قد تكون الهزيمة التي لاحقت بمصر في 67 كانت اشد الحروب ضرراً علي النفسية المصرية و العقلية ايضاَ و لم يمحي هذه الحالة السيئة الا معركة العبور في 1973 , ثم كانت الظلمة الشديدة في تاريخ مصر المعاصر و هي فترة حكم مبارك و التي كنت إنتكاسة لمصر علي جميع المستويات الثقافية و الإقتصادية و السياسية . و كانت الثورة المصرية هي رد قوي علي نظام حكم اتسم بالفرعونية المؤلهة و القيصرية الجبرية , و لذلك يجب علينا جميعا و نحن ننطلق في عبورنا الثاني نحو دولة تتمع بالحرية و التعامل الانساني لكل افراد المجتمع ان تكون لنا مطالبنا المحددة و التي علي اساسها شاركنا في الثورة و نشارك الان في الاعتصام المتواجد داخل ميادين مصر . إن مطالبنا عادلة و ليست كبيرة و ليست غريبة , إن المحاكمات التي يجب ان تطال كل قيادات النظام السابق , و كل الزمرة المجرمة التي حكمت و قتلت و سرقت شعباً بأكمله , و الكل سواء وزراء , ضباط , رجال أعمال , نواب الحزب الوطني , الجميع لا يجب ان يتوقف العقاب عند حد معين إنها لحظة فارقة في تاريخ الأمة المصرية , لو تبقي من الدماء الفاسدة شيئاً داخل الحياة السياسية المصرية لفسدت الحياة السياسية مرة أخري . إن هؤلاء الزمرة الفاسدة من قيادات النظام الفاسد و الذي سجنوا الشعب و اعتقلوه و دمرو حياته لا يكفي معهم قانون الغدر بل يجب ان تتم المحاكمات بقوانين الحرب , و هي كل من خان الوطن و باعه يجب ان تكون تهمته الخيانه العظمي و عقوبتها القتل في الميدان . أم الحديث عن قطعة ارض و لوحة معدنية و سرقة بعض الملايين من خزانه الدولة , فهذا قد يحدث في اي دولة و لا يمكن ان تقوم ثورة من اجل ذلك و لