعلى".
وقد جاء الدعم السعودي والخليجي للاطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر ضمن السياق نفسه: تحجيم منافس عقائدي عنيد للوهابية، بالضبط لأنه ينافس على نفس الجمهور (السني) ويمتلك بالإضافة للأدوات الوهابية ربطات عنق وعلاقات جيدة مع الغرب (آن باترسون نموذجاً) وامتلاكاً لمفردات الديموقراطية الليبرالية التي جرى تطويع الخطاب والبرنامج الإخواني ليلائمها. لهذا بات صعود الإخوان في الإقليم خطراً وجودياً، غير مبدئي، لكن حقيقي، على الوهابيين. أما قطر، فيمكن للحكم السعودي أن يقلل من شأنها وحجمها وانتفاخها لولا الغاز وقناة الجزيرة، أما مصر فقيمة تاريخية وجغرافية وسياسية وعسكرية معتبرة لا يمكن التقليل من شأنها، فما بالك إذا وقعت بأيدي الإخوان وتم توظيف إمكاناتها لخدمة مشروعهم الإقليمي؟!
ولعل أشرس الحروب والتنافس السلمي والعنيف كان ولا يزال يجري تاريخياً بين ما يتنافسون على نفس الأرضية، من صراع الدول الاستعمارية على اقتسام العالم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى الصراع الصيني-السوفييتي في العالم الاشتراكي سابقاً، إلى صراع البعث مع الناصرية في فضاء القومية العربية، إلى صراع جناحي البعث في سورية والعراق، إلى صراع الدولة الصفوية والعثمانية في الفضاء الإسلامي قبل قرونٍ على العراق، الخ… وهو قانونٌ موضوعي للجغرافيا السياسية لا ينحل التناقض الجوهري الذي ينتجه إلا بانتهاء أحد طرفي النزاع، أو توحدهما سلماً أو حرباً تحت سيطرة إدارة واحدة، بغض النظر عن تشابه التوجه العقائدي والشعارات.
وبنفس المقدار الجغرافي-السياسي بالضبط، يعرف حكام السعودية جيداً أن صعود مصر يعني أفول الوهابية. وقد كان صعود مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر في ظل محمد علي باشا مقدمة قيام ابنه إبراهيم باشا باجتياح عاصمتهم الدرعية ودكها دكاً، وهو ما أسس للتعاون الوهابي مع بريطانيا أصلاً. كذلك يعرف حكام السعودية أن صعود مصر في ظل الرئيس القومي العربي جمال عبد الناصر شكل القانون الأساسي للحرب الباردة العربية في الخمسينيات والستينيات التي تحولت إلى حرب حارة على سورية واليمن. ويعرفون بأن إخضاع مصر تم عبر "وهبنة" و"سعودة" المجتمع المصري في ظل أنور السادات بالتعاون مع رئيس المخابرات السعودية آنذاك كمال أدهم، وقد حرص حسني مبارك على تحجيم دور مصر العربي والأفريقي والدولي، مما أسهم بإبقاء العلاقات جيدة مع الحكم السعودي.
باختصار يعرف حكام السعودية بأن مشروعهم الإقليمي لا ينجح إلا إذا بقيت مصر تحت جناحهم، أو تحت الأزمة، ويشكل تقديم 12 مليار دولار، منهم ومن حكام الكويت والإمارات، ثمناً قليلاً لتحقيق مثل ذلك الهدف الجغرافي السياسي المهم للسياسة السعودية. فإذا برز تناقض بين الموقف السعودي من جهة، وبين الموقف الأمريكي والأوروبي من جهة أخرى، إزاء الإطاحة بالحكم الإخواني في مصر، فإنما ينبع ذلك من شعور حكام السعودية أنهم على وشك أن يُستبدلوا بالإخوان، في سياق ما يسمى "الربيع العربي"، وبأن الإخوان منافس عقائدي جدي لهم، وبأن مصر، على مستوى آخر، لا يجوز أن تفلت من الأمريكان ومنهم لتلعب دوراً مستقلاً مما يهددهم مباشرة كما علمتهم تجربتهم التاريخية المرة، وقوانين الجغرافيا السياسية.
كذلك يسعى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لمنع إيقاف المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر لأنه يدرك جيداً معنى انفلات مصر من العلاقة مع أمريكا، مما يعني بالضرورة تهديد الأمن الإستراتيجي للكيان الصهيوني. ولذلك يضغط الأمريكان والأوروبيون على مصر بشدة، ويلعبون ورقة "الديموقراطية" و"حقوق الإنسان" ذوداً عن حكم الإخوان، ولكن ليس إلى حد انفراط عقد العلاقة.
بالمقابل تحتمل السعودية من مصر الخلاف حول سورية على مضض لأن مصر المستقلة تعرف أن أمنها الوطني يبدأ من بلاد الشام، وأن اتفاق مصر وسورية يعني بداية النهاية بالنسبة لها، والمصريون بالمقابل يدركون أن تدمير الدولة السورية واستنزاف الجيش السوري في معارك داخلية، بعد الشروع بتفكيك السودان، يهدد أمنهم الوطني إستراتيجياً، ويضعفهم إزاء العدو الصهيوني والغرب، وينقل معركة الاستنزاف والتفكيك والفتنة إلى داخل مصر نفسها.
وعليه، يمكن القول أن حكام السعودية يتبعون الآن إستراتيجية مزدوجة تقوم على تقليم أظافر الإخوان في الإقليم وشطب مشروعهم المستقل، مع توظيفهم ضمن المشروع السعودي وتحت سقفه، وتقوم في الآن عينه على احتواء مصر ومنعها من الانفلات باتجاه مستقل ومنع صعودها. بالمقابل، يقوم حساب الحكم الجديد في مصر على التقاطع مع السعودية حول الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، وتأجيل ملفات الخلاف وإدارتها بشكل يتيح شراء الزمن والخروج من المرحلة الانتقالية، لكنه خلاف حاصلٌ لا محالة في النهاية، بمقدار ما تتخذ مصر لنفسها مساراً مستقلاً.
ويمكن تطبيق المقاييس نفسها أعلاه لفهم موقف إيران المرتبك من الإطاحة بحكم الإخوان في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.