تنوعت و تباينت ردود أفعال مرتادي حدائق الرأي على شبكات التواصل الاجتماعي عن عودة باسم يوسف وبرنامجه الشهير ( البرنامج ) . فرأي البعض أن باسم عاد بقوة ,ليثبت أنه صامد على طريق الدفاع عن ثورة 25 يناير و مناهض للاستبداد في كل أشكاله،سواء كان تحت غطاء ديني، أو ذلك العسكرى الأمني الذي يلتحف الوطنية و الدفاع عنالوطن ضد المخربين و العملاء,غطاءا له. و آخرون يروى أن باسم يوسف تجاوز الحدود ، وتطاول على الجيش و رمزه المتمثل في الفريق السيسي. هذا التباين يوضح أن المجتمع المصري، ( لواعتبرنا أن شبكات التواصل عينة معبرة عنه )، مازال يشهد هذا الصراع الفكري المحتدم، حول أن العالم لا يقدم للبصيرة سوى لونين لا ثالث لهم . هما الأسود والأبيض . و أن تنوع الرؤية لألوان قوس قزح الذي حبا المولى عز وجل به الجنس البشري عن جميع مخلوقاته ( الكثير من الكائنات الأخرى لا تميز ألوان الطيف السبعة )، ينحصرفقط في البصر، أما البصيرة فهي مناوية التوجه ؛ تنحصر فيما بين: الاسود و الأبيض ،الخير و الشر، العسكر و الحرمية ، الأخوان أو تسلم الأيادي. يمنع أصحاب عمي الألوان من امتهان مهن كثيرة ، و بالذات هذا النوع الأحادي الذي لايرى أي لون أمامه سوى الأبيض أو الأسود، حيث لا يسمح لأصحاب هذا العيب البصري الحصول على رخصة قيادة للسيارات، فهم لا يستطيعون قيادة السيارة، لما يمثله عدم تميزهم لإشارات المرور و ألوانها من خطر شديد على أرواحهم و أرواح الأخريين.أما عمى البصيرة لتعدد الأطياف و الرؤى و الأفكار في المجتمع، فلا رقيب عليهم في القيادة، و نسج الأفكار لصالح المجتمع أجمع، و الترويج لأفكار أصحابه على أنهاصحيحة، و دونها العدم. لذا فأنك تجدهم في كل مكان, و في كل تيار سياسي وفكري. يقبع على قمة هذه الفصائل من اصحاب الرؤى ا لوحدوية الاتجاه، المنوية التفكير، بلا منازع، مؤيدي التيارات الدينة المسيسة؛ هؤلاء الفئة من البشر،ممن يخلقون مجتمعات بديلة مبنية على الخلاص الديني كوسيلة للوصول للسعادة، سواء كانت تلك السعادة أرضية أو سماوية، و هذا أمر طبيعي لأنهم هم، وهم فقط من يملكون مفاتيح الولوج من خلال بابين لا ثالث لهم … الجنة والنار. يشاركهم في هذا التصور عن العالم الكثيرين من اصحاب الرؤى المختلفة، منهممن هو يساري النزعة الذي يرى أن العالم مقسم لنوعين …. الشعب و أعداء الشعب، فكل من هو في صفهم يكون في صف الشعب، أما المختلف عن توجهاتهم فهو من أعداء الشعب.لذافقد أعتاد في فترة زمنية معينة ترديد تهمة ( كاره و معادي للاشتراكية أو للشيوعية)، كان يطلقها البعض أبان مجد دول المعسكر الاشتراكي على المخالفين في التوجهات والرؤى مع النظم التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتي السابق، بنفس مستوى تهمة (معادي للسامية ) التي تستعملها الدولة العبرية اليوم ضد منتقديها، و بالطبع في أوساط غربية معينة كانت على مستوى تهمة كافر و مؤمن التي تستخدمها الكثير من التيارات الدينية المختلفة في العالم. بالطبع يدخل الفكر النازي و الفاشي و العنصري تحت نطاق هذا التقسيم المانوي للعالم، و لكنبالطبع على أساس عنصري ( أري و سامي )، (أبيض و أسود )، ( يهودي و أغيار)، بل أن الليبرالية الجديدة نفسها، لها ثنائية بين الحرية كل الحرية في كافة المجالات ،دون أي تدخل من كيان الدولة الوطنية، و دون ذلك تكون من أنصار الاستبداد و الرؤىالعاف عليها الزمن، حتى أنها نطفي على أفكارها تعبير ( الصحيح سياسيا )، و بالطبع ما دونها مجازا غير صحيح أو غير صالح … الخ. هذه الرؤى الثنائية التحديد، هي الرؤىالسائدة في المجتمعات التي لم تشهد القدر الكافي من التطور، بل و تعاني المجتمعاتالمتطورة في زمن الأزمات ( يمين أوربا المتطرف خير مثال ) من نفس المشكلة. ومن يحاول الخروج من تلك الثنائيات العمياء لفضاء الوان الطيف، يصنف تصنيفات توصم صاحبها بالخيانة، و تحكم عاليه بالاقصاء.