مفاجأة من قناة السويس لشركات الشحن العالمية لاستعادة حركة الملاحة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط»    روبيو يناقش التسوية الأوكرانية مع وزراء خارجية أوكرانيا ودول أوروبية    جرينلاند تتولى رئاسة مجلس القطب الشمالي نيابة عن الدنمارك    أبو الغيط: آمل أن تثمر زيارة ترامب بوقف إطلاق النار في غزة    القبض على البطل الأولمبي كايل سنايدر بتهمة "ممارسة الدعارة" مع ضابطة متخفية    النجوم يدعمون كارول سماحة في افتتاح مسرحية "كلو مسموح" وهذا ما قالته إلهام شاهين (صور)    أسعار الفراخ اليوم الثلاثاء 13-5-2025 بعد الانخفاض الجديد وبورصة الدواجن الآن    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مواجهات اليوم الثلاثاء    هل تصل العاصفة الترابية إلى القاهرة؟.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الثلاثاء    «الاقتصاد المنزلي» يعقد مؤتمره العلمي السنوي ب«نوعية المنوفية»    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    3 شهداء وإصابات جراء قصف الاحتلال خيمة نازحين في خان يونس    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    تشكيل الأهلي المتوقع أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    حكام مباريات اليوم في الدوري| "الغندور" للزمالك وبيراميدز و"بسيوني" للأهلي وسيراميكا    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    «الاتصالات» تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    الدولار ب50.45 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 13-5-2025    بعد استلام ألكسندر.. هل تواصل إسرائيل خططها لتصعيد هجومها في غزة؟    عيار 21 يعود لسابق عهده.. انخفاض كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء بالصاغة    تفاصيل.. مؤتمر الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة في نسخته الرابعة    رئيس شركة شمال القاهرة للكهرباء يفصل موظفين لاستغلال الوظيفة والتلاعب بالبيانات    ما هي أهداف زيارة ترامب إلى الرياض ودول الخليج؟    مواعيد أهم مباريات اليوم الثلاثاء في جميع البطولات والقنوات الناقلة    رعب أمام المدارس في الفيوم.. شاب يهدد الطالبات بصاعق كهربائي.. والأهالي يطالبون بتدخل عاجل    جولة تفقدية لمدير التأمين الصحي بالقليوبية على المنشآت الصحية ببهتيم    بعد اطمئنان السيسي.. من هو صنع الله إبراهيم؟    «التضامن الاجتماعي» توضح شروط الحصول على معاش تكافل وكرامة    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة المنيا للفصل الدراسي الثاني 2025    السيطرة على حريق نشب في حشائش كورنيش حدائق حلوان    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن الثلاثاء 13 مايو 2025 (بداية التعاملات)    كيف ردت سوريا على تصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات؟    علي صالح موسى: تجاوب عربي مع مقترح دعم خطة الاحتياجات التنموية في اليمن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    أبو زهرة يهنئ المنتخب الوطني للشباب تحت 20 عاما بعد فوزه المثير على غانا    محافظ سوهاج: تشكيل لجنة لفحص أعمال وتعاقدات نادي المحليات    الكشف على 490 مواطناً وتوزيع 308 نظارات طبية خلال قافلة طبية بدمنهور    بعت اللي وراي واللي قدامي، صبحي خليل يتحدث عن معاناة ابنته مع مرض السرطان (فيديو)    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    تحت شعار «اكتشاف المشهد».. «أسبوع القاهرة للصورة» يواصل فعاليات دورته الرابعة بدعم غزة (صور)    5 أبراج «لو قالوا حاجة بتحصل».. عرّافون بالفطرة ويتنبؤون بالمخاطر    كشف لغز العثور على جثة بالأراضي الزراعية بالغربية    إيمان العاصي في "الجيم" ونانسي عجرم بفستان أنيق.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    قبل عرضه على "MBC".. صلاح عبدالله ينشر صورة من كواليس مسلسل "حرب الجبالي"    أميرة سليم تحيي حفلها الأول بدار الأوبرا بمدينة الفنون والثقافة في العاصمة الإدارية    اعتماد 24 مدرسة من هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد بالوادي الجديد    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟| الإفتاء تجيب    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    جدول امتحانات المواد غير المضافة للمجموع للصف الثاني الثانوي ببورسعيد(متى تبدأ؟)    سقوط طفل من مرتفع " بيارة " بنادي المنتزه بالإسماعيلية    انتحار شقيقي الشاب ضحية بئر الآثار في بسيون بالغربية    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    عالم بالأزهر: هذا أجمل دعاء لمواجهة الهموم والأحزان    أهم 60 سؤالاً وإجابة شرعية عن الأضحية.. أصدرتها دار الإفتاء المصرية    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ظل التركيز على الأشخاص وتجاهل الأفكار:

مع شيوع الجدال فى الأجواء الثقافية، لم يلتفت الكثيرون إلى مناقشة المشروعات الفكرية الحقيقية السائدة فى البلاد، فكل ما تدور حوله المناقشات هو: لماذا تم عزل فلان أو المجىء بفلان؟ فى حالة شديدة من "شخصنة" الرؤى والمشروعات الثقافية وقصرها على وجوه بعينها.
كنا نود أن يلتفت، ولو حتى القائمون على البرامج الحوارية التى استضافت وزير الثقافة إلى مناقشته موضوعيا فى القضية الثقافية، وترك مساحات الاختيار للجمهور الذى لم يعد فى حاجة إلى وصاية أحد.
ومن أبرز الرؤى الثقافية التى تم طرح الحديث عنها، ولكن بشكل عابر، هو توقف كثير من المثقفين المصريين عند مرحلة "الحداثة" وإفراط القبول بها، بشكل لا يترك مساحة للمناقشة أو إعادة النظر. كذلك يرى الحداثيون أن المثقفين من ذوى المرجعية الإسلامية يعادون "الحداثة" بتجلياتها وصورها كافة، ولا يقبلون أى تعاطٍ معها.
ولذا نحاول فى تلك المساحة إلقاء الضوء على ماهية الحداثة وما بعدها؟، ثم بيان ما إذا كان من الخطورة التوقف عندها أم لا؟ وكذلك إلقاء الضوء على طبيعة رؤية بعض المثقفين من أصحاب المرجعية الإسلامية للحداثة، وكيف يمكنهم التعامل معها؟.
التأريخ بالحداثة
تعد الحداثة عَلَما على رؤية فلسفية للكون والحياة، وهى رؤية تلقى بظلالها وتوجهاتها على الأنماط الاجتماعية والفكرية والثقافية كافة، فى حين لا يمكن الجزم بتعريف جامع مانع لها، فقد تعددت فيها الآراء، سواء فى التعريف أو فى التأريخ لبدايتها، فهى تعنى مثلا عند ماركس، وإميل دور كايم، وماكس فيبر- "تجسيد صورة نسق اجتماعى متكامل، وملامح نسق صناعى منظم وآمن، وكلاهما يقوم على أساس العقلانية فى مختلف المستويات والاتجاهات".
فقد كانت أفكار الحداثة تعبيرا عن الواقع العلمى والاتجاهات العقلية، ولكن بعد أن بدا للعيان مخاطر هذا التوجه نحو العلم والعقل فقط خاصة بعد الاستخدامات السلبية للطاقة النووية، بدأت تظهر اتجاهات "ما بعد الحداثة"، التى رفضت العقل، واتجهت إلى الذات، فصار الذات معيارا على الموضوع، وتعددت الرؤى المنبثقة عن ذلك فظهر منها على سبيل المثال الفوضوية والتفكيكية، التى أنتجت فى مجال النقد الأدبى أفكار موت المؤلف التى تعنى انفتاح التأويل ولا محدوديته بأى ضوابط.
ومؤخرا وبعد الألفية الثانية بدأت تظهر اتجاهات تنادى ب"بعد ما بعد الحداثة"، فباتت تتجه أكثر نحو النزعات الإنسانية والجمالية.
وفى دراسة للباحث "عبد الملك بومنجل" -الأستاذ بجامعة سطيف2 بالجزائر- نشرتها مجلة إسلامية المعرفة، قال بأن: [الخطاب الفكرى العربى منذ قرن ونيف يحمل طموحات الحداثة واللحاق بالركب الحضارى، ويرفع شعارات التجديد والتنوير والإبداع... ولكننا مع ذلك لم نلمح حداثة بل تخلفا، ولا تجديدا بل تقليدا، ولا إبداعا بل نسخا ونقلا وتكرارا وحذوا حريصا على المطابقة].
مناقشة موضوعية
بداية، يرى د. هانى إسماعيل -الناقد الأدبى- أن ثَمَّ إجماعا من النقاد على أن التناقض هو السمة الرئيسية للحداثة، ومن ثَمّ يرى معظم النقاد أنه ليس هناك حداثة واحدة بل حداثات متعددة، وهذه الحداثات تختلف فيما بينها أكثر مما تتفق.
يضيف د. هانى أن تناقضات الحداثة ليست إلا انعكاسا لمفارقات المجتمعات الغربية، وما فيها من تزعزع للقيم الإنسانية والأطر الأخلاقية السامية التى أصابت الحضارة الغربية فى مقتلٍ، بيد أنه من العجيب أن ينبهر الأديب العربى المعاصر بهذه الحداثة؛ فيفقد ثقته بنفسه وبثقافته وأصالته، فتكون القطيعة الأبدية بين المبدع والمتلقى.
وفى رده على ما إذا كانت ثمة خطورة على المثقف المصرى من التوقف عند مرحلة الحداثة فقط؛ يقول د. مصطفى أبو طاحون -الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنوفية، والأستاذ المساعد بكلية الأدبيات جامعة ماردين أرتكلو تركيا-: إن المثقف هو طليعة تعبر عن واقع مجتمعه؛ فينبغى أن يكون منفتحا أكثر من غيره، وأن يتسم بالانفتاح أكثر منه بالانغلاق على ذاته، أو على لون محدد من ألوان الثقافة، ينبغى أن يكون المثقف مطوِّفا يأخذ من هذا ويترك من ذاك.
فصناعة الإبداع تقتضى التعرف على ألوان الثقافة كافة؛ وإلا عجز العقل عن التغيير والتجديد، وأصبح مستهلكا فقط للون الذى يأتى أمامه، وبالتالى لن يشارك فى صناعة حضارة إنسانية؛ خاصة أن التيارات الإبداعية والنقدية والفنية فى كل بلاد العالم يأتى عليها ما يأتى على الإنسان من هرم واضمحلال.
وحول ما إذا كان المثقف المصرى والعربى -بعيدا عن مثقفى الحركة الإسلامية ومشروعها- متوقفا بالفعل عند مرحلة الحداثة وفقط، يرى أبو طاحون أن هناك مساهمات كثيرة فى تيار ما بعد الحداثة.
ويستدرك قائلا: لكن الحقيقة ورغم أننا نستهلك ما يأتى به الغرب، ومع ذلك لا نتجاوب سريعا مع الجديد هناك، فعندما نُتقن شيئا ما نقف عنده فترة طويلة، بعدما تكون بلاد –المنشأ- إن صح التعبير قد تجاوزته لأشياء أخرى، فهناك لدى المثقف العربى بطء شديد فى الإطلاع والترجمة –حتى يُحسن- فقط معرفة التغيرات الجديدة على ما قد تعاطاه هو من قبل.
ويضيف: يمكننا أن نستثنى من ذلك مثقفى المغرب العربى، وذلك لإتقانهم اللغة الفرنسية بجانب العربية، فهم ينقلون جيدا عن الدول المتحدثة بالفرنسية، ومع ذلك فالنقل والتعاطى هنا أيضا لجانب غربى واحد وهو الثقافة الفرنسية. فلا نعتبرهم منفتحين مثلا على دول الثقافة الإنجليزية أو الثقافة الشرقية غير العربية كالصين واليابان.
