الصين قادمة    عيار 21 ينخفض الآن لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الخميس 18 إبريل بالصاغة    عاجل - "ارتفاع أسعار الدواجن ".. اعرف السبب    عز يهبط لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 18 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    ألفا روميو تقدم Junior .. أرخص سياراتها الكهربائية    استمرار نمو مخزون النفط الخام في أمريكا    البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء ل 300 مليون أفريقي    الأمر معلق، تضارب التصريحات بشأن تصويت مجلس الأمن على "عضوية فلسطين"    لبنان.. 6 غارات جوية إسرائيلية وأكثر من 70 قذيفة مدفعية استهدفت مدينة الخيام    عاجل...كبير أوروبا يعود ويكسر شوكة مانشستر سيتي    مفاجأة.. كولر يتلقى عرضا تاريخيا من الخليج    إعلامي: الزمالك معرض لإيقاف القيد فورا في هذه الحالة    مواعيد مباريات اليوم الخميس 18- 4- 2024 في دوري روشن السعودي    عاجل.. حسام عاشور يكشف رسالته التحذيرية إلى نجم الأهلي    «توخوا الحذر».. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم في مصر وموعد انخفاض درجات الحرارة    «الطيران المدني» تكشف أسباب تحويل مسار رحلة جوية إلى مطار القاهرة الدولي    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    عبد المجيد عبدالله يحيي حفلا غنائيا في الكويت.. 9 مايو    «الرعب 2x والضحك 2x«..طرح برومو مسلسل «البيت بيتي 2» ل كريم محمود عبدالعزيز (فيديو)    منة عدلي القيعي: «حققت حلم حياتي بكتابة أغنية لعمرو دياب»    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    الجهاز السمعي.. أهمية الاعتناء بالأذن    أهمية اتباع حمية للحفاظ على الوزن والصحة العامة    الكشف على 1433 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    بعد الإمارات وعمان| الأرصاد تفجر مفاجأة عن تأثر البلاد بفيضانات خلال ساعات    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق منزل في العياط    شعبة الأجهزة الكهربائية: الأسعار انخفضت 10% خلال يومين وتراجع جديد الشهر المقبل (فيديو)    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    رئيس حزب الوفد ناعيا مواهب الشوربجي: مثالا للوطنية والوفدية الخالصة    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    مدير أعمال شيرين سيف النصر يكشف أسرار الفترة الأخيرة من حياتها قبل وفاتها.. فيديو    فستان لافت| نسرين طافش تستعرض أناقتها في أحدث ظهور    استعدادا لمواجهة مازيمبي| بعثة الأهلي تصل فندق الإقامة بمدينة لوبومباشي بالكونغو    علي جمعة: الرحمة ليست للمسلمين بل للعالمين.. وهذه حقيقة الدين    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    بينهم 3 أطفال.. ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على رفح إلى 5 شهداء    الحكومة الأمريكية ترفع الرسوم على واردات الصلب الصيني بنسبة 200%    بسبب منهج المثلية | بلاغ للنائب العام ضد مدرسة بالتجمع    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    إبراهيم صلاح: كنت أتمنى مشاركة محمد شحاتة أساسيًا أمام الأهلي    حظك اليوم برج الميزان الخميس 18-4-2024.. «كن مبدعا»    طارق الشناوي: اللغة العامية لم تجرح «الحشاشين».. وأحمد عيد كسب الرهان    مصرع طفل غرقًا بنهر النيل في المنيا    بحجه تأديبه.. التحقيق مع بائع لاتهامه بقتل ابنه ضربًا في أوسيم    فلسطين.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة صوريف شمال الخليل    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    موعد بدء التوقيت الصيفي 2024 في مصر (اضبط ساعتك)    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    لقد تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    رئيس جامعة المنوفية يتابع المرضى من الأشقاء الفلسطينيين بالمستشفيات الجامعية    المتحدث الإعلامي للإخوان : الجماعة تجدد الدعوة إلى وقف الحرب في السودان    "ضربها طلقتين في بيت أبوها".. قصة مقتل ممرضة على يد زوجها لطلبها الطلاق بعد الزفاف    إطلاق النسخة الأولى من المهرجان الثقافي السنوي للجامعة الأمريكية بالقاهرة    عدد أيام إجازة شم النسيم 2024 .. «5 بالعطلة الأسبوعية»    أبرز أدعية شفاء المريض.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور العائلة السعودية الحاكمة في تطويع المنطقة وازدواجية الوهابية مع "روتانا"
نشر في المشهد يوم 24 - 10 - 2011

آل عبد العزيز واقعون في ازدواجية بين صرامة الإسلام الوهابي وميوعة "روتانا"
النفط يتحول إلى أداة تخريب وتبعية ، ودعاة الإصلاح مرفوضون من الديمقراطية الغربية

خرجت الدولة السعودية إلى الوجود برعاية بريطانية، وتواصل بقاؤها بدعم الولايات المتحدة بعد تراجع الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية. وقد كان تكوين الدولة السعودية في عقد العشرينات مرتبطا إلى حد كبير بالمدى الذي تصورته بريطانيا لمصالحها المحدودة في قلب الصحراء حيث تم إفساح المجال للأسرة البدوية السعودية لإنشاء كيان سياسي في شبه الجزيرة العربية. وقد حصلت السعودية على اعتراف المنظمة الدولية عام 1932 ، وجاء اتحاد اليمن عام 1934 في تلك الفترة دون تدخل بريطاني أو إيطالي. واستغرق الأمر الكثير من الوقت لفرض النفوذ البريطاني في المناطق الساحلية لشبه الجزيرة العربية لتأمين ممر آمن عبر البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي والخليج العربي لصالح التجارة الاستعمارية بين بريطانيا والهند والشرق الأقصى. ولم تغادر بريطانيا منطقة الخليج رسميا حتى 1971 حيث ظهرت الإمارات العربية المتحدة إثر ذلك إلى الوجود. وبينما سمح الانتداب الذي كوفئت به بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى للمصالح البريطانية النفطية بتعزيز وجودها في العراق، لم يتخيل أحد أن العربية السعودية تقع فوق واحد من أكبر الاحتياطات النفطية في العالم. ومع ذلك فإن حقيقة أن توحيد المملكة تم نتيجة عوامل داخلية وليس بفعل تدخل القوى الخارجية بشكل مباشر، كانت مصدر فخر كبير بالنسبة للسعودية.
وقد أتاح تركز الاهتمام البريطاني على العراق، أن يكون للولايات المتحدة موطئ قدم في السعودية، فيما أصبح بعد ذلك واحداً من التحالفات الأكثر صلابة والأطول عمرا والأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط الحديث. وعبر شركتها آرامكو – شركة النفط العربية الأمريكية – والتي تم تأميمها تدريجيا خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات ساهمت الحكومة الأمريكية في إقامة عدد من مرافق البينة الأساسية هناك تطلبتها تطورات صناعة النفط في الدولة السعودية الناشئة.
كانت التنمية بالنسبة لمعظم السعوديين مرادفا لشركة النفط العربية الأمريكية والتي تتخذ من قاعدة الظهران في الخليج العربي مقرا لها. وخلال السنوات الأولى إثر منح امتياز النفط عام 1933، بدت السعودية دولة ضخمة ولكن دون جذور راسخة، ولهذا أبدت تذمرها الكبير جراء المساندة البريطانية للأسرة الهاشمية في الأردن والعراق (حتى 1958) الدولتين اللتين كان لهما جذور سكانية قبلية ذات أصول في السعودية، غير أنها بدت في الوقت ذاته تشعر بالارتياح جراء تطوير روابط سياسية وعسكرية مع الولايات المتحدة. ومن خلال آرامكو تخرجت أول موجة من الإداريين والتكنوقراط والموظفين المدنيين ومليونيرات النفط السعوديين ، وكذا في المقابل أوائل المعتقلين السياسيين والمعارضين والمنفيين ورموز المعارضة الأدبية، حسبما كتبت الدكتورة مضاوي الرشيد أستاذة علم الأنثروبولوجيا .. وعزز وجود وافدين من جنسيات مختلفة.. مصريين وفلسطينيين وهنود مع القبائل البدوية المحلية والشيعة المقيمين من التبادل والاشتراك في الأفكار والمشاكل والأيديولوجيات السياسية، فضلا عن انتشار الراديو، على إيجاد حقائق مزعجة بالنسبة للملك السعودي الثاني سعود بن عبد العزيز (1953 - 1964).

زيجات الملك الأب
كانت تدخلات الحكومة بشأن ممتلكات الأسرة الحاكمة السعودية في حدودها الدنيا ، من ناحية نظرا لاتساعها، فضلا عما كان يوفره القانون لهم من ميزة تجعلهم في مرتبة علماء الدين. لأنها تمثل السنة التقليديين "الدولة الإسلامية " أكدت الأسرة السعودية مساندتها للعلماء من خلال إطلاق العنان لهم لحكم المجتمع وفق قوانين الشريعة الإسلامية: يعتبر رجال الدين في السياق الإسلامي قضاة وخبراء قانونيين، وتبقى المحاكم مملكة المشرعين الفقهاء في الوقت الحاضر. ويعتبر القانون التجاري الوحيد الذي تم تشريعه في السعودية. وعزز المؤسس عبد العزيز (الذي توفي عام 1933) وحدة مملكته الشاسعة عبر زيجات عديدة من نساء من طبقة الأشراف العربية والعشائر الإقليمية والأسر (الرقم الفعلي لعدد الزيجات غير معروف).
وكان هدف حماية المملكة التي تواجه أوضاعا قلقة، في مواجهة الضغوط المتعددة الأجنبية والمحلية ، مصدر القلق الرئيسي للحكام السعوديين منذ البداية، ويعتبر بقاء المملكة واستمرارها حتى الآن واحدا من عجائب وألغاز سياسات الشرق الأوسط المعاصر. فلقد وظف السعوديون من أجل تعزيز وحدة أراضي الدولة التي أنشأوها، البدو كمقاتلين عرفوا باسم الإخوان (الإخوان المسلمين وهو اسم لا رابطة له مع الحركة السياسية المصرية التي تحمل اسما مشابها). ومن وسط منطقة نجد حيث تمت الإقامة في معسكرات إقامة خاصة، سميت الهجر– مفردها هجرة – جرى توجيه هؤلاء على يد دعاة متشددين من مدرسة نجد التي تتبع الإسلام السني، فيما أصبح يعرف باسم "الوهابية". وكان من بين المشاكل الكبيرة التي واجهتها المملكة عبر تاريخها مع الجيوش الرحل الذين جرى صهرهم عبر عمليات القتال شديدة الوطأة هو ما يجب القيام به مع هؤلاء الأفراد الرحل إثر انتهاء مهمتهم، وهى القضية ذاتها التي واجهتها الجيوش العربية خلال الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، والتي واجهها المغول كذلك بعد ذلك بعدة قرون.
وفي حالة المشروع السعودي في القرن العشرين، لم يكن هناك مجال كبير للمناورة. فقد فرضت القوى الأوروبية العظمى قيودا بشأن الأماكن التي يمكن للبدو أن يغزوها. وإثر استيلائها على المنطقة الشرقية عام 1913 ومنطقة حائل التي تحاذي الأردن والعراق عام 1921 ومنطقة الحجاز على الساحل الغربي 1925 لم يكن هناك إمكانية لضم اليمن أو الكويت في ضوء عدم سماح بريطانيا بذلك. كما لم يكن هناك أي إعداد بشأن الحملة الكبيرة التي اتسمت بالحماس على المدن الشيعية العراقية، على نحو ما قامت به الجيوش الوهابية السعودية قبل نحو القرن، ثم الاستيلاء على المدن الحجازية في عمليات واجهت مقاومة ضارية– أما في الطائف فقد قتل الجيش البدوي عام 1924 المئات الذين ذهب العلماء إلى أنهم يدخلون في عدد "صغار الكفار".
كانت النتيجة تمردا ضد السعوديين فيما بين 1927 و 1929، وشعر البدو أن حلفاءهم خانوا القضية الوهابية بالتخلي عن الحملة التي تقوم على رؤية متشددة تنطلق من ضرورة نشر الإسلام بالقوة. وقد تكرر التمرد في عام 1979 عندما قامت مجموعة من رجال القبائل تنحدر من الأصول الإخوانية باحتلال المسجد الحرام في مكة لمدة أسبوعين، في معارضة للمرة الثانية للدولة السعودية لإخفاقها في الوفاء بالتزاماتها الإسلامية، الأمر الذي دفع الحكومة السعودية إلى العمل على تعزيز القيم الإسلامية بشكل أكبر خلال حكم الملك فهد (1982 - 2005)، في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام علماء المؤسسة الوهابية ولوأد أي محاولات من قبلهم للثورة. ويعكس ذلك حقيقة الصراع على قلب الدولة السعودية وجوهرها منذ إنشائها بين مجموعة من الرؤى الإسلامية التي لا تقبل بالتزحزح عن مكانها، والأساس المعاصر الذي قامت عليه الدولة.
وقد ساد القلق لدى السعوديين بشأن انفصال الحجاز بشكل خاص، عن دولتهم خلال العقدين الأولين من الاستقلال. وتشمل هذه المنطقة التي تقع على البحر الأحمر عدة مدن بحرية مثل جدة وينبع والمدينتين الداخليتين المقدستين مكة والمدينة، وكذلك الطائف المنطقة الجبلية. وكان السعوديون إثر غزوهم للمنطقة في العشرينيات قد عزلوا الأسرة الهاشمية التي حكمت مكة لنحو ألف عام. وبعد الإذن بعزلهم نصب البريطانيون الهاشميين الحجازيين ملوكا على الأردن والعراق، حيث جرى بعد عام 1958 القضاء على حكمهم من خلال أحداث عنف في العراق، وإن كانت الأسرة الهاشمية ما زالت تواصل حكم الأردن حتى اليوم.
القومية عامل قلق
مع حلول الخمسينيات برز عامل قلق جديد للأسرة السعودية، هو تنامي القومية العربية وحركة مناهضة الاستعمار التي انتشرت في أوساط الشيعة وفئات سعودية أخرى كانت تعمل مع شركة آرامكو في الساحل الشرقي. وكان مما استثار الحكم الملكي في السعودية استقبال الأبطال الذي حظي به ناصر في شوارع مدينة الظهران النفطية والرياض عاصمة السعودية التي تقع داخل الأراضي النجدية بشكل انتشرت معه شائعة مفادها أن الملك سعود دبر مؤامرة لاغتيال ناصر. وقد ثار الشيعة مرة ثانية ضد الحكم السعودي عام 1980 بعد قيام الثورة الإيرانية، وأثاروا شكاوى بشأن معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، في إطار الدولة الوهابية. كما قام متحمسون وهابيون باحتجاجات اتسمت بالعنف ضد الإبداعات الحديثة في مراحل متعددة – وفي ذلك الصدد تم اغتيال الملك فيصل عام 1975 على يد ابن أخيه على ما يبدو على خلفية الغضب بشأن إدخال البث التليفزيوني. وجرى بعد حرب الخليج عام 1991 اعتقال عدد من العلماء الوهابيين بشأن دعوات للإصلاح وانتقادات لتواجد القوات الأمريكية. كما واجه الحكم الملكي السعودية بعد غزو العراق عام 2003 تمردا من الإسلاميين تحت راية القاعدة الذين عبر أنصارها عن استيائهم بشكل خاص من التحالف السياسي للمملكة مع الولايات المتحدة.
إن السعودية تقوم على عدد من الجوانب المتعارضة. ووفق ما يذهب اليه الأنثروبولوجي السعودي سعد السويحان أنها تقريبا عبارة عن أربعة بلدان وهذا يفسر سبب قلق الناس من التغيير، حيث يمكن لهذا الوضع أن يتفكك. وهو يشير في ذلك إلى المناطق الأربعة نجد والحجاز وعسير التي تشترك في الحدود مع اليمن في الجنوب، والمنطقة الشرقية بسكانها الشيعة.. لقد كان من المتوقع أن تلعب الثروة دورا كبيرا في عملية صهر هذه الأجزاء، على شاكلة أمريكا، ولكن المشكلة أنها تقوم على أساس منتج واحد فقط هو النفط الذي يتركز في منطقة واحدة، هي الشرق. ففي المنطقة الشرقية يمكن للسكان هناك أن يقولوا إن هذه الثروة تخصنا ونحن نريد أن يدعنا الآخرون وشأننا. فيما يمكن أن يقول سكان الحجاز "نريد أن نبقى بمفردنا" بشكل ينتهي بالباقين إلى قدر محدود من الموارد.
وقد شهدت الدولة ذاتها في إطار عملية تشكيلها ، محاولتين من قبل الأسرة السعودية لإقامة دولة نجدية. ففي منتصف القرن الثامن عشر، عرض عالم يسمى محمد بن عبد الوهاب خدماته على الأسرة السعودية لتأسيس مملكة دينية أصولية أقامها السعوديون بتحويل القبائل البدوية إلى قوات مقاتلة متشددة. كان عبد الوهاب يتسم بالورع وينحدر من مدينة صحراوية معزولة قرب الرياض اليوم وقد رأى أن سلوكيات الحضر من المسلمين في شبه الجزيرة – تقديس بعض الشيوخ والعلماء عبر زيارة قبورهم أو الاحتفال بذكرى ميلاد الرسول والرموز الدينية الأخرى في الإسلام - تمثل هرطقة وانحرافا عن الوحدانية الأصيلة التي مثلتها رسالة الإسلام ودعوته إلى عبادة الله الواحد. وذهب عبد الوهاب إلى أن هذه الأوضاع تمثل عودة إلى ما كان عليه الحال في الجاهلية التي كانت قائمة قبل رسالة الإسلام. وبالنسبة لبعض أتباعه، كان استخدام المسبحة خلال الصلوات يناقض روح التوحيد التي جاء بها الإسلام. وكان من بين آرائهم أن البدو في السهول المركزية من حيث جاء هو، ليس لهم أي دين على الإطلاق.
كان الهدف الأول من التحالف عام 1744 بين أسرة آل سعود وعبد الوهاب وأتباعه توحيد البدويين انطلاقا من هذه المنطقة المركزية في نجد. وقد قام التحالف السعودي الوهابي البدوي بغزو مدن الغرب – والتي كانت في ذلك الوقت تحت السيطرة العثمانية – واجتاح شمال العراق حيث توجد مقبرة الحسين بن علي بن بنت النبي صلى الله عليه وسلم، في كربلاء عام 1801. وانهارت الدولة السعودية الأولى (1744- 1818) نتيجة سعى محمد علي إلى توسيع نطاق إمبراطوريته إلى شبه الجزيرة العربية، ولكن آل سعود عملوا على محاولة تدبر أمر استعادة نفوذهم مرة ثانية، وهو ما تحقق منتصف القرن التاسع عشر (1824 - 1891) ولكنهم عادوا عام 1902 للمرة الثالثة واستولوا على الرياض مضيفين تدريجيا أراضى أخرى حتى عام 1932، بعد اتباعهم نفس التكتيك القائم على إطلاق العنان للمتشددين البدو ضد الحضريين من المسلمين بغض النظر عن تدينهم. وقد وحدوا معظم أنحاء شبه الجزيرة التي تفصل المناطق الجبلية الجنوبية مع اليمن وعمان ومجموعة دول الخليج الشاطئية المدعومة من قبل بريطانيا.

كيان سياسي غريب
أسفر التوزيع غير العادل للموارد والسيطرة المطلقة للأسرة السعودية عبر التوسع غير المسبوق إلى كيان سياسي غريب الشكل، فلقد زادت الثروة بشكل هائل نتيجة ارتفاع بأسعار النفط خلال السبعينيات بشكل سمح للأسرة الحاكمة بنمط حياة اتسمت بالبذخ يتعارض مع قيمهم الإسلامية على ذات النحو الذي أدى إليه تحالفهم السياسي الكبير مع الولايات المتحدة. فقد سمحت الأسرة السعودية للقوات الأجنبية بالبقاء فوق أراضيها 1990 – 1991 خلال أزمة الخليج ثم المكوث في قواعد دائمة بعد ذلك، ما انتهى بالدولة التي تملك ثروة غير عادية، وتقود العالم الإسلامي عبر وجود أكبر موقعين مقدسين في مكة والمدينة على أرضها إلى تقييد سيادتها جراء الحاجة المتواصلة للنظام الملكي إلى الأجانب من أجل حمايته. فضلا عن ذلك بدأت تظهر في السنوات الأخيرة تفاوتات حادة في الثروة ليس فقط في المناطق الجبلية على الحدود مع اليمن، ولكن أيضا في مناطق من العاصمة الرياض نفسها بفعل الهجرة من المناطق الريفية.
وفي 2002 ، قام الأمير عبد الله ولي العهد السعودي بزيارة مفاجئة إلى المناطق الفقيرة المتاخمة للرياض وتجول في الشوارع وسأل الناس عن أحوال معيشتهم. وبعد شهور قليلة، أعلنت الحكومة وضع إستراتيجية قومية لمكافحة الفقر. وحسبما أعلن ولي العهد السعودي في جرأة وعلى الملأ عام 1998 فإن الدولة أدركت منذ نحو عقد أنه يوجد لديها مشاكل بنيوية في ضوء ان حقبة الثروة النفطية غير المحدودة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد في ذات الوقت الذي ينمو فيه عدد السكان وتتراجع أسعار النفط. ورغم ذلك كان الكشف عن وجود سعوديين فقراء بمثابة صدمة للكثيرين داخل المملكة ذات الثروة الخرافية.
الحماية الأمريكية السعودية
يتمثل التناقض الأكثر إثارة للجدل في الدولة السعودية الحديثة في اعتمادها على الجيوش الأجنبية، حيث تتمركز الآلاف من القوات الأمريكية هناك منذ حرب الخليج عام 1991 ولم تغادر سوى في أغسطس عام 2003، بعد القضاء على نظام حكم صدام حسين، وإن تواصل بقاء المستشارين العسكريين. كما أن القوات الأجنبية لم تغادر شبه الجزيرة بشكل حقيقي، وإنما تمت عملية إعادة انتشار لها بعبارة أخرى حيث تمركزت في الدول المجاورة في قطر والبحرين حيث عدد السكان محدود، وكذا الهيئات السياسية بشكل لا يفرض سوى اهتمام محدود بالقرارات التي يتخذها حكامهم بشأن استضافة أعداد كبيرة من القوات الأمريكية.
لقد كان تواجد القوات الأمريكية في السعودية من بين المظالم التي أشار إليها بن لادن في معرض تبريره الهجمات على الولايات المتحدة، رغم أن القليل من السعوديين يشعرون بالتواجد الأمريكي في حياتهم اليومية، حيث يجري الحرص على بقائهم بمعزل عن المناطق ذات الاحتكاك مع الجمهور ويتمركزون بشكل أساسي في قاعدة جوية خارج الرياض حيث كانوا يراقبون ما درج على تسميته المنطقة محظورة الطيران فوق جنوب العراق خلال التسعينيات، والتي جرى من خلالها تنسيق جانب من عمليات غزو العراق عام 2003. وتحظى حقيقة اعتماد الحكام السعوديين على الحماية الأمريكية بانتشار واسع في العالم العربي، ويعزف على وترها المعارضون للنظام السعودي سواء داخل المملكة أو خارجها وكذلك في أماكن أخرى. وأصبح ذلك مجالا للدعابة والسخرية في عصر الإنترنت.

لماذا تطالب نساء المارينز بحمايتك من صدام؟
من نماذج تلك السخرية ما نشره موقع هجائي على الشبكة العالمية مستوحيا فكرته من المهرجان الثقافي السنوي الذي تنظمه الحكومة وهو مهرجان الجنادرية، وهو احتفال بالقيم البدوية ويقوم فيه رجال القبائل بمن فيهم رؤوس العائلة الحاكمة السعودية والملك نفسه بالانضمام إلى رقصات بالسيوف ومظاهر أخرى مستوحاة من الفترة التي خاضت فيها القبائل حروبا فيما بينها من أجل السيطرة على الأرض. لقد نشر الموقع المذكور تعليقا على صورة للملك عبد الله أحد أبناء الملك المؤسس الذي خاض قتالا بالأسلوب القديم فعليا يقول: إذا كنت مثل هذا الفارس المغوار فلماذا تطلب من المارينز ونساء أخريات أن يحموك من صدام؟
عندما تسأل السعوديين بشأن حاجة دولتهم إلى استئجار جيش أجنبي من أجل حمايتهم بدلا من أن يقوموا بذلك بأنفسهم فإنهم يبدون قدرا من الحيرة. وفي ظل مشكلة مثل البطالة فإن الجيش الدائم يمكن أن يمثل هدفا ذا مغزى. وفي ذلك قال شاب سعودي شيعي من الدمام. إن وجود الأمريكيين هنا يسبب الكثير من الاضطرابات، حيث إن جنودنا ينتهي بهم الأمر إلى الاعتماد عليهم. وربما على هذا الأساس تفضل الأسرة الحاكمة السعودية أن تدفع للأمريكيين من أجل حمايتها. إنهم لا يريدون فقدان حياة السعوديين أو أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الجنود السعوديين.. لا فرق .. وفي بعض الأحيان فهم يقولون أنهم ببساطة يعتمدون على الله.
إن الطابع العام للسعودية هو عدم العسكرة على الإطلاق – وتتجه الدولة إلى توفير الانطباع بأنها الفردوس الإسلامي غير المسيس – وربما لا يكون لدى قطاع كبير من الجيش السعودي أي دور يقوم به مما يقع على الصعيد العالمي أو الإسلامي. ومع ذلك فإن هذه الظاهرة تعبر عن مظهر متكرر في التاريخ الإسلامي، فعلى مدى نحو مائتي عام خلال الحكم الإسلامي خاض الخلفاء العباسيون صراعات متواصلة من أجل تأكيد شرعية حكمهم الإستبدادي، وكانوا يخشون على ما يبدو التوجه إلى شعبهم لكي يدافع عن مملكتهم ولهذا استوردوا العبيد الأتراك كجنود من وسط آسيا.
لقد استأجر الخليفة العباسي الذي حكم واحدة من أكثر الكيانات السياسية قوة في العالم الأجانب لكي يدافع عن نفسه. لماذا؟ الإجابة ربما تكمن في التعارض فيما بين الأيديولوجية المتفائلة والحقيقة المزعجة. إن الخلفاء طبقا لنظريتهم بشأن شرعية حكمهم يعتبرون حراسا للمجتمع المختار من قبل الله: إن وضع بعض المسلمين الخاضعين لحكمهم في الجيش، على الأقل داخليا، يفترض ضمنا أن الخاضعين لهم ربما يكون لديهم بعض الأسباب لتحديهم، فهم لا يستطيعون الثقة في شعبهم في ضوء عدم اعتراف الكثيرين في الواقع بشرعية حقهم في الحكم. وعلى ذلك فإنه يمكن الدفاع عنهم وعما فسره العلماء المسلمين بدار الإسلام – فقط من خلال فئات يتم استئجارها من الخارج، والذين يجرى التعامل معهم كعبيد، وكفرة ليس لهم من فائدة سوى جمع الجزية وتأمين حياتهم . ( ربما يوجد تشابهات بين ظاهرة استئجار جيش يتجاوز ستة ملايين أجنبي للقيام بالأعمال المتدنية وغيرها من الأعمال اللازمة لدوران عجلة الحياة في الدولة الحديثة التي يرى فيها السعوديون أعمالا كريهة).
لقد اعتنق الجنود الأتراك الإسلام وسيطروا على الخلافة العباسية من الداخل. وأقاموا دولتهم المملوكية في مصر فيما راحت القبائل التركية تقيم الإمبراطورية العثمانية. لم يكن أحد يتوقع أي شئ مشابه لذلك من الأمريكيين خلال سنوات التسعينيات (على الرغم من أن المواطنين الإماراتيين يبدون عصبية بالغة بشأن وضعهم كأقلية بين الأجانب الوافدين في الإمارات). وعندما غزا جيش صدام القومي العربي الكويت فإن أسرة آل سعود والتي ترى نفسها حامي حمى الإسلام اكتشفت عدم قدرتها على حماية نفسها. ووجد نحو نصف مليون جندي أمريكي تقريبا أنه يجب عليهم ألا يتجاوزوا ما وصفه الرئيس جورج بوش : بخط على الرمال داخل المملكة السعودية، الشريك الإستراتيجي الذي يزود الولايات المتحدة بالنفط. وأبقت الولايات المتحدة بعد الحرب، على قوة قوامها 20 ألف جندي ووجود رمزي مثل فرقة التسعين يوما لمتابعة دخول السفن الأمريكية موانئ جدة والدمام. كما كان هناك نحو 3 آلاف عسكري يقيمون في الظهران وحدها بالإضافة إلى 35 ألف مدني أمريكي في مختلف أنحاء المملكة. وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت واشنطن، حسبما أشار عدد من رموز المعارضة العربية، تتغاضى عن حقوق الإنسان في السعودية خلال تلك الفترة.

ردات فعل تواجد المارينز بالشوارع
في يونيو 1996 هز تفجير انتحاري مجمعاً يقيم به أمريكيون من سلاح الجو ومجندون بالجيش الأمريكي في الخبر قرب الخليج العربي ما أدى إلى مقتل نحو 19 أمريكياً. وفي نوفمبر أدى تفجير قنبلة إلى مقتل خمسة أمريكيين في الحرس الوطني السعودي. وعلى وقع حالة الارتباك، بشأن الحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي، تزايد التوتر بشكل ملحوظ بين السلطات السعودية والأمريكيين، الأمر الذي انعكس حسبما أشارت التقارير، في بعض التأخير في هبوط الطائرات الأمريكية، والجدل بشأن ترتيبات الوقود ومخزون السلاح.. وحسبما ذهب المعارض المصري عبد الحليم قنديل بعد انفجارات الخبر عام 1996 " لقد أفرزت حرب الخليج نتائج شبيهة بثورة ناصر على أية حال – لقد أدت إلى تعرية اعتماد النظام على قوة أجنبية، الأمر الذي بدا ملحوظا للجميع. وقد تسبب التواجد المكثف للأمريكيين في الشوارع في ردود فعل انطلقت من أسس دينية واجتماعية وسياسية".. وكذلك حسبما يذهب المفكر المصري رفيق حبيب فإن التواجد الأمريكي بعد حرب الخليج أصبح كثيفا وأثار مشاعر معادية. إن الجيش الأمريكي يذكر العرب بشكل عام بالاحتلال والاستعمار، حيث يجب أن تتخذ الدولة قراراتها.
ولا يعد الاعتماد على الأجانب من أجل مساندة ودعم المملكة شيئا جديدا فهناك سابقة في التاريخ القريب للكيان السياسي السعودي. فإزاء الشعور بقرب نضوب احتياطيات النفط الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى، طالبت واشنطن القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية السماح لها بإتباع سياسة الباب المفتوح فيما يتعلق بالنفط في المنطقة، وشاركت الاستثمارات النفطية الأمريكية في نفط العراق ثم حصلت بعد ذلك على امتياز في شبه الجزيرة العربية خلال الثلاثينيات. واستمر التأثير البريطاني في الشؤون السياسية السعودية بشكل كان من الصعب تحديه حتى 1943 العام الذي أعلن الرئيس تيودور روزفلت خلاله رسميا أن السعودية تمثل مجالا حيويا للأمن الأمريكي، فاتحا الباب لمساعدة أمريكية للمملكة التي كانت تواجه في ذلك الوقت بعض المشاكل التي تواجه التحول إلى دولة معاصرة. وفي 1951 وقعت الولايات المتحدة اتفاقية دفاع محدودة مع السعودية. وعارض ناصر بشدة مساعي الولايات المتحدة فرض نفسها حامي المنطقة ضد التهديد السوفييتي المفتعل. وانطلق موقف ناصر من أنه ليس هناك تهديد بالشكل الذي تحاول الولايات المتحدة الترويج له، وأن المنطقة العربية قادرة على العمل دفاعا عن مصالحها بدون التدخل الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي.
وبعد أيام من اتفاق يالطا عام 1945 إثر ترسيم ونستون تشرشل وجوزيف ستالين خطوط أوروبا ما بعد الحرب، التقى الرئيس روزفلت الملك عبد العزيز على متن سفينة أمريكية في قناة السويس. وقد كان مبدأ أيزنهاور عام 1957 بمثابة إشارة إلى أن المساعدة العسكرية والاقتصادية الأمريكية ستكون ممكنة ومتاحة لأي دولة في الشرق الأوسط تطلبه وتواجه التهديد من قبل الشيوعية. وكانت صفقة الأسلحة التشيكية لمصر والمساعدة السوفيتية في بناء سد أسوان العالي أحد العوامل على الربط بين القومية العربية والشيوعية الدولية في الأذهان الأمريكية.
كما أن مساندة مصر للجمهوريين اليمنيين في مواجهة مساندة السعودية للملكيين هناك أكدت الشكوك الأمريكية بأن السعوديين وليس المصريين يمثلون نوع العرب الذين يريدونهم. وقد هرب ثلاثة طيارين سعوديين إلى القاهرة احتجاجا على الموقف السعودي ضد مصر في ذلك الوقت، وفي الواقع فقد كان الاعتماد بشكل أساسي يقوم على الطيارين البريطانيين إلى حد أن السعوديين الذين مرروا مشاعر وأفكار القومية العربية كانوا يقودون طائرات بريطانية بيعت إلى الملكيين منتصف الستينيات.. وكما أصبحت مصر أكثر قربا من السوفييت، أصبح السعوديون أكثر قربا من الأمريكيين بعد حرب 1967، وكان من الواضح أن إسرائيل وإيران والسعودية ثلاثة حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقد حلت مصر محل إيران بعد 1979.

مدن الملح ومدن النفط
لقد غير اكتشاف النفط في السعودية الحياة في هذه الدولة الجديدة ، بما يفوق كل التوقعات، وبطريقة بالغة الجذرية ربما لم تشهدها شبه الجزيرة العربية من قبل. ويجد ذلك التحول تجسيده في خماسية "مدن الملح" للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، حيث يتعجب رجال الوادي المفقود قائلين: لماذا جاء هؤلاء الأجانب، الأمريكيون، إلى المنطقة، إنهم يزعمون أنهم يبحثون عن الماء. " ولكن ما عساهم يريدون؟ وأية أشياء في هذه الفلاة غير الجوع والرمل والعجاج؟ والأسئلة التي يسألونها خبيثة ملعونة، وتؤكد أنهم ليسوا مثل الذين جاءوا من قبل: هل جاء أجانب غيرنا ؟ هل سمعتم عن أجانب.. عن إنكليز وفرنسيين جاءوا إلى هنا؟ هل بقوا فترة طويلة ؟ .. وقد قالوا أنهم يريدون أن يتجولوا أن يذهبوا ويرجعوا .. وبعدها سيأتي غيرهم.. وقالوا انتظروا سوف يصبح كل واحد منكم غنيا لقد أخطأ البدو حتى في توصيف التمارين الرياضية الصباحية التي مارسها الأمريكيون واعتبروها شكلا غريبا من الصلوات. ومثل موران في رواية مدن الملح لعبد الرحمن منيف فإن الرياض تحولت من مدينة صحراوية مغبرة إلى مدينة بالغة الاتساع بما تضمه من الكثير من الأجانب وترف الحياة الحديثة، والثقافة الأجنبية. ولصراحته، وتصويره بشكل سلبي دور الحكام السعوديون في تطوير البلاد بالتحالف مع أمريكا تم سحب الجنسية السعودية من منيف لأكثر من أربعة عقود إلى أن مات في المنفي بدمشق عام 2004.
وفيما يشير إلى هذا التطور أنه لم يكن لدى آل سعود مجلس للوزراء حتى عام 1953 وكذلك نحو 27 مدرسة فقط تديرها الدولة وعشرين مدرسة خاصة، وقد كان الجزء الأكبر من ميزانية الدولة مهما تكن ضآلتها يذهب إلى دعم الأسرة الحاكمة الواسعة من أجل تعزيز الحكم السعودي وتكامل أراضي المملكة المعرضة للانقسام. وقد تم ترك الأمر لأرامكو نفسها لبناء معظم البنية الأساسية للدولة، بما في ذلك الطرق وخطوط الأنابيب والموانئ والمطارات والمدارس والمستشفيات وحتى السكك الحديدية. وقد أدار رؤساء الشركة العملية من مخيم أمريكي معزول , كان بمثابة جزء صغير من أمريكا في مدينة النفط الرئيسية "الظهران" على الشاطئ الشرقي، وكان الآلاف من السعوديين من مختلف أنحاء الدولة يحلمون بإيجاد عمل مربح مع الأجانب.
وكان تدفق الأمريكيين الأجانب يتم تبريره على الدوام من قبل الملك عبد العزيز نفسه من خلال الآية القرآنية الشهيرة " "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين".. وإن تقاطع ذلك مع تطبيق المساواة بالنسبة إلى العرب الآخرين والأفكار المشاغبة التي يمررونها مثل الأيديولوجية القومية العربية والشيوعية –التي وصلت المملكة عبر معسكر آرامكو في المنطقة الشرقية والراديو.

حلق اللحية بأمر حبيبة أمريكية
وترد الإشارة إلى آرامكو كثيرا في قصة الروائي تركي الحمد "شرق الوادي" التي تروي قصة العلاقات السعودية الأمريكية. في هذا الامتحان للصدام الثقافي بين السعوديين والأمريكيين يجد جابر الشخصية المحورية عملا في آرامكو ويتعرف على أيديولوجية القومية العربية وكان قد أقام علاقة مع زوجة المدير الأمريكي قبل أن تحصل على وظيفة في أوستن بتكساس. ففي إطار علاقتهما راحت تقول له : "احلق لحيتك وأحلق عانتي". فغضب من قولها وقال وقد جحظت عيناه وانتفخت عروق وجهه ومنع نفسه من لطمها في تلك اللحظة وهو يقول: هل تقارنين لحيتي بشعر عانتك؟ .. يا لك من عاهرة وضيعة. وغضبت إيثل من نعتها بالعاهرة فطردته من المنزل بغضب وهي تقول : "عامل حقير .. عربي قذر". وفي إطار التكيف مع الحياة الأمريكية حلق لحيته وشاربه حسبما طلبت محبوبته، أن يفعل في السعودية.
وحسبما كتب حمد: " تأمرك بشكل كامل. فيما تمنت إيثل لو أنه حافظ على مظهره العربي.. فلقد أسفت على حلقه شاربيه وتمنت لو أنه أبقاهما فقد كانا يذكرانها بكلارك جيبيل وإيرول فلين ويتفوق عليهما بسمرته المغرية لم يكن يعلم ساعتها من هو كلارك جيبيل أو إيرول فلين وحرص على مشاهدة أفلامهما مما جعله يشعر بالبهجة من تشبيه إيثل له بهما" وقد تم حظر رواية حمد في السعودية على غرار ما تم بالنسبة لرواية منيف "مدن الملح".