فهذه أبيض ( محب للزنوج )، و يهودي ( معادي لليهود )، ( و شيوعي منحرف )، و مسلمين بالاسم فقط ( تصنيف محبب لسيد قطب ). لذا فأن ردود افعال الكثيرين على برنامج باسم يوسف جاءت في اتجاه، أنه طابور خامس ، و من ( النشتاء )، و ربيب جون ستيورت الأمريكي، و قد عاد ليكمل ما فشل فيه البرادعي. كان الفكر الثنائي التوجه هو الفكرالوحيد المسيطر على الواقع المصري بل العربي، قبل 25 يناير ، فأنت أن كنت ترفض مايفعله الأمريكان بالعراق فأنت مع صدام ، و أن كنت ضد بعض تصرفات حماس فهذا لأنك خائن وعميل صهيوني … ألخ . لكن تيار الرؤية الواسعة و البصيرة المتسع لكل ألوان الطيفبدأ يقوى و ينمو من بعد صدمات مؤامرات ما بعد 25 يناير، صحيح أنه مازال في المهد،و لكنه خرج للنور من بعد أن كان مقتولا في المهد و محصورا على بعض النخب التى تبوح به فى منتديات و مجالس من يشابهونهم، فلا يسمعهم أحدا، و كأنهم من يغني لنفسه في الحمام. فصبرا فنحن في تحول، و التحول صعب و مكلف و ليس بدون ضحايا، و لكن يعزينا أن ليس هناك من يتحكم في آلياته، فالجديد يخرج من القديم في مخاض عسير و مدمي . أما بالنسبة لباسم يوسف ذات نفسه، فهو ( فنان )، أيا كان رأيك في نوع الفن الذي يقدمه، لذا هو ليس مطالبا بتقديم حلول، و لا بتحليل عميق للموقف يتعدى إبرازنقاط التناقض الذي تبع منها السخرية ( لب برنامجه ). بل أنه قد يخطئ في تقييم الموقف، أو تقدير الواقع. هذا امر عادي و يشمل الكثيرون من اصحاب مهنته و من غيرها، ليضم في جعبته المحللين و السياسيين و الخبراء. لكن ذنب باسم الأكبر أنه جماهيري و مؤثر ، فلما لم يلتفت أحد لزميل له سب بأقذع الألفاظ المرحلة السابقة و نعتها (بالوساخة), بل سب القائمين عليها بنفس الصفة هم و والديهم ؟ ذلك لأنه يذيع برنامجه على قناة مشفرة, كما يعلم القاصي و الداني توجهاته و الشواطئ التي طالما أعتاد الإرساء عليها. لكن الضجة حول باسم تنبع من مدى تأثيره و جماهيريته، فجاء رد فعل فريق ( تسلم الأيادي – و كمل جميلك) شديد القسوة. باسم يوسف يخشى الاستبداد تحت دعاوى الوطنية ، يخشى طمس مطالب ثورة 25 تحت شعار( لا صوت لا يعلو فوق صوت المعركة)، يخشى حكم عسكري، أو حكم يديره العسكر من خلف الستار، لإعادة إنتاج النظام الأمني السابق لكن بشروط جديدة. لكنه لا يلتفت كثيرا للظروف التي أوصلت الشعب المصري الذي قام بثورة أبهرت العالم للعودة من جديد لحضن القوات المسلحة, التي ارتكبت أخطاء شنيعة في المرحلة الانتقالية، لم يرتكبها الجيش المصري منذ إنشاءه في عصر محمد على. أهمل باسم يوسف وقوع مصر في أيدي تنظيم دولي يمول و يتحالف ضد الوطن و الوطنية, بمفهومها الذي عرفته مصر منذ الدولة الحديثة، تنظيم دولي يرى أن سيادته لحكم هذه الدولة يقوم على تفتيت الدولة نفسها ، و هدم مؤسساتها و تحويلها لمجموعة دويلات لا سلطة مركزية على أرضيها … أفغانستان طالبان جديدة أو صومال جديدة مع تنظيمات ( محمد فرج عيديد و حتى عصر سيادة الشباب )، و هذا مستوى من الأضراربالوطن لا تحسمه مظاهرات محمد محمود، و لا مسيرات التحرير… فمواجهة السلاح لاتكون إلا بالسلاح . ومن منا يملك غير ( سلمية سلمية ). و عندما تكشف لنا حجم التفريط الذي كان مزمعا تنفيذه في تراب هذا الوطن ، من حلايب و شلاتين، و محورالقناة، و أنشاء ملحق لغزة في سينا، بل و سد النهضة، فهل كان يمكن لنا مواجهة هذاكله باعتصام في التحرير؟ كان كل هذا سيتم و يصبح أمرا واقعا, و مازالت الخيام منصوبة تعد كل يوم ضحاياها من الساقطين تحت ضربات مجهولين, أو تحت رصاصات الأجهزة الأمنيةالتي كانت ستتعامل مع معتصمي التحرير كتعاملها مع المعترضين في بور سعيد ، أو كما كان التعامل مع جيكا أو كريستي أو محمد الجندي، أو في احسن الأحوال كما كان الأمرمع ( حمادة الاتحادية). بالطبع لم يكن الأمر سيمر بسلام، لكن البديل كان سيكون انشقاقات، و جيش مصر الحر، و أحرار باب الشعرية، في مواجهة جيش الإسلام و تنظيم باب المقدس و أنصار الشريعة، و هو ما كان في حد ذاته المطلوب تحقيقه ، لتظهرللوجود أمارة جيوش الإسلام في سينا و مدن القناة، و بقية المصريين في وادي النيل .كل هذا لم يكن يمكن مقاومته بمظاهرة و لا باعتصام، لتعود إلي المحافل الدولية من جديد ما كان يعرف ( بالمسألة المصرية )، و لكن هذه المرة يكون طرفي الصراع فيها مصريين، و ليس المستعمر الإنجليزي و شعب مصر. الأمور أكبر من صراع مع تجار الدين كما يصورها باسم يوسف ، فتجار الدين هؤلاء بخيانتهم هم من نقلوا مستوى الصراع إلي مستوى جديد ، مستوى تخطى حشد الجموع ,تكون فيه البندقية هي المتحدث الرسمي. و عندما يكون الصراع الكلمة العليا فيه للبندقية، يتوارى أصحاب الكلمات و الحناجر. كيف يمكن أن نمحو الرغبة المتزيدة في العنف ضد المتأسلمين، من داخل غالبية نفوس المصريين, وهم أنفسهم( المتأسلمين ) لم يدينوا العنف، بل على العكس يزداد كل يوم شبقهم للدماء، لتتخطى دماء قوات الأمن, ولتشمل دماء المصريين المدنين أنفسهم,لمجرد كرهم لهذا التنظيم ورجالاته. بالطبع باسم يوسف أشار فيما أشار إلي خطاب الرئيس مرسي الذي يري من خلاله أنه من الطبيعي أن نضحي بدماء البعض، من أجل أن يحيا الآخرون في سلام ، كتجسيد واضح لفكر التيار القطبي المسيطر على الجماعة. لكنالأمر في الشارع مختلف، فالشارع لا يستهجن تطرف الخطاب، ولا يستهجن فكره المنحرففقط كما يفعل باسم يوسف، بل يحيا فعليا في ويلات هذا الفكر كل يوم, مع ضحايامظاهرات يوم الجمعة، و قتلى سيناء، و بالتالي الأمر تخطى مجرد فقرة في برنامج البرنامج.أما الكلام على الجيش في السياسة ، أو الجيش في الحكم، فأن الأمر تخطى محاولات المجلس العسكري الفاشلة في الفترة الانتقالية، أو على الأقل بنفس الطريقة، و هذاقد تم بفضل شهداء النضال ضد مجلس طنطاوي ( بما فيها جهود الأخوان و جيوش أولاد ابوإسماعيل التي كان يتم تحريكها من وراء الستار)، وبفضل تلاحهم قوى الثورة خلف محمدمرسي ضد مرشح النظام القديم، قبل أن يتم خداعهم. وبالتالي أن كنا نريد أن يتراجع الجيش في التأثير في السياسة علينا أن نوجد تحالفا قويا يستطيع تنفيذ هذا على أرضالواقع ، بلا خونة يحاولون سرقة الثورة لصالحهم ، فيشقوا الصف ، فلو كان الأخوان قد نجحوا في أخلاء ميدان التحرير من المحتجين لكان عمر سليمان رئيسا للجمهورية يحكم معهم إلي أن تقام مذبحة القلعة فيما بينهما، و لكنهم عندما فشلوا في ذلك ,أدعوا الثورية فقام الجيش بخلع مبارك، فقد كنا نحتاج الجيش ليجبر مبارك على الرحيل، ونحتاج الجيش ليجبر مرسي على الرحيل و نحتاج الجيش ليحارب عنف الأخوان ، وبعد هذا نطالب بتقليص دور الجيش ؟ فلتكن للجماهير القدرة على ذلك و ستحققه بالرغم كل الأيادي التي سلمت و ستسلم. المستقبل ليس مظلما تماما فنحن لسنا أمام حركة يوليو، أو بينوشيه في شيلي و لا فرانكو في أسبانيا، و لا سالازار في البرتغال، نحن أمام جيش يحتاج ‘لي الجماهير المحتشدة ليتحرك ( في الطريق الصحيح أو عكسه هذه أمر يوضح لاحقا )، و لكنه لا يستطيع الحركة بدون جماهير في الميادين، فعندما تكون الجماهيرقوى ضغط من جديد ، دون خيانة، و لا بيع أوطان ، و لا انقسامات, سنستطيع وقتها أننتكلم عن الطريق الصحيح . و حتى ذلك الوقت فليتكلم باسم يوسف كما يشاء ، و لتتفتح مائة زهرة, و ليسقط الإرهاب أيا كان مصدره.