جماعة الإخوان المسلمين هي كبري الحركات الإسلامية المعاصرة, وأقدمها نشأة, وأحكمها تنظيما. بعد اندلاع ثورة25 يناير, وتولي أحد أبنائها مقاليد الأمور, وزمام السلطة. واعتلائه سدة الحكم, كانت الجماعة بالنسبة لكثيرين- عدا الكارهين لها, والمختلفين معها, والحاقدين عليها, والمتربصين بها- هي معقد الرجاء, وشعاع الأمل, وبصيص النور, في إقالة مصر من عثرتها, وإنهاضها من كبوتها, وملئها عدلا وقسطا, بعد أن ملئت جورا وظلما. ولكن جرت المقادير علي غير ما تمني الكثيرون, وأسرع مما ظن البعض, وجرت في النهر مياه كثيرة, وتلاحقت في السماء غيوم وراء سحب, تغشي الأبصار, وتخنق الصدور, وتحبط الأمل في نفوس كانت تتوق إلي صفو أجواء من بعد طول أنواء وعواصف. تجربة الحكم غيرت كثيرا من تلك النظرة لجماعة الإخوان المسلمين, فنالها ما نالها من سهام النقد والتجريح, وطالها ما طالها من اتهامات لا عد لها ولا حصر. من أجل ذلك, كان هذا الحوار مع د. محمود حسين, أمين عام جماعة الإخوان المسلمين, لكي تستبين الأمور, وتتضح الرؤية, وتنجلي الحقيقة. بداية, ما حقيقة ما حدث أمام مكتب الإرشاد؟ ما أعلمه أن هناك عددا من المحتجين جاءوا وحاولوا أن يعتدوا علي المبني, وكتبوا بعض الجمل غير اللائقة, والرسومات المسيئة, وبدأوا في السباب, مما أثار حفيظة الإخوة الموجودين, فحدث نوع من الاحتكاك. يجب أن يكون هناك أدب في الاختلاف. أما التجاوز, فهو مرفوض. بعد الثورة, تواري العمل الدعوي والتربوي عند الإخوان, وطغي العمل السياسي, الأمر الذي كان له تأثير بالغ في شعبية الجماعة.. ما مدي صحة هذا الكلام؟ هذا الكلام غير صحيح, لكن طبيعة العمل السياسي أن الإعلام يركز عليه, ويعطيه اهتماما أكبر, لكن اهتمام وأداء الجماعة بالعمل الدعوي والتربوي لا يزال يحتل أولوية في قائمة أعمالها. أما شعبية الجماعة, فليس هناك رصد دقيق علي مستوي كل القوي السياسية بمدي شعبية كل منها, وكلها انطباعات, وليست دراسات دقيقة. -لماذا وصلت مصر إلي حالة الاستقطاب الحاد بين القوي السياسية والأزمات والغضب في الشارع المصري, حتي إن أسهم الثورة قد تراجعت في أفئدة المصريين بسبب هذه الصراعات؟ أنا أعتقد أن بعض القوي السياسية انشغلت بالوجود الإعلامي دون الوجود الحقيقي في الشارع, بالإضافة لحركة الثورة المضادة, والحريصة علي تشويه صورة الثورة. - كيف تري قرار جبهة الإنقاذ بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة؟ من حق أي قوة أن تتخذ القرار الذي تراه مناسبا, ولكن في ظل انتخابات حرة ونزيهة, فالتنافس الحقيقي هو التنافس عبر الصندوق. وإذا كان هناك من يظن أنه يمثل قطاعا عريضا من الشارع, فليثبت ذلك عبر الصندوق. وهل هناك معارضة في العالم ترفض الحوار علي طول الخط؟ العمل السياسي ليس فيه رفض الحوار, لأن من طبيعة العمل السياسي اختلاف الرؤي, واعتماد الحوار لإقناع الآخر بهذه الرؤي. فلا بد أن يكون هناك تباين في الرؤي بين الاتجاهات السياسية المختلفة, وبالتالي فإن صاحب الرؤية السياسية ليست لديه بضاعة إلا أن يحاور ويعرض هذه الرؤي التي يحملها, إما أن يقنع بها الآخرين, وإما أن يقتنع بها الآخرون فيتبناها. ما هي رؤية الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد؟ أنا أري أنه للخروج من الأزمة السياسية الحالية أن يتم بناء المؤسسات السياسية بشكل ديمقراطي نزيه يعبر عن إرادة الشعب, وبالتالي كنا نقول منذ البداية إن الحل الوحيد من الناحية السياسية أن يكون هناك مجلس نواب يعبر عن الشعب المصري, ومجلس شوري, ودستور, ورئاسة منتخبة من الشعب المصري, ثم تتشكل حكومة معبرة عن البرلمان, وعن الأغلبية البرلمانية, أي يجب أن يتم بناء مؤسسات الدولة, ليصبح منوطا بها إصلاح ما فسد, سواء من الناحية السياسية, أو الاقتصادية, أو الاجتماعية. وعلي خبراء الاقتصاد من كل الأحزاب والتيارات السياسية أن يقدموا حلولا. ألا تخشي جماعة الإخوان المسلمين من أن يكون البرلمان القادم كله من فصيل سياسي واحد, فصيل الإسلام السياسي, الأمر الذي يستدعي إلي الذاكرة برلمان2010 الذي كان كله من تيار واحد, مما كان سببا في اندلاع الثورة؟ يستحيل بعد الثورة أن يستحوذ فصيل واحد علي البرلمان, ما دامت الانتخابات حرة. أما التشبيه بحالة الحزب الوطني, فهذا لا محل له, ذلك أنه استحوذ علي برلمان2010 بتزوير الانتخابات. وأنا ضد أن يقال ما هو اتجاه البرلمان, لأنه لا أحد فوق إرادة الشعب. لكن إذا كان الشعب المصري يرفض بمجمله التيارات الليبرالية, والعلمانية, واليسارية, والقومية- وإن كان هذا غير صحيح- فهذا معناه أن هذه التيارات لم تستطع أن تقنع الشعب ببرامجها الحقيقية, وإنما انشغلت بأمور لا تمس مصالح الشعب, وقاطعت الانتخابات. وأنا لا أظن أنها ستقاطع, وأعتقد أن كثيرا من هذه التيارات ستشارك في العملية الانتخابية. ما رأيك فيما يثار من أقاويل حول أخونة الدولة؟ هذا المصطلح يراد به تخويف المجتمع بالسياسة نفسها التي كان يقوم بها النظام السابق, وحقيقة المصطلح تحويل مؤسسة من مؤسسات الدولة لكي يكون القائمون عليها من الإخوان, وهذا غير موجود, بل يستحيل تحققه, فضلا عن أنه ليس هدفا لا للإخوان, ولا لأي فصيل, بل لا تزال مؤسسات الدولة علي رأسها نفس من كانوا خلال النظام السابق. ما سبب تراجع طلاب الإخوان في انتخابات اتحادات الطلبة في الجامعات المصرية؟ هذا الأمر غير حقيقي, فطلاب الإخوان حصلوا علي نحو نصف الاتحادات, وهم لم يترشحوا إلا علي نصف المقاعد, وليس كل المقاعد. -تتهم القوي السياسية المدنية جماعة الإخوان المسلمين بالتدخل في عمل الرئيس مرسي.. ما مدي صحة هذا الكلام؟ مؤسسة الرئاسة مستقلة في اتخاذ ما يراه الرئيس, وليس صحيحا أن الجماعة تتدخل, بل ولا يوضع علي أجندة أعمالها ما يخص الرئاسة, وكل ما يقال حول هذا الموضوع لا أصل له. لماذا لم يتم حتي الآن تقنين أوضاع الجماعة, كما يطالب البعض, خاصة أن التشريع بيدكم الآن؟ الجماعة وضعها قانوني منذ إنشائها, وهي ليست جمعية حتي تتقدم بطلب للشئون الاجتماعية. وحين يقوم مجلس الشوري أو النواب بوضع قانون تنظيم عمل الجماعات والهيئات, فستتقدم الجماعة فورا وفق هذا القانون. لماذا إصرار الإخوان علي التمسك بحكومة قنديل, رغم أن ثمة اتفاقا علي فشلها في حل الأزمات المتوالية في مصر؟ التمسك بالحكومة شأن يخص الرئاسة, وهي التي تقرر استمرارها من عدمه. وتقييم الإخوان أداء الحكومة أنه ليس علي المستوي المطلوب ليس لعدم قدرتها, ولكن لأن المناخ العام لا يساعد الحكومة علي الإنجاز المطلوب, فضلا عن أن الفترة الباقية لحين تشكيل حكومة تعبر عن الأغلبية البرلمانية ضيقة, مما لا يتيح تشكيل حكومة جديدة. تنادي بعض القوي السياسية الجيش بالعودة إلي حلبة السياسة مرة أخري.. كيف تري ذلك الأمر؟ أنا أعجب من هذه القوي التي ظلت تنادي بسقوط حكم العسكر طوال السنتين الماضيتين, وأظن أن أحد إنجازات الثورة تشكيل حكم مدني لأول مرة في مصر منذ عقود, وكان ذلك مطلبا أساسيا للثورة. -ثمة أقاويل حول أن جماعة الإخوان تستهدف إضعاف المؤسسة القضائية لتمرير مشروعها وعدم عرقلته, خاصة بعد الإعلان الدستوري المثير للجدل الذي كان قد أصدره الرئيس مرسي.. ما مدي صحة هذا الأمر؟ الجماعة تحترم القضاء, وحريصة علي استقلاله, ودعم المؤسسة, بل وحريصة علي قوة واستقرار كل مؤسسات الدولة. ثمة تقارير غربية تفيد بأن الإخوان يجهزون لميليشيات مدنية لمواجهة الجيش, حال تدخله.. هل هذا صحيح؟ هذا الأمر لا أساس له, والإخوان لم يكن ولن تكون لهم ميليشيات, ولن يستدرج أحد الإخوان لاستخدام العنف تحت أي مسمي. -ماذا أنتم فاعلون إذا قرر الجيش التدخل, وإنهاء حكم الرئيس مرسي بعد تصاعد الأزمات في البلاد؟ لن يتدخل الجيش, لأنه مؤسسة تحترم الشرعية وتقف معها. وإذا ما تدخلت بشكل مؤقت, فلن يكون إلا بالتنسيق مع السيد الرئيس. يتساءل الكثير عن مشروع النهضة, لدرجة أنه أصبح مثار سخرية وتندر.. فما هو مصير هذا المشروع؟ مشروع النهضة تم إعداده بالفعل, وقد أقمنا المعالم والمبادئ الأساسية له, ولكن لا بد أن يعرض المشروع علي مجلس النواب القادم بلجانه المتخصصة, التي تقوم بدورها بدراسة كل مجال من المجالات, حتي تستطيع أن تسهم فيه, وتحوله إلي إجراءات تنفيذية. لكن حتي يتم هذا, فلا بد أن تكون الحكومة ومجلس النواب معبرين عن الشعب المصري, حتي يقوما بالتشريعات اللازمة لتنفيذ هذا المشروع, وبالتالي فهذا المشروع مجمد لحين انتخاب مجلس النواب, ثم تشكيل الحكومة. هل من رسالة توجهها للقوي السياسية؟ أنا أقول إن مصر الآن في وضع حرج من الناحية الاقتصادية, وفي مرحلة انتقالية من الناحية السياسية, وهناك مشاكل جمة, وظلم واستبداد استمر لفترة طويلة, مما ترك آثاره علي المجتمع. وبالتالي حتي نخرج من هذا كله, لا بد من العمل الجاد الذي تتعاون فيه كل القوي السياسية. أنا لا أقصد بالضرورة أن تتطابق آراء القوي السياسية, لكن علي كل فصيل سياسي أن يقدم رؤيته لحل المشاكل, وألا ينشغل بالصراع السياسي, وإنما ينشغل بتقديم الحلول. وإذا ما توصل أي فصيل سياسي إلي حلول, فعلي الحكومة أنة تأخذها, وتضعها موضع التنفيذ, إذا ما رأت أن فيها مصلحة البلد, ويجب أن يركز المجتمع المصري علي كيفية الخروج من هذه المرحلة الانتقالية لنعود مرة أخري إلي مصاف الدول النتقدمة. ألا تري أن رصيد الجماعة يتآكل في الشارع؟ أتصور أن رصيد الجماعة لم يتآكل, وإن كانت الجماعة تواجه بحملة إعلامية ظالمة, ونشر للإشاعات والأكاذيب التي ربما تؤثر لفترة قصيرة. ولكن علي المدي البعيد, لن يكون لها أثر.