وقد خطت السعودية في ظل حكم الملك فيصل (1964- 1975) خطوات واسعة في فضاء السياسات الإقليمية، وقدمت أيديولوجية تتخذ من الإسلام أساسا وخيارا يعتمد عليه كبديل للقومية العربية الراديكالية التي مثلتها مصر في ذلك الوقت ، والتي استمرت تمثل تهديدا لحكم الملوك السعوديين أنفسهم. وتعرض الملك فيصل لمحاولة اغتيال كبرى لم يتم الكشف عنها عام 1969 ومع وفاة ناصر في عام 1970 تمكنت السعودية من أن تبرز باعتبارها لاعبا رئيسيا في المنطقة يتمتع بتأثير سياسي يوازي ثروتها النفطية واستطاعت أن تقدم أموالا طائلة لمنظمة التحرير الفلسطينية حديثة النشأة، كما قدمت دعما كبيرا لكافة القضايا الإسلامية الأخرى في أسيا وأفريقيا.
وانتهى الأمر بتحول السعودية ومصر إلى حليفين قريبين في ضوء إتباع مصر ذات السياسة السعودية لجهة الدوران في الفلك الأمريكي خلال السبعينات حيث أدى استبعاد السادات للمستشارين العسكريين السوفييت عام 1972 إلى دفع العلاقات بين الدولتين قدما. وفي الوقت ذاته ازدهرت الجماعات الإسلامية في كلا الدولتين، في الأولى مصر عبر التسامح من قبل الدولة وفي الثانية – السعودية - عبر التحالف مع الأسرة الحاكمة. ونالت السعودية إعجابا كبيرا بفعل استخدامها لسلاح النفط عام 1973 لمساندة الجانب العربي في الحرب المصرية السورية ضد إسرائيل وإن أضرت قليلا بالعلاقات القوية مع الولايات المتحدة. وكما كتبت مضاوي الرشيد لقد كان الجدل بشأن الصدام الذي حصل بشأن أزمة النفط والصراع العربي الإسرائيلي يخفي شراكة تم تطويرها من خلف الستار.
وفيما قبل أزمة الخليج وخلال عامي 1990 – 1991 فكرت السعودية في اللجوء إلى المساعدة الأمريكية لحماية وضعها القلق والهش. وقد اشترت المملكة بضائع أمريكية بمليارات الدولارات شملت عقود تسلح وفرت المليارات التي استخدمت في مجالات أمنية للحكومة الأمريكية ، فضلا عن استثمارات أخرى وكذا بناء ثلاث مدن عسكرية قرب الحدود مع العراق والأردن واليمن. غير أنه ورغم علاقاتها القريبة والفريدة مع الولايات المتحدة ورغم ثروتها وموقفها في العالم الإسلامي ليس للسعودية تأثير يذكر على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
أزمة ما بعد 11 سبتمبر
شهدت العلاقات الأمريكية السعودية أزمة حادة إثر وقوع هجمات 11 سبتمبر. لقد كانت في الواقع أسوأ أزمة في حياة المملكة ، المثيرة للدهشة والطويلة، في ضوء أنها تمتد إلى جانب أساسي وحيوي يتعلق ببقاء الدولة: علاقاتها النفطية المتوترة مع واشنطن. لقد تعجبت الولايات المتحدة من أن تتصرف واحدة من أفضل أصدقائها – وبدت جيدة إلى درجة أنها لم تبذل أى جهد للتأثير على السياسة الأمريكية تجاه النزاع العربي الإسرائيلي –بشكل بالغ العدائية ضدها. كان نحو 15 من الخاطفين مواطنين سعوديين، يعملون لصالح شبكة إسلامية معادية للأمريكان يرأسها سعودي آخر. ولكن الأسوأ كان في الاشتباه بأن الأموال كانت من مختلف المستويات المجتمعية السعودية التي وجدت طريقها إلى صناديق تنظيم القاعدة، ممولة خطتها لطرد الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط.
بالنسبة للدولة السعودية كان ذلك التطور ينذر بخطر احتمال تحقق السيناريو الكابوسي المتمثل في تدخل أمريكي في المنطقة الشرقية لتأمين حقول النفط – من خلال إزاحة الأسرة الحاكمة السعودية أو احتلال حقول النفط وهو السيناريو الذي تم التطرق له في واشنطن عندما حظر الملك فيصل النفط عام 1973. وطبقا لوجهة النظر هذه فإن الشيعة سيتم تحويلهم بليل من طابور خامس لإيران إلى طابور خامس للولايات المتحدة، وهو ما استتبعه تحركات استهدفت التخفيف من اضطهاد الشيعة لتفويت الفرصة على محاولة أمريكية لاستغلال قضيتهم باعتبارها قضية حقوق إنسان.
كان حدث 11 سبتمبر يؤرخ لعصر جديد من الاشتباه بالسعوديين في الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص والتشكك في أي شخص يحمل جواز السفر السعودي. وكان ذلك في الوقت ذاته يشير إلى بداية الشعور المشترك بالهوية السعودية بين مختلف السكان للمرة الأولى في تاريخ المملكة الحديث.، حيث لم يبدأ نظام التعليم السعودي يشجع الناس على الشعور بالفخر بالهوية السعودية، سوى مع بدايات السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين فيما كان يتم التعاطي مع قضايا من هذا النوع من قبل باعتبار أن الهوية تعكس الإسلام السني في دولة وهابية.
جاءت النتيجة المباشرة لهذه الأزمة بعد نحو عامين. فبعد نحو شهر من سقوط بغداد، وفي ليلة 12 مايو 2003 قام تسعة رجال قسموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة تضم ثلاثة منهم من خلال ثلاث عربات منفصلة بالدخول في ثلاث مجمعات سكنية للأجانب تسمى بأسماء مدن أندلسية هي قرطبة، أشبيلية، وغرناطة، وفجروا أنفسهم مما أدى إلى مصرع 26 شخصا ، يضمون خليطا من الأجانب والمواطنين السعوديين. وقد صدمت الهجمات السعوديين العاديين والسلطات. لقد كانت هناك هجمات من قبل راديكاليين إسلاميين في الدولة من قبل، وبشكل ملحوظ ضد القوات الأمريكية في الخبر عام 1996، ولكن لم يكن الأمر يتم على الإطلاق على هذا النطاق في العاصمة نفسها، أو حتى ضد مدنيين أو حتى بهذه الطريقة العشوائية التي تستهدف قتل سعوديين أيضا. بالنسبة للحكومة كانت الهجمات أكبر مؤشر على الحاجة إلى علاج مشكلة «الظلامية» التي تمثلها المؤسسة الوهابية الدينية، رغم توجيه بعض رموز الأسرة الحاكمة اللوم لحركة الإسلام السياسي المصرية على تثوير الوهابية خلال عقد السبعينات عندما قام عدد من رموز الإخوان المسلمين بالتدريس في السعودية. وكانت حملة القاعدة ضد العائلة الحاكمة في السعودية علامة على أزمة شرعية وهوية يواجهها البلد.
كما كشفت الهجمات في الوقت ذاته عن مخاطر ومزايا التحالف مع الولايات المتحدة، ذلك أنه إذا لم تستطع السعودية مواجهة تحدي القاعدة فإنها تواجه احتمال، التدخل الأمريكي. وإذا ما بدت الحكومة تحاربهم بقوة، فإنه بالمساعدة الأمريكية، يمكن لها أن تحصل على التأييد الأمريكي.
كان هذا هو ما حدث في الواقع فيما بعد، فشن الحرب على القاعدة أدى إلى تحسن ملحوظ في علاقات الرياض مع واشنطن، حيث لقيت مساعدة جراء الكارثة الأمريكية في العراق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط العالمية، كما كشف عن خطورة العمل العسكري المباشر مع خريطة الشرق الأوسط. وقد أبدى وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز معارضته لتكرار هذا النموذج بالتدخل الأمريكي في شؤون بلاده، فيما بدا رد فعل فوري على اعتماد البلد المكثف على قوة خارجية – غير أن مزيجا من الضغط الأمريكي والصدمة من الحرب الداخلية ضد العائلة الحاكمة السعودية عملت على تغيير ذلك، فمع حلول 2005 راحت وسائل الإعلام الأمريكية تمتدح المسئول عن الأمن السعودي محمد بن نايف (ابن الأمير نايف) وحرب الاستخبارات السعودية على القاعدة بشكل عام باعتبارها واحدة من أفضل العمليات الدولية ضد الإرهاب.
وبعد سبتمبر 2001 انفتحت السعودية على وسائل الإعلام الدولية، واتخذت خطوات تجريبية تجاه توسيع نطاق المشاركة السياسية في المملكة – كلا التحركين عززا صورة الدولة وعلاقاتها مع العالم الخارجي. وساعدا على إثناء أية أطراف خارجية عن أفكار تتعلق باتخاذ مواقف سلبية تجاه الدولة السعودية أو تقسيمها أو استبدال الأسرة الحاكمة هناك. وفيما أعلنت السلطات علنيا معارضتها للغزو الأمريكي، فإنها كانت بهدوء تسهل الحرب من القواعد الجوية التي كان يستخدمها الأمريكيون في المملكة خلال العقد الأخير.
وخلال العقد الماضي، هاجم متشددون سعوديون مثل منصور النقيدان أهدافا على نطاق صغير في حملة ضد ما وصفوه بالانهيار الأخلاقي. وكمثالي يبلغ من العمر 21 عاما، تملؤه التقوى البالغة والغضب كوهابي ورع فإن النقيدان شارك في هجوم بالقنابل على محل للفيديو في الرياض. وحسبما قال في معرض تفسير ذلك : "لقد كنا صغارا وكنا بالغي الغضب. وقد كان العلماء البارزون يساندوننا. ولذلك فإنه بعد قضاء سنة جزءاً من حكم بالسجن لمدة 16 عاما فإننا اعتذرنا للملك فهد.. إن الموقف بالغ الجدية والخطورة اليوم والاختلاف الكبير يتمثل في أن الغضب الديني يوجه ضد الدولة نفسها والأجانب. ومن السهل لشباب صغار أن ينخرطوا في مجموعات متشددة تؤمن أن الدولة تابعة لأمريكا. إنهم يعتقدون أننا يجب أن نتخلص من هذا النظام الحاكم من أجل ضرب الأمريكان".

غنى السلطة و"فقر المعارضة"رغم أن هذه الأفكار كان معتادا عليها في العالم العربي ، حيث ظهرت في مصر خلال الستينات، فإنها كانت جديدة في العربية السعودية حيث حالت التعاليم الإسلامية المتشددة في المنزل والتمويل السخي للقضايا الإسلامية الخارجية دون انقلاب الشباب الراديكالي على أسرة آل سعود. وقد ذهب المعارض السعودي المعارض محمد المسعري الذي يقيم في لندن إلى أن " الشباب السعودي الراديكالي ركزوا في النهاية على دولتهم، على الرغم من التطبيق الكاسح في الداخل للشريعة الإسلامية بشكل لا يوجد في أي من مناطق العالم الأخرى، نظرا إلى أن النظام على خلفية تحالفه مع واشنطن لا يمارس ما يدعو إليه على مستوى السياسة الخارجية. إن السبب الأساسي هو أنه لا يوجد عمل متشدد في السعودية خلال السنوات العشر الأخيرة ينطلق من أساس أيديولوجي، ويمثل القيام بقتل مسلم، تجاوزا لهذه القاعدة.
في فبراير 2006 أطلقت القاعدة أولى هجماتها المباشرة على محطة نفط رئيسية هائلة في بقيق بالمنطقة الشرقية تنتج ثلثي صادرات السعودية من النفط يوميا. بعد ذلك، أصدرت بيانا يستخدم اسم القاعدة وتم الإعلان فيه : لقد اتخذنا قرارنا بالقضاء على القوات الصليبية والطغاة، وأن نوقف سرقة ثروة المسلمين والتي سمح بها الطغاة لأسيادهم من الصليبيين وسهلوا لهم مهمتهم بهذا الخصوص". وقد أشاروا إلى أنهم تحركوا بناء على اتصال من بن لادن من خلال رسالة مسجلة قبل نحو شهور من مهاجمة المصالح النفطية في المملكة.
لقد نبعت فكرة قتال الأسرة الحاكمة في السعودية من حرب الخليج الأولى، وهو ما تشير إليه الرواية التي تحولت إلى أسطورة والتي تذكر أن بن لادن عرض الدفاع عن حقول النفط في المملكة ضد غزو عراقي محتمل بعد أن قامت قوات صدام حسين بالاستيلاء على الكويت في 1990. ولكن أفراد الأسرة الحاكمة رفضوا العرض وقدموا وعدا كاذبا بأن القوات الأمريكية لن تبقى بعض انتهاء الحرب. وقد عزز هذا الموقف فقدان بن لادن الأمل في تغيير نهج النظام حيث أكد له أن السعودية ربطت نفسها تماما بالتحالف مع الغرب على حساب قضايا العرب والمسلمين.
واتهم البيان الذي أعلنه مع أيمن الظواهري بشأن الجبهة الإسلامية العالمية من أجل الجهاد ضد اليهود والصليبيين في فبراير عام 1998 الولايات المتحدة بالبحث عن وسيلة لتدمير العراق والدول المتصدعة في المنطقة على شاكلة العراق، والسعودية ومصر والسودان وتحويلهم إلى دويلات ورقية بالغة الصغر ، وأنه عبر تفكيك هذه الدول وضعفها يتم ضمان بقاء إسرائيل واستمرار الاحتلال الوحشي الصليبي لشبه الجزيرة العربية.