المثقف الإسلامى
وردا على تساؤل حول ما إذا كان هذا يعنى أن المثقف العربى -بعيدا أيضا عن مثقفى الحركة الإسلامية- لا يقدم بديلا ثقافيا ونقديا نابعا من بيئته ويمثل له إبداعا ذاتيا خاصا؟ يشير أبو طاحون إلى أن هذا يرتبط فى جزء كبير منه بالحركة الإعلامية وبدور النشر، وبالمؤسسات الثقافية الرسمية، فحالة الاستعمار الثقافى استمرت حتى بعد زوال عصور الاحتلال العسكرى، فلم تُترك الثقافة لأهل البلدان يسيرونها كما يرون، فالروايات والشعر والقصص المنشورة فى أكثر البلدان الإسلامية لا تعبر عن الواقع العربى الأصيل ولا عن الثقافة الإسلامية.
ويردف منبها إلى أنه وفى ظل الظروف التى جدت الآن على الساحة بعد ثورات الربيع العربى، هناك مساحة لظهور التيار والمثقف الإسلامى بعيدا عن الضغط الأمنى والملاحقات، والمثقف العربى أو الإسلامى هنا ليس أكثر من معبر عن واقع بلاده، وما يفهمه من تراثه المتميز، فضلا عن استفادته بما حوله من أفكار ورؤى أخرى تمثل واقعا إنسانيا ليس من الحكمة أو الذكاء الانغلاق أو الابتعاد عنه بالكلية أو حتى التأفف من الاقتراب منه، بل إن المطلوب هو الانفتاح على الآخر ولكن مع الوعى بالاختلاف عنه.
وفى الوقت نفسه نطلب ونأخذ كل ما يفيد عنده؛ أى ما يمكن أن نطلق عليه الجمع بين الأصالة والمعاصرة، ووجود هذا المثقف العربى الأصيل سيكون بالطبع إلى جانب غيره من التيارات الأخرى، والأمر بينهم ليس كمباراة كرة قدم مثلا لا بد فيها من غالب ومغلوب. فالثقافة الإسلامية ثقافة إنسانية فى أكثر نواحيها، لذلك فهى مطالبة بالتعامل مع الغير، أى أخذ ما يفيد، وترشيد ما لا ينفع، والوقوف بقوة أمام كل شىء ما من شأنه أن يفسد النفس البشرية.
وعن اتهام البعض مثقفى الحركات الإسلامية بأنهم لا يريدون سوى تقديم نموذجهم وإقصاء وعزل التيارات الأخرى، يرد د. أبو طاحون مؤكدا أن هذه ليست حقيقة، ولكن التاريخ يشهد بأن المثقف المسلم ليس هو من يصنع أمجاده على أنقاض الآخرين، فعلى سبيل المثال الصحابى "حسان بن ثابت" حينما أمره النبى -صلى الله عليه وسلم- أن يواجه شعراء المشركين، استخدم تقنياتهم الفنية نفسها، وأدوات التشكيل الجمالى، كما يستخدمها الآخرون، لكن برؤية وفكرة وتصور مختلف، وكذلك الأدباء الأُصلاء فى العصر الحديث أمثال باكثير والرافعى، كانت لهم روافد ثقافية أخرى غير العربية، من الإنجليزية والفرنسية، وأيضا المفكر الجزائرى مالك بن نبى، والشاعر والفيلسوف الهندى محمد إقبال فقد كتب بالإنجليزية كما كتب بالأردية، ولذا فالمثقف المسلم منفتح غير منغلق، ولكنه يختلف فى أنه قادر على التوجيه وليس ترسا فى آلة، بل إنه يمكن أن يقود الناس جميعهم إلى الحق والخير والجمال.