لقد كانت فكرة أن "السعودية هي المقبلة" تحظى بالإنتشار في وسائل الإعلام العربية مع بدء غزو العراق في 2003. فقد أعلن بعض الدعاة بشكل واضح على تليفزيون سعودي أن السعودية هي الهدف الحقيقي من الحرب على العراق، كما أن كتاب الأعمدة ومقالات الرأي في الصحف القريبين من الدولة ذهبوا إلى أن المخاوف مبالغ فيها، مع حرصهم في الوقت نفسه على تجنب ذكر المملكة بالاسم. وقد أشارت صحيفة الوطن السعودية اليومية في إحدى افتتاحياتها إلي مخاوف من أن هذه الحرب لن تنتهي في العراق وأنها سوف تتضمن أقطارا أخرى في المنطقة طبقا لإستراتيجية أمريكية يرى هؤلاء الناس أنها تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة. نحن لا نعتقد أن هذا التحليل صحيح في ضوء أن إعادة رسم خريطة المنطقة لا يمكن أن يتم عبر الإجراءات العسكرية فقط.

السعودية ومصر هدف حقيقي في الحرب على الإرهاب
كما انتشرت تقارير مختلفة في وسائل الإعلام العربية بأن جانبا من النقاش بهذا الخصوص كان يجري داخل الدوائر الأمريكية الضيقة قبل حرب العراق عام 2003. وذكرت تقارير لمراكز أبحاث أن الهدف الحقيقي في الحرب على الإرهاب هو السعودية ومصر وأن الحكومة الأمريكية على ما يبدو سربت هذا التفكير لبعض مستشاريها السياسيين متعمدة. وأشارت مؤسسة راند في تقرير للبنتاجون خلال عرض يتعلق بهذا الجانب إلى أن : " العراق هو الهدف التكتيكي، وأن السعودية هي الهدف الاستراتيجي، وأن مصر هي الجائزة".. وكانت ندوة على الإنترنت جرت قبل ذلك بشهور قدمت محللين موالين لإسرائيل وأكاديميين مثل دانييل بايبس ولورنت موريس (محلل سابق في راند) ودانييل برومبيرج من جامعة جورجتاون، أثاروا خلالها جوانب مشابهة.
ووفق ما ذهبت إليه راغدة درغام مديرة مكتب جريدة الحياة في نيويورك في ذلك الوقت فإن القاعدة تتمنى أن ترى النظام الحاكم في المملكة قد تداعى، حتى لو أن هذا الأمر كان يعني الانهيار الكامل للمملكة وتنصيب نظام إسلامي راديكالي على جزء من الأرض. إن الفوضى هي سلاح القاعدة. إن زمرة من المتطرفين الأمريكيين والإسرائيليين يعملون أيضا على مثل هذا الانهيار، وتفكيك السعودية. وتعد السيطرة على حقول النفط الغنية في المنطقة أحد أهدافهم. ومن بين الأهداف الأخرى تقسيم المنطقة العربية بشكل عام من أجل القضاء على أي تهديد أو تحدي يواجه إسرائيل. إن القاعدة وهذه الزمرة المتطرفة الأمريكية الإسرائيلية توافق على قطع العلاقات السعودية الأمريكية حتى لو أن ذلك جاء على أرضية أسباب مختلفة".
أمريكا وحركة الإصلاح السعودية
لم تحصل حركة الإصلاح السعودية من الأمريكيين على شىء يماثل ذلك الذي حصلت عليه نظيرتها في مصر بعد غزو العراق عام 2003. كان هناك جهل تام وعلى نطاق كبير بجماعات المعارضة، على وتيرة ما كان بخصوص مصر، على مدار عقد التسعينيات. وقد أثارت أزمة الخليج الأولى، مثل الثانية، انشقاقا سلميا في المملكة. فالدعاة ذوو التأثير في المملكة، مثلما الحال في مصر، تحدوا شرعية التحالف مع الولايات المتحدة ضد العراق، على الرغم من أن علماء الدين الموالين للدولة ذهبوا إلى أن خيارات حكومتهم مبررة. وعلى خلاف مساندة الحرب من قبل أكبر سلطة شرعية دينية في المملكة ممثلة في مفتى السعودية – الراحل – الشيخ عبد العزيز بن باز، أكد العلماء الوهابيون المستقلون والمتشددون أن العدو الحقيقي هو الغرب، والذي أصبحت المملكة تعتمد عليه بشكل كبير، وليس العراق.
وفي جهد لتخفيف التوتر، أقام الملك فهد هيئة استشارية ممثلة في مجلس الشورى عام 1992 من أجل تقديم المشورة بشأن القوانين المقترحة غير أن الكثير من المواطنين جرى القبض عليهم، بما في ذلك علماء معروفون مثل سفر الحوالي، وسلمان العودة بسبب انتقاداتهم المباشرة للنظام السياسي السعودي الذي نعتوه بالفاسد والمتحالف مع الولايات المتحدة. وقد تم إطلاق سراح معظم من جرى اعتقالهم بعد عدة أعوام. بعد وعد بالكف عن مهاجمة الأسرة الحاكمة ذاتها، رغم أن أحد هؤلاء وهو سعيد بن زعير، بقي معتقلا حتى 2003 وألقي القبض عليه فيما بعد ذلك بعام بسبب تعليق له على قناة الجزيرة قدم خلاله تقييما إيجابيا لابن لادن. (ما جعل زعير بمثابة رمز للحركة الإسلامية الجديدة التي بدأت تقاتل الدولة بعد حرب العراق عام 2003، وشخصية مثار نقاش وجدل على مواقع الإنترنت الإسلامية).
وبعد حرب 2003، تحالف الليبراليون الديمقراطيون مع بعض الإسلاميين المعتدلين ما أدى إلى ظهور دعوات بإصلاح ديمقراطي، غير أن الانقسامات الحادة برزت بين المجموعة الليبرالية – الإسلامية والدعاة من أصحاب دعوات الإصلاح. وكان من بين قضايا الخلاف الأساسية طبيعة الدور الأخلاقي الذي تقوم به الشرطة السعودية" هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الاسم الرسمي والمعروفة في العامية العربية بلفظ "المطاوعة" والتي تتجول في الشوارع والمراكز التجارية من أجل التأكد من ارتداء المرأة العبايات والحجاب الشرعي، وأن الرجال المرافقين للنساء يمتون لهم بصلة قرابة ومن إغلاق المحلات خلال أوقات الصلاة، كما يتمتعون كذلك بسلطات واسعة لجهة التحري عن استعمال الخمور والمخدرات ولهم حق اعتقال الأفراد. وفيما يرى الدعاة الإصلاحيون أن تكون المؤسسة الدينية حرة في الحديث عما تراه صحيحا، يرى الليبراليون الديمقراطيون أن يتم تقييد سلطات الهيئة.
لقد كان موقف الولايات المتحدة من الموجة الثانية من الاحتجاج والانشقاق في السعودية فاترا في أفضل الأحوال، فبعد أعوام من التعامل الهادئ بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في تقاريرها السنوية، بدأت الخارجية الأمريكية تولي انتباها أكبر للموضوع في السعودية بعد 11 سبتمبر. ومع الأخذ في الاعتبار الأسباب التي جمعت الطرفين معاً في تحالف خلال المرحلة الأولى من علاقتهما – عائدات النفط –كان الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تعود الأشياء إلى طبيعتها. ولكي تواجه الضغوط مرة ثانية، نظمت السعودية انتخابات بلدية في أواخر 2004 وأوائل 2005، ولكن منعت المرأة من التصويت، ولم يتم التصويت سوى على نصف المقاعد فقط، كما أن الإسلاميين المنظمين جديا والأحرار في العمل، حظوا بالسيطرة على معظم المجالس.
كما قدمت مجموعة من العرائض لولي العهد السعودي الأمير عبد الله – الملك منذ أغسطس 2005- من قبل أكاديميين وكتاب تطالب بانتخابات برلمانية وحقوق المرأة ووضع حد للتمييز ضد الأقليات مثل الشيعة والحكم الجيد والتوزيع العادل للموارد بين أنحاء القطر الشاسع.
وقد تم القبض على ثلاثة من مقدمي العرائض ، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين ست إلى تسع سنوات في مايو عام 2005 بتهمة استثارة الناس في وقت حرج من تاريخ البلاد حيث أعداءها يكمنون لها ويبحثون عن مبررات للتدخل باسم الإصلاح في إشارة إلى الولايات المتحدة. وقد ألقي القبض عليهم في مارس 2004 بعد كتابة العرائض ونشرها على العامة. وانتقد عدد من القضاة إحدى هذه العرائض نظرا لتوجيهها اللوم لحملة القاعدة في السعودية على أساس أنها تنطلق من المدرسة الوهابية الإسلامية.
وقد تطرقت واشنطن علنا للمحاكمة وفي ذلك قالت كوندوليزا رايس في مصر وقبل زيارة لها إلى الرياض في يونيو 2004 أنه يوجد في السعودية مواطنون يتسمون بالشجاعة يطالبون بالمساءلة الحكومية. كما أن ثلاثة أفراد بشكل خاص يجري احتجازهم في الوقت الراهن بسبب عرائض قدموها للحكومة ، الأمر الذي يجب ألا يكون جريمة في أي دولة . غير أنها لم تتعرض لهذا الأمر من داخل السعودية ولا يوجد ما يشير إلى أنها تطرقت إليه مع قادة المملكة خلال لقاءاتها الخاصة معهم. وفي ذلك كتب ليبرالي سعودي مشيراً إلى إن مركزية قضايا سعر النفط أوجدت منطقا بسيطا يتمثل في احتلال النفط مركزا محوريا في الأجندة السعودية الأمريكية وهو ما ألقي بتأثيره على صعيد تراجع الديمقراطية، والحرية الدينية، واحترام حقوق الإنسان إلى المستوى الذي تصبح معه دوما بمثابة هوامش وقد اعتذر مقدمو العرائض بعد تولي الملك عبد الله العرش في أغسطس 2005.
وخشية تقدم الليبراليين، شن الدعاة الإصلاحيون حملة مضادة بمساندة وزارة الداخلية، وعلى ذلك تم إيقاف برنامج حسين شبكشي التليفزيوني الذي كان يتم بثه على قناة "العربية" التي تملكها السعودية. كما تم سحب مقالاته الأسبوعية في الصحف العربية والإنجليزية التي تصدر في السعودية، ونشر الإسلاميون شائعات بأنه زعم لوسيلة إعلام أجنبية أن الأمير عبد الله ساند رؤاه الإصلاحية. لقد كان واحدا من حوالي مائة كاتب منعت مقالاتهم بعد الحرب طبقا لمعارضين مؤيدين للديمقراطية يقيمون في واشنطن. وحسبما يقول شبكشي نفسه إنهم يلوثون سمعتك، ويشهرون بك، وهذا جهد منتظم ومنظم. إنه ليس عشوائياً فهم يستخدمون الإنترنت والهواتف الخلوية، وأوراق الإعلانات تسلم باليد خارج المساجد. يوجد عدد كبير من الدعاة طالبوا يحظر ما يكتبه كتاب ليبراليون وهم يضغطون من أجل ذلك. هؤلاء الدعاة مروعون. ولمدة طويلة كان لهم امتيازات حصرية ولكن صدموا الآن من أن القنوات الفضائية، والصحافة والإنترنت تعمل على تقديم آراء أخرى.
وعندما دعا المعارض السعودي سعد الفقيه المقيم في لندن لمظاهرات في ديسمبر 2004، ملأت الشرطة السعودية شوارع الرياض وجدة للحيلولة دون أي معارضة معلنة، وقد تم القبض على 15 شخصاً حاولوا التظاهر وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين شهرين إلى ست شهور وما يتراوح بين 100 إلى 250 جلدة. (يذكر أن الهلع السعودي بشأن التجمعات العامة الكبيرة والاحتجاج يذكر مرة أخرى بالخلافة العباسية الكبرى المضطربة أيضا) . لقد ربطت السعودية بشكل متصلب بين الفقيه وحملة القاعدة وفي ديسمبر 2004. وبعد نحو أسبوع من الاحتجاجات تم وضعه على قوائم الأمم المتحدة كأحد أعضاء القاعدة الذين يجب تجميد أرصدتهم من قبل الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، بتوصية من السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا.
وقد اتهمته وزارة الخزانة الأمريكية بعد ذلك بالانتماء إلى القاعدة منذ منتصف التسعينيات، وكذلك بإقامة علاقة مع شخص متهم بتفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. ورغم أن الفقيه لم ينكر معرفته بالشخص المذكور – خالد فواز – إلا أنه أشار إلى أن معرفته به جاءت نتيجة قيام هذا الشخص بزيارة جماعته الحقوقية "الحركة الإسلامية للإصلاح" في المملكة، والتي تتخذ من لندن مقرا لها وأنه ينحدر من نفس قبيلته.
وقد أدت سطوة الملك عبد الله في النهاية إلى إيجاد حقل سياسي جديد، حيث تبدو السعودية الآن وكأنها تمثل ظاهرة فريدة تتمثل في وجود نخبة حاكمة ليبرالية ومجتمع محافظ على مستوى القاعدة الواسعة وتحول الموقف الآن بشكل تخشى معه المؤسسة الوهابية ، بما في ذلك العلماء الذين تساندهم الدولة، والدعاة الإصلاحيون المستقلون من استحواذ الليبراليين على آذان الملك، حيث يعتقد أن مستشاريه الأساسيين ليبراليون، كما يتم النظر للحكومة باعتبارها تتآمر تدريجيا لعلمنة الدولة والحد من سلطة الدعاة من الوهابيين – أو تشجيع جيل جديد من الشباب من الدعاة المعتدلين الوهابيين، دون استثارة معارضة الوهابيين الحلفاء. وقد وضع جهاز التليفزيون الحكومي في أيدي وزير الإعلام الليبرالي إياد مدني. كما أن قناة العربية التي تملكها السعودية وتعمل على تعزيز الاعتدال سواء في العلاقات مع الغرب وفي الدين، يجري السخرية منها من قبل أنصار القاعدة أو الموالين للقاعدة بوصفها ب "العبرية".
الاتجاهات الشعبية السعودية تجاه أمريكا
لقد ساءت الاتجاهات الشعبية في السعودية تجاه الولايات المتحدة بشكل كبير بعد أحداث 11 سبتمبر، في توافق مع اتجاهات النبرة الشعبية العربية والمسلمة تجاه الولايات المتحدة في دول المنطقة. وكان المجتمع، يسوده حالة من الاشتباه، بشكل كبير، مشوبة بالامتعاض بشأن الصداقة الرسمية معهم . وعارض السعوديون العاديون حرب العراق، كما هو حال العرب على مدار المنطقة. كما نشرت الصحف السعودية صورا لمدنيين عراقيين ملطخين بالدم جراء القصف الأمريكي خلال الحرب. وعندما تم قصف سوق بغداد في 28 مارس 2003 صدرت صحيفة الرياض اليومية صفحتها الأولى بعنوان مذبحة أخرى من قبل قوات تحالف الغزاة. إن السعوديين وبشكل خاص أولئك الذين لديهم مصالح وأعمال في الولايات المتحدة وكذلك الذين أرسلوا أبناءهم إلى هناك يشعرون بالعداء تجاههم في الولايات المتحدة من كل ركن في المجتمع باستثناء البيت الأبيض.
كما ان الثلث من معتقلي القاعدة في خليج جوانتامو كانوا سعوديين . فضلا عن أن ضحايا أحداث سبتمبر رفعوا دعوى يطالبون فيها ب 100 تريليون دولار عام 2002 ضد بنوك سعودية، وجمعيات ومؤسسات خيرية إسلامية وأعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة السعودية، الأمر الذي انعكس في حركة هجرة لرؤوس الأموال في ضوء قيام السعوديين بسحب ما يقدر بنحو 500 إلى 700 مليون دولار استثمارات عبر البحار تتمركز في الولايات المتحدة، بتشجيع من الحكومة السعودية لاستثمارها في سوق الأسهم السعودية التي صعدت اعتبارا من 2002
وفي يونيو 2004 اختطف متمردوا القاعدة مواطنا أمريكيا يعيش في الرياض وقتلوه وساقوا عمله كمقاول بشركة لوكهيد مارتن لشؤون الدفاع والتي تقوم على تصنيع طائرات الأباتشي المقاتلة مبررا لذلك، وحسبما ذكرت المجموعة فإن هذه الأعمال تشفي غليل قلوب المؤمنين في فلسطين وأفغانستان والعراق وشبه الجزيرة العربية. إن هذا من أجل جعله يذوق المعاناة التي يواجهها المسلمون جراء استخدام طائرات الأباتشي وصواريخها. إن الأمريكي القتيل المتطفل كان يعمل في صيانة وتطوير أنظمة الطائرات في السعودية . وقد أطلقت المجموعة على نفسها "فرقة الفلوجة" للقاعدة في شبه الجزيرة العربية في إشارة إلى المدينة العراقية والتي كانت في طليعة وصدارة التمرد السني المسلم ضد الاحتلال الأمريكي في العراق.
ومع ذلك ما زالت السعودية تقدم صورة مربكة بشأن الحب والكراهية لأمريكا. فحتى السبعينيات كان معظم السعوديين يشعرون بالتقدير والاحترام العميق للولايات المتحدة على مساعدتهم على تحويل أرضهم الصحراوية الشاسعة والمتنوعة إلى دولة حديثة من خلال تنميتهم لحقول النفط. وكما أصبحت الدولة أكثر ثراء على مستوى الثروة وأكثر وعيا على المستوى السياسي، فقد أصبحت أكثر قدرة على التمييز وبدأت الاتجاهات تتغير. ومنذ السبعينات، أصبحت المؤسسة الدينية أكثر قوة ولم يعد الخطاب العام للإسلام السياسي منذ ذلك الوقت أقل معاداة للأمركة في السعودية عما هو عليه الوضع في أي مكان آخر في العالم العربي. وقد شجعت الحكومة بشكل جزئي هذا الأمر بعد استيلاء متعصبين وهابيين على المسجد الحرام عام 1979.
ولاحظ المحللون أن السعوديين من الجيل الذي سبق عقد الثمانينيات كان أكثر تقبلا للأمريكيين أكثر من الجيل الذي تبعه، عندما عززت المناهج المطورة كراهية الأجانب ومشاعر العداء للغرب.
وتوجد علامات أو مظاهر التأثير الثقافي الأمريكي في كل مكان. ف "أمريكانا" تهيمن حتى في مدينة مكة المقدسة، حيث سلاسل الوجبات السريعة، والمراكز التجارية والتنمية العقارية الأخرى تعكس طبيعة الحياة اليوم. ووفق ما ذكر المعماري سامي أنجاوي إن مكة والمدينة تمثلان المدينتين الأكثر ضجيجا في العالم بكل المعاني. فهما مدينتان فقدتا توازنهما، حيث تقام مبان جديدة وناطحات السحاب في مكة سوف تصبح مثل نظيرتها في نيويورك. كما أنه يوجد في مكة فندق فريد يسمى برج زمزم – ذو ارتفاع شاهق في مواجهة المسجد الحرام وتبث قناة العربية إعلانات كثيفة بشأنه حيث يوفر رؤية متميزة للكعبة قبلة المسلمين خلال الصلاة. باختصار إن تاريخ إقلاع التنمية في السعودية يعني بالنسبة للسعوديين أن الحداثة هي أمريكا وأمريكا هي الحداثة.
وقد ذكر كثيرون بأنه من المعروف أن أغنياء السعودية ، بما في ذلك أفراد من العائلة المالكة كانوا يقدمون أموال الصدقات والزكاة لابن لادن قبل 11 سبتمبر، الأمر الذي يأتي في أحد جوانبه لإراحة ضمائرهم وتكفيرا عن عيشهم وفق نمط الحياة الأمريكي، والتعليم الأمريكي لأطفالهم، والشراكة في مجال الأعمال مع الأمريكيين، والحماية الأمريكية للحكومة وهكذا. والآن فإن الكثير من السعوديين يفضلون الذهاب إلى لبنان أو حتى القاهرة، أو دمشق أو ماليزيا، بنفس القدر أكثر من الذهاب إلى الولايات المتحدة، حيث قصص الاضطراب بشأن ما يدور هناك تحتشد في العالم العربي. ويعد النمط الاستهلاكي الأمريكي هو أفضل ما يقضي فيه السعوديون وقتهم، الأمر الذي يأتي في الأهمية بعد شعائرهم الدينية التي تحتل المرتبة الأولى.
ويتعجب الكثير من السعوديين بشأن ما حدث لهم مع التحديث المفاجئ والأمركة خلال العقود الأخيرة، ويقدمون قصصا بشأن كيف أن آباءهم وأجدادهم يتذكرون كيف أن حياتهم كانت أكثر سهولة وأكثر صحية وأكثر أخلاقية فيما قبل. لقد وصل الأمر بهم إلى الشعور بالحسد تجاه أولئك الناس الذين يعيشون في المناطق الجبلية الفقيرة والبعيدة. وفي ذلك يقول سائق شاب يدعى فهد من الصحراء قرب شمال الرياض بشأن عادات الناس في الأكل أن له خمسة أخوة وأخوات. ويضيف وفي كل أسبوع نقرر أن نطلب شيئا من الخارج. إن "كودو" هو المفضل بالنسبة لي، فأنا يجب أن أكل يوميا في "كودو" ولكن في جازان وأبها يتمتع الناس هناك بصحة أفضل وهم يأكلون العسل والزبادي والبلح. بينما الناس هنا لا يأكلون من الطعام سوى الوجبات الجاهزة السريعة حتى في المنزل. إن كثيرا من الناس يقولون أن الأمور لم تعد كما كانت.

مدن على موعد مع الحداثة
تعد الرياض مدينة من مراكز التسوق مصنوعة من الأسمنت والزجاج بشكل يبعث على الرتابة، أما جدة فيوجد بها منطقة قديمة هي منطقة الإقامة الحقيقية حيث توجد المباني بين الأزقة الضيقة التي تتلوى يمينا وشمالا وغربا وشرقا بشكل تجذب معه رياح البحر. وفي إطار كل زقاق تم تشييد المنازل على شكل زوايا من أجل توفير ظلال تقلل بقدر كبير تأثيرات حرارة الصيف والشمس. كما أن الشبابيك الصندوقية مع أعمال خشبية معقدة تسمى منغور (المشربية في مصر) تسمح بشمس كافية لكي تضئ المنازل من الداخل بدون حرارة زائدة وتسمح للمرأة بأن ترى الشارع بدون أن يتم رؤيتها هي ذاتها. وقد تم إقامة أو تشييد المباني بأحجار من كتل كبيرة من أجل التبريد الطبيعي. إنه عالم متكامل تم إقامته على أعلى المستويات من حضارة عصور ما قبل الصناعة.
وخلال عدة عقود كان هذا العالم على موعد مع الحداثة. ومع ارتفاع سكانها وما يمثل جيش من ستة ملايين من الوافدين العاملين هناك، تحتاج السعودية وحدات سكنية حديثة وفيلات بالغة التأنق مزودة بأحدث تكنولوجيا التكييف، ولم يعد أحد يهتم بناء على ذلك بالاتجاه الذي يولي المبنى نفسه تجاهه، أو المواد المستخدمة في بناء أو حتى نمط وشكل الشبابيك. وحسبما يقول سامي أنجاوي: "نحن نأكل من الفريزر، نحن نعيش في الفريزر، ونكتب في الفريزر، ونركب في الفريزر" بالنسبة للعقل السعودي هذه هي أمريكا، النمط الأمريكي والفعل الأمريكي. وقد أعرب أحد الكتاب على موقع إسلامي إلكتروني عن ذلك في يونيو 2005 وراح ينعي شأن حكام بلاده في يوليو 2005 قائلا هل وضعوا حدا للرؤى الغربية بشأننا كشعب استهلاكي يبيع لهم النفط الذي لم يتعب في الحصول عليه أو إنتاجه من أجل أن يشتري أشياء أنتجت من قبل الغرب والشرق الأقصى. هل حسنوا بحق تعليمنا بشكل نستثمر ما نحن فيه من أجل أن نكون الأفضل وليس فقط الأغنى؟ هل أقاموا جيشا قويا يستطيع أن يحمي البلد ويدافع عن حدودها؟ ما استطاعوا القيام به بعد كل ذلك لا يعدو أن يكون دعاية خالصة، فالدولة لم تحقق أي شئ يمكن أن تفخر به . هذا التقييم القاسي قدم من قبل مستخدم أطلق على نفسه شخص سعودي يمكن بشكل مماثل أن يأتي من قبل ليبرالي أو إسلامي.
إن السعودية هي الهدف الرئيس للمشاهدة لقنوات التلفزة العربية التي تقدم الترفيه الأمريكي، والكثير منها مثل "ام بى سى" ، و"أوربت" و "أيه أر تي" و"روتانا" يملكها أشخاص من الأسرة الحاكمة السعودية ورجال أعمال سعوديون مقربون من النظام الملكي الحاكم. ولم يتوقف العلماء الوهابيون عن التحذير من هذه التطورات لجهة تأثيرها على العادات. وقد أدانوا الفائز السعودي ببرنامج ستار أكاديمي النسخة العربية من برنامج pop idol وكل من شاهدوه أو صوتوا له عام 2005. وأصدر نحو 63 داعية بيانا يصف البرنامج بأنه مجموعة من الشباب والفتيات في وضع مخز يقومون بإيحاءات جنسية معاً ويعرضون أنفسهم ويغنون ويرقصون. وذهب البيان إلى القول بأن أجساد النساء يتم المتاجرة بها عبر الرقص والإثارة الجنسية، والكشف عن الأجساد واستغلال المراهقين من أجل كسب ثروة من المال على حساب الشباب والفتيات الصغيرات، وهو ما يعد ضد الشريعة الإسلامية.
ولكن الشاب هشام عبد الرحمن والذي كان سنه 24 عاما في ذلك الوقت استقبل استقبال الأبطال لدى عودته إلى السعودية في أبريل 2005. وقد نشرت الصحف عن أن المعجبين به في المراكز التجارية كانوا يسعون للمس يديه أو تقبيله، داعية الشرطة الدينية إلى وضعه في طائرة إلى "سدوم وعمورية" جدة. وخلال البرنامج المذكور شاركت مجموعة من صغار الموسيقيين من مختلف أنحاء العالم العربي في منزل وتم تصويرهم على مدار 24 ساعة كيوم في إطار تنافسهم على تسجيل العقد. وكان يتم بث البرنامج الذي يحظى بنسبة كبيرة من المشاهدة في المنطقة بالتعاون بين الإل بي سي وروتانا.
وطبقا للأديبة السعودية الشابة رجاء الصانع، تتسم السعودية بحالة من الإزدواجية .. فالمجتمع يعيش مجموعة من الأمراض النفسية والنزاع بين التقاليد والحداثة هو السبب في ذلك حسبما تقول. ومن الإزدواجية الشبيهة بذلك تلك التي يمكن لمسها على مستوى السياسة الخارجية، فالسعودية تعد مصدر نحو 15 من بين ال 19 شخص الذين نفذوا الهجوم على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001 إذا لم نذكر معلمهم أسامة بن لادن. ومع ذلك فإن لديها تحالفاً وثيقاً مع الولايات المتحدة منذ الأربعينيات من القرن الماضي، ولم تفعل فيما بعد شيئا من أجل تحدي السياسة الخارجية الأمريكية والتي أصبح ينظر إليها بشكل موحد عبر العالم العربي منذ 1967 على أنها ضد المصالح العربية والإسلامية. وخلال اللغط الذي ساد بشأن الرسوم الكارتونية الدانماركية المسيئة للنبي محمد في أوائل 2005، هاجم المدونون السعوديون الحكومة السعودية بشدة متسائلين عن دوافعها بشأن إذكاء نار الأزمة من خلال سحب سفيرها من الدنمارك.
وحسبما كتب شخص أطلق على نفسه جو قائلاً:" إنني لا أتذكر مثل رد الفعل هذا عندما تم غزو أفغانستان والعراق، والأكثر أهمية من ذلك فإنني لم أر أي شئ تم فعله من أجل القضية الفلسطينية باستثناء المساندة المالية . فيما كتب آخر أطلق على نفسه "صوت العناد" أنه من الغريب أننا الآن عرفنا كيف نصبح أكثر غضبا بشأن قضية الرسوم أكثر مما فعلنا بشأن الفقر الاحتلال، الإرهاب، والإرهاب والقمع.

الرؤى العربية للعلاقات السعودية الأمريكية
" إن الشعب الفلسطيني أدرى بشعابه" عبارة مشهورة قالها ذات مرة الملك المقاتل عبد العزيز مستعيرا من خلالها مفردات آية قرآنية . وقد وسمت هذه العبارة على مدى طويل الرؤى العربية بشأن الالتزام تجاه القضية الفلسطينية. إن ابن سعود لم يكن يريد أية مشاكل بشأن تحدي النظام المفروض من قبل الغرب على مستوى المنطقة.
وبشكل مشابه كانت المملكة سعيدة بمساندة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني ولصراع قومي في ضوء أن ذلك يبقي المشكلة الفلسطينية بمنأى عنها.. المشكلة التي يمكن التعامل معها عبر المنح النقدية السخية مقابل القليل من النشاط على المستوى السياسي. كما أنها أيضا حيدت دور مصر الناصرية باعتبارها مدافعا عن القضية الفلسطينية، وقد صاغت السعودية كل تلك المواقف وفق ظروف التوتر مع الغرب والضغط الواقع عليها من الشارع. لقد كان ينظر إلى آل سعود بين منتقديهم العرب باعتبار أنهم يستخدمون عنصرين من أجل الحفاظ على بقاء المملكة: تحالف وثيق مع الولايات المتحدة، يقوم على النفط مقابل الحماية، وكذلك التحالف مع أتباع المدرسة الوهابية للإسلام السني الذين كان لهم الحرية في تطبيق رؤيتهم بشأن الإسلام التطهري والدولة الإسلامية المثالية في السعودية.
لقد ارتجلت القيادة في الدولة بشكل متواصل تمكنت معه من تجاوز الأزمات والتحديات المختلفة لهذا النظام القديم الذي يعود إلى عقود مضت وبشكل تمكنت معه من تجاوز تناقضاته الموروثة. فيما عبر علماء الدين عن عدم رضاهم عن التغريب وتأثيراته الحتمية التي تتسم بالمذاق الأمريكي للسعوديين، كما عبروا عن استيائهم من فتح القيادة مأوى للقوات الأمريكية لحماية المملكة خلال عقد التسعينيات وتسهيل الخطط العسكرية الأمريكية لضرب العراق بعد 11 سبتمبر. وأدى التحالف مع أمريكا إلى نوع من العنف السعودي المضاد قاد في النهاية إلى أحداث سبتمبر، وأدت هذه الأحداث ذاتها إلى ضغط أمريكي على الحكومة لتخفيف تحالفاتها الدينية الداخلية، بشكل يسمح بشجب العلماء الموجة الشريرة الجديدة والمتزايدة من الثقافة الكافرة، وخططها العلمانية والليبرالية من أجل الديمقراطية.
لقد قامت السعودية بجهد كبير من أجل الحد من التأثيرات المحتملة للانتقادات التي توجه للدولة عبر العالم العربي من خلال الهيمنة على وسائل الإعلام العربية. حيث تميزت فترة القومية العربية التي قادت خلالها مصر النضال ضد الاستعمار بسيطرة مصر على وسائل الإعلام العربية، فيما اتسمت فترة التوافق والتحالف مع الغرب بسطوة الصديق العربي المقرب للولايات المتحدة .. السعودية.
وعلى هذا يمكننا تفهم أن العشرات من كتاب الأعمدة ومقالات الرأي البارزين في العالم العربي الذين يظهرون بانتظام في جريدتي "الحياة" و"الشرق الأوسط" سيتجنبون توجيه انتقادات قوية إلى السياسة السعودية سواء الداخلية أو الخارجية. إن العلاقات القريبة مع الحكومة المصرية وكذلك مع الإخوان المسلمين والانتشار التدريجي للتدين المحافظ منذ الستينيات تراجعت بمستوى الانتقادات البالغة الحدة في مصر للدولة والمجتمع السعودي بشكل أصبحت معه تكاد تقتصر على صفحات صحف المعارضة، حيث بدا الليبراليون وحيدين في الساحة خلال التسعينيات يشجبون "سعودة" مصر. وعندما أمرت المحكمة العليا المصرية في 1996 بطلاق الدكتور نصر حامد أبو زيد الأستاذ بجامعة القاهرة من زوجته على خلفية كتابات بشأن القرآن تثبت أنه مرتد عن الإسلام وأنه لذلك لا يمكن له أن يتزوج مسلمة، رفض التليفزيون المصري الرسمى دعوة أبو زيد إلى مناقشة عامة مع خصومه. وفي ذلك الخصوص أكد عبد العزيز محمد محامي أبو زيد في ذلك الوقت أن الحكم ليس معزولا عما يحدث في الدولة، فالتيارات المحافظة تسود المجتمع وتنمو ولها سلطة التأثير.. إن رياح الأصولية تهب من السعودية والخليج".
لقد عمل الكثير من القضاة المصريين في السعودية خلال فترة الفورة النفطية في عقد السبعينات ووجهوا الكثير من مدخراتهم في استثمارات البنوك الإسلامية عندما بدأت تظهر لأول مرة في أواخر عقد الثمانينيات. ويعبر كتاب الكاتب الفلسطيني سعيد أبو الريش "صعود وفساد وأفول أسرة آل سعود" تعبيرا جيدا عن هذا السخط الكبير من قبل الحضريين العرب وشعورهم بشكل خاص تجاه السعودية بثروتها وأصوليتها، وعدم اكتراثها تجاه القومية العربية. لقد مثل الكتاب هجوما لاذعا على الإنفاق الطائل الذي لا مبرر له، والحكم الديكتاتوري الإقطاعي، والفساد الأخلاقي. كما أن السعودية لم تكن تغيب عن ذهن الدبلوماسي المصري تحسين بشير لدى توصيفه الشهير للأقطار العربية بأنها ليست أكثر من قبائل وأعلام، دول مصنوعة تقوم على الأسر والقبائل وينقصها أي قناعات أيديولوجية حقيقة أو تماسك يتجاوز بقاءها.
إن الابن الأعظم لهذا السخط هو أسامة بن لادن. ففي واحد من شرائطه التي تم بثها على قناة الجزيرة أو عبر المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت في أكتوبر 2004، وجه بن لادن لوما عنيفا إلى جورج بوش على عدد الناس الذين قتلوا في العراق."أكثر من 15 ألف من شعبنا قتلوا وعشرات الآلاف أصيبوا وأكثر من ألف شاب من شعبكم قتلوا وعشرات الآلاف أصيبوا، إن يد بوش ملطخة بدماء أولئك لا لشئ سوى النفط من أجل توظيف وتسيير أعمال الشركات الأمريكية".
وحينئذ، بوعي أو بدون وعى ، استخدمت عبارة شهيرة في الخطاب السياسي العربي من جانب جمال عبد الناصر: "تذكروا أن لكل فعل رد فعل". ومرة ثانية يتم توظيف واستخدام اللغة الناصرية من قبل الإسلاميين: "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" وهى عبارة صكها ناصر، وغالبا ما يتم الاستشهاد بها في الحياة العامة، في ضوء انتشارها والإلمام بها من قبل أي متعلم عربي.
لقد انتهت الأمور ببن لادن إلى التحول ضد الدولة السعودية ، الأمر الذي بدا مع عرضه على الأسرة المالكة الدفاع عن حقول النفط، وهو العرض الذي تم تقديمه في وقت كان يمثل فيه صورة البطل بالنسبة للكثير من السعوديين على خلفية دوره في القتال ضد السوفييت في أفغانستان، والذي انتهى بحلول 1989، حيث تحول ابن لادن إلى الجهاد ضد أمريكا. وإزاء النجاح الذي حققه في أفغانستان قررت مجموعة من المجاهدين العرب هناك بعد ذلك العام أن تدشن جهادها خارج تلك الدولة. لقد ساعد خبراء أمريكيون وباكستانيون في تدريب المجاهدين، وكان من بين أكثرهم بروزا الظواهري وبن لادن وعالم دين فلسطيني يدعى عبد الله عزام.
إن مساندة أمريكا للإسلاميين يجب ألا تثير أية دهشة،. لقد كانت في الحقيقة امتداد لمساندة السي أي أيه للدعم السعودي للإخوان المسلمين ضد ناصر في الخمسينيات والستينيات. لقد كان قادة الجهاد الثلاث تنتابهم حال من الرفض والسخط السياسي وبشكل خاص تجاه الولايات المتحدة . أولهم فلسطيني من دولة لم يعد ممكنا له العيش فيها، يعيش في السعودية، فيما أن الآخر إسلامي مثالي حوكم وعذب بعد اغتيال السادات. أما بن لادن الرجل الذي يملك المال، والمكانة والوسائل في السعودية، فقد انفصل عن دولته بعد اختيارها الأجانب للدفاع عنها. وقد تم سحب الجنسية منه عام 1994 عندما كان يقيم في السودان. ومستخدما الجزيرة كمنبر والتي لم يكن لديها خط تحريري يعارض بث رسائله بعد 11 سبتمبر، وخلال تبعيات غزو أفغانستان، بدا بن لادن لفترة بشكل مقنع للكثير من العرب، على غرار أسلوب البطل الشعبي، روبين هود وتشي جيفارا، يواجه الإستعمار أو الإمبريالية الغربية، حيث يتحدث في أردية المقاتل ممسكا بالكلاشينكوف من داخل كهف فيما أن بوش الأنيق يتحدث من مكتبه بالبيت الأبيض.
وفي استطلاع شامل للرأي أجرى عام 2003 ، في عدد من الأقطار العربية والإسلامية عبر 55% من الأردنيين عن ثقتهم في بن لادن، كما حاز كذلك ثقة 49% من المغاربة و 14% من اللبنانيين( وكانت الأرقام 60% عام 2005 للأردن و26% بالنسبة للمغرب، واثنان في المائة للبنانيين) . وقد أقر معظم المعلقين السعوديين والدعاة بشكل عام بوجود تعاطف كبير مع بن لادن بين العامة إلى أن شن عدد من المتشددين الذين زعموا انتماءهم إلى بن لادن هجماتهم لإسقاط النظام السعودي الحاكم من خلال استهداف المقيمين في مجمعات سكنية في الرياض مايو 2003 ينظر إليها على أنها غربية ، وهى العمليات التي أدت إلى مقتل سعوديين وعرب ومسلمين. وقد أدى الهجوم الذي وقع في فبراير عام 2006 على حقل للنفط في بقيق إلى تأثير سلبي على طبيعة نظر الرأي العام لابن لادن.