وفى هذا الإطار يشير د. مصطفى إلى بعض الملامح والأطر العامة التى يمكن أن نقول: إنها محددات للمشروع الثقافى الإسلامى، يذكر: إن أول تلك المحددات هو الجمالية، ثم الإنسانية وثالثا الرسالية فى النظر إلى الأمور، فكثير من المبدعين لا يبدعون إلا لأنفسهم؛ فى حين أن الإبداع المرشح للبقاء دوما وأبدا هو المعنى بهموم وآمال وآلام المتلقى، فأى لون فنى أو أدبى لا بد أن تكون له رسالة، وتلك المحددات تفتح جسورا قوية جدا من التواصل مع الرؤى والتيارات الأخرى كافة..
نظريات تراثية
وفى السياق نفسه يرى د. وائل على السيد -أستاذ اللغة العربية بجامعة عين شمس- أن مَن يعتنى بتيار الحداثة هم من يريدون دائما أن يظل التيار الغربى مسيطرا على أساليبهم النقدية، وهو فى الأصل تيار يقصى القديم ويحاول التملص منه، ومن خطورته أنه يطبق مفاهيم غربية على المنتج الأدبى العربى، كذلك من عيوب الرؤى النقدية الحداثية أنها فى بعض الأحيان تصل إلى درجة من الغموض التى تجعل أنه من الصعوبة فهم النقد أو حتى النص الأدبى.
يضيف: إن كل تأريخ للحالة الأدبية والنقدية باسم الحداثة سواء ما بعدها أو غيره، إذا كان يعنى عدم تقديم أو ربما الرفض للمفاهيم النقدية العربية الأصيلة، وبالتالى يفصل النقد القديم عن النقد الجديد فى حياة الأمة فهنا تكمن خطورته. ومع ذلك وجبت الإشارة والتأكيد إلى أن ذلك لا يعنى رفض كل ما هو جديد بحجة رفض المفاهيم الحداثية، ولكن الأمر لا يعدو كونه لفتا للانتباه لما حملته أمهات الكتب والتراث لدينا من إسهامات لا يصح التغافل عنها، هذا بالطبع مع وضع ما هو جديد فى اعتبارنا، طالما كان مناسبا لنا. فالبعض يحلو له أن يرمينا بالفقر والجدب فى هذا المجال، فى حين أن القدماء قدموا لنا فى المجالات النقدية ما لم نحسن نحن الاستفادة منه حتى الآن، ومن ذلك الأعمال التى قدمها مثلا "ابن سلام الجمحى"، و"ابن قتيبة الدينورى"، فقد قدموا نظريات تعد بمعايير العصر الحالى متقدمة وليست بدائية.
وفى هذا الإطار يرى "محمد رجب" -ممثل ومخرج مسرحى، مدير فرقة "وجوه"، مؤسس فرقة "فنانين ضد الفساد"- أن كثيرا من المثقفين المصريين فى حالة تيه وضبابية، ولا توجد لديهم رؤية واضحة المعالم والمحددات تصلح للانطلاق، بل المثقف -فى الأغلب- يعايش صراع أيدولوجيات أكثر منه بناء مشروع ثقافى. يضيف أيضا: إن الكثير من مثقفى المنطقة العربية يحاولون باستماتة الهروب من الهوية والتشبث بهويات أخرى لأغراض ما، ومن يحاول عكس ذلك -بتأكيد هويته- إما أن يختفى تماما بعد فترة من المجال الثقافى أو يوجد فقط ولكن فى حرب مستمرة معلنة عليه. يردف: إن من خطورة التحدث فقط والتأريخ الثقافى باسم الحداثة هو محاولة فرض الرأى بقوة، وعرضه وكأنه مسلمة أو كأمر يمثل حياة أو موتا وليس أحد الأفكار أو الاتجاهات القابلة للرفض أو القبول. وأحد الأفكار التى لها سلبيات وإيجابيات، فلا بد أن يكون مسموحا لنا -كفنانين ومثقفين- أن نختار من هذا التيار عند التنفيذ أفضل ما فيه ونترك أسوأ ما فيه. ولا نتعامل معه ككتلة أو صندوق واحد إما أن نرفضه بالكلية أو نقبله بالكيلة. والأهم من ذلك هو ضرورة أن ننطلق من هويتنا ثم نحاول صبغ أى مدرسة أخرى بها، وليس العكس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.