وجراء الانزعاج من تأثير "الجزيرة" وعلى وقع القلق من أن القنوات السعودية "إم بي سي" و "أوربت" لا تقدم أخبارا كافية تغوص في قلب الأحداث أقام متنفذون سعوديون قناة "العربية" في 2003 في ذات الوقت الذي كان يتم فيه غزو العراق، في وقت كانت تنتشر فيه مشاعر معادية للسعودية في المنطقة ترتبط بالمشاعر المعادية للأمريكيين في المنطقة العربية
ووسط حالة من القلق جراء شائعات انتشرت آنذاك بشأن أفكار تتعلق بتقسيم المملكة أو احتلال المنطقة الشرقية والتي جرى، مرة أخرى، إثارتها في واشنطن، أرادت السعودية أن تقدم نموذجا إعلاميا معتدلا يعكس الصداقة مع الغرب لاحتواء الصداع الناجم عن "الجزيرة". لقد كانت "الجزيرة" حرة في بث الانتقاد والتغطية الحرة للأخبار بشأن المملكة على خلفية استقلالها الأساسي في عمليتها التحريرية، في ضوء عدم وجود رغبة لدى ملاكها القطريين في إيلاء مكانة خاصة للسعودية ، وكذلك نظرا لاستقلالهم عن الضغط المالي السعودي جراء الاحتياطات القطرية الهائلة من الغاز الطبيعي، والذي يضعها متفردة خارج علاقة الاعتماد التي تسم العالم العربي تجاه الرياض. فيما أن قنوات أخرى في العالم العربي سواء كانت تدار من قبل الدولة أو تخص رجال أعمال أو أحزاب سياسية،حرصت على أن تلتزم قواعد المنطقة الحمراء بالغة الاتساع التي تمكنت السعودية من فرضها حول نفسها في الإعلام العربي.
بدأت هذه السياسة في الحقيقة، بعد حرب الخليج عام 1991، وخلال ذلك العقد، أطلق أفراد من العائلة الحاكمة السعودية ورجال أعمال قناة أوربت وإم بي سي وشبكة أيه أر تي. كما أن قناة أوربت وخدمة بي بي سي العالمية العربية أفسدتا خططا لإقامة محطة تليفزيون عربية عام 1995 تغطى أخبار المعارضين في لندن،ولهذا شكل صحفيو بي بي سي العربية ما يمثل جوهر فريق "الجزيرة" عندما تم إطلاقها فيما بعد ذلك بنحو العام.
فحيثما يوجد انتقاد، يفعل التأثير السعودي فعله. ففي يونيو 2003، قطعت السلطات اللبنانية الإرسال الدولي على "إن تي في"، والتي يملكها رجل الأعمال تحسين خياط من أجل وقف البرنامج الذي كان يجري الإعداد له بشأن تأثير غزو العراق على السياسات الداخلية في السعودية. وقد استأنفت ال إن تي في بثها بعد ذلك بأيام بعد أن وافقت على عدم بث البرنامج. حدث ذلك عندما كان رفيق الحريري والذي كون ثروته في السعودية، وحصل على جنسيتها وحافظ على علاقات قريبة مع الأسرة الحاكمة، رئيسا للوزراء في لبنان. وعندما تم سجن طبيب مصري في السعودية عام 1994 بسبب شكواه إلى السلطات بأن ابنه تم اغتصابه من قبل مدرس سعودي، تجنبت معظم الصحف المصرية القصة خشية إهانة المملكة . كما أن السعوديين الذين يظهرون على الجزيرة ينتقدون المملكة يواجهون خطر التعرض للعقاب. لقد تم منع معارض سعودي بارز من مغادرة الدولة عام 2002 بعد أن انتقد موقف السعودية تجاه الأزمة العراقية خلال ظهور له على القناة.
وفي عام 2002 استدعت السعودية سفيرها في الدوحة، وكانت واحدة من كثير من الدول العربية قامت بهذا العمل، في مرحلة محددة منذ أن بدأت الجزيرة بثها عام 1996. ولا تقوم الشركات السعودية بالإعلان عبر قناة "الجزيرة" بسبب ما تراه السلطات هناك من أنها معادية للسعودية – ما يشكل خسارة كبيرة في ضوء أن عدد السكان السعوديين يقدر بنحو 24 مليون نسمة فضلا عن ارتفاع معدل دخل الفرد ( أكثر من 14 ألف دولار عام 2005 وزيادة ارتفاع أسعار البترول العالمية). لقد جعلها ذلك السوق الواقعي لمعظم قنوات التليفزيون التي تبحث عن إشباع رغبات الجماهير العربية، والأكثر أهمية من مصر بسكانها الذين يتجاوزون 70 مليون نسمة. وقد حكم على الداعية سعيد بن زغير بالسجن لمدة خمس سنوات عام 2004 بعد حديثه في برنامج على "الجزيرة" يناقش عرض بن لادن هدنة مع الدول الأوروبية.
وعندما حكمت السعودية بالسجن على ثلاثة مصلحين لم تكن هناك مناقشة خاصة في العمق بشأن حالتهم على قناة "العربية" أو "إم بي سي" أو القنوات السعودية الأخرى، ولكن هذا الأمر تم مناقشته على قناة "الجزيرة". كما أن انتقادات الكاتب القومي الكبير الصحفي محمد حسنين هيكل ورؤاه التي يحاول من خلالها تسليط الضوء على التاريخ العربي منذ الحرب العالمية الثانية – تمثل إرباكا مستمرا للنظام السعودي. وفيما تبث "الجزيرة" مثل هذا البرنامج الذي يسمى مع هيكل، فإن قناة "العربية" لا تجرؤ على ذلك.
لقد أولت السعودية، على شاكلة الكويت، ثقة أكبر في أصدقائها الأمريكيين أكثر من أي دولة أو حاكم عربي آخر. لقد كانت تخشى خطط السياسات العربية الحضرية من دولة مثل مصر على نفطها، فما زالت الذاكرة السعودية تختزن كيف أن حاكم مصر محمد علي وضع نهاية دموية للدولة السعودية الأولى عام 1818. كما خشيت الدولة السقوط في أيدي مصر مرة ثانية عندما كان ناصر في الحكم، ناصر الذي كان من بين شعاراته شعار" نفط العرب للعرب". وبدءا من العدوان الثلاثي في 1956 إثر شن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانا عسكريا من أجل استعادة قناة السويس، انغمست القوى الغربية في مشاريع عدة من أجل إسقاط حكم ناصر بسبب دعمه للاستقلال ومعارضة الأنظمة والحكام التي كان يراها خاضعة للغرب ضد رغبات شعوبها.

قيود
وإزاء الدور الذي لعبه النفط في ازدهار الدولة خلال السبعينيات فإن الخوف من حسد الجيران العرب استمر في وضع قيود على رغبات السعودية الانخراط في أي تحالف سياسي ذي معنى مع العرب الذين كان لديهم توجهات أكثر ثورية بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد ساندت المملكة الولايات المتحدة في جهودها من أجل التيقن من عدم امتلاك إيران القدرة على إنتاج السلاح النووي رغم المشاعر العامة الإيجابية بين العرب في المنطقة. وربما كانت باتخاذها هذا الموقف تريد إضعاف حركة حزب الله الشيعية اللبنانية.
وقد ذكر رسميون بشكل واضح أنهم يعتبرون إيران لا إسرائيل تهديدا للمنطقة ، وأعربوا عن أملهم وثقتهم في أن الصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن ينتهي بشكل مرض عبر المفاوضات. ومن بين الأفكار الممقوتة على مستوى الدولة السعودية الوهابية أن يصبح الشيعة في الإسلام في طليعة المقاومة العربية للغرب، وفي ذلك فإن الكثير من العلماء السعوديين واجهوا شعورا بالتمزق خلال القتال بين حزب الله وإسرائيل في 2006 بشأن أي الطرفين إسرائيل أم حزب الله يحظى بالكراهية الأكبر. وانعكس ذلك في العمل على الإيحاء للمسلمين بتصور أنه من المؤكد أن إيران تحرك حزب الله، من أجل أسبابها الخاصة. إن مثل هذه الاتجاهات كانت مؤلمة وتصل حد الإهانة بالنسبة للإسلاميين والقوميين العرب.
ومع أن السعودية تعد مركز العالم الإسلامي ومحل ميلاد الإسلام ومقر الحرمين الشريفين، ولديها أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكبر سوق مالي، فضلا عن كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، بنسبة 25% من إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد، فإنها لم تقدم غير المال. إن المساعدات السعودية للفلسطينيين منذ عام 1970 وحتى عام 2005 تقدر بنحو 20.83 مليار ريال أو 5.55 مليار دولار ومنذ عام 2000 قدمت ما يتراوح بين 500 و 550 مليون دولار سنويا ما يجعل من السعودية أكبر دولة مانحة. وفي المتوسط تقدم السعودية ما يتراوح بين مليار ومليار ونصف المليار دولار سنويا للأقطار المسلمة حول العالم . وقد أدت المساعدة التي تقدمها السعودية للفلسطينيين، مع ذلك ، إلى جعلها عدواً بشكل خاص للجناح اليميني الإسرائيلي وهدفاً لجماعات اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة.
هذا الاختلاف الأساسي في التوجه يفسر العلاقات السعودية السيئة ليس فقط مع ناصر بل مع معمر القذافي أيضا، وحافظ الأسد، وصدام حسين. ففيما قبلت معظم الحكومات العربية قرار إدارة بوش بإعلان الحرب على العراق، في 2003، سادت الشبهات على نطاق كبير بأن الولايات المتحدة تستغل حكام السعودية بشكل سري وهستيري باعتبارهم رأس الحربة في مواجهة صدام حسين كعدو ثوري وأيديولوجي (صدام العلماني القومي البعثي في مواجهة السعودية الإسلامية الوهابية).

أكبر عملية نهب في التاريخ
كتب صحفي مصري منتقدا المملكة بشدة متحدثا عن أكبر عملية نهب في التاريخ حدثت في الصحارى العربية حيث نفط الخليج .. هذه الدويلات، الإمارات والممالك تعاني من أزمة تنمية بسبب مواردها التي أصبحت تستهدف تحقيق تنمية الولايات المتحدة من ناحية، ومحاربة وهم يدعى صدام من ناحية أخرى . وقد كتب عن ذلك الروائي عبد الرحمن منيف بشكل دقيق أكثر عمقا قائلا : "إن النفط الذي وجد صدفة في بعض أجزاء المنطقة العربية كان سببا في أن تتعامل الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى مع المنطقة على أساس وجود هذه المادة فتحدد الطبيعة الجغرافية والسياسية للدول التي أقامتها وتحدد أيضا طبيعة الأنظمة التي يجب أن تحكمها ونوعية العلاقات فيما بينها أو بينها وبين الآخرين... وهكذا أصبح النفط أداة للتخريب والتناحر وإلى سبب في استعباد الشعوب وإخضاعها وإلحاقها وربما أيضا قطع الطريق على إمكانيات تطورها في المستقبل.
لقد أصبحت السعودية لاعبا قويا في السياسات العربية والإسلامية، ولكن تأثيرها أصبح معتدلا وسلاميا، وهو ما يعني في السياقات السياسية الغربية، أو وفق الشروط السياسية الغربية أنها تكيفت مع التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط. وحسب زعيم إقليمي، فإن السعودية على مدى الجيل الأخير استمرت ليس من النقطة التي توقف عندها ناصر، ولكن من تقليد حلف بغداد الذي كانت تتزعمه الأسرة الهاشمية العراقية. وقد وصلت معظم الدول العربية إلى مرحلة التصديق بأنه طريق بالغ الحصافة. فالسعودية كانت دائما هناك، فيما أن مصر التحقت بها بعد فترة غير طويلة.
وقد أشار رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري السعيد الذي اغتيل بوحشية في 1958 بسبب سياساته الموالية للغرب، إلى ما اعتبره حمق المقاومة في تعليقاته على ناصر مشيراً إلى أنه فشل في فهم أن الغرب لن يمنح العرب رفاهية الحياد، وأن هذه المنطقة بالغة الحيوية أيضا بشكل لن يسمح بهذا النوع من الحماقة . لقد فشل في فهم أن الشرق الأوسط يرتبط بعلاقات معقدة مع الغرب اقتصاديا – حيث لا يوجد سوق أخر أكبر للنفط العربي، على سبيل المثال. وعلى الرغم من خلفيته كجندي تجاهل ناصر الحقيقة العسكرية بشأن عدم قدرة روسيا على الدفاع عن العرب إذا ما دخلوا في عداوة مع الغرب.
وبعد 11 سبتمبر شعر الأمريكيون، بشكل غير مثير للدهشة، بالخيانة جراء صداقتهم مع المملكة السعودية، فهم لم يدركوا كيف أن القيادة السعودية غير الأمينة فشلت في استخدام نفوذها وعلاقاتها الودية مع البيت الأبيض من أجل تحد عادل ومفتوح للسياسة الخارجية الأمريكية، سواء علنا أو على المستوى الخاص. وبدلا من ذلك اختار النظام أن يكون صديق أمريكا وأخفي حقيقة أن شعبه يغلي. لقد كانت تلك فجوة تقليدية بين المحكومين والحاكم أصابت المنطقة العربية خلال معظم فترات ما بعد تصفية الاستعمار. القادة الموالين للولايات المتحدة ، الرأي العام المعادي للولايات المتحدة ، لأسباب تتعلق بنقص الشجاعة لدى قادتهم الذين يشعرون بالخذلان والتكبر والعجز عن التفسير.
--------------------------------------
*هذه المادة فصل كامل من كتاب للكاتب أندرو هاموند بعنوان كيف ينظر العرب لامريكا صدرت الترجمة العربية له مؤخرا عن مركز دراسات الإسلام والغرب بالقاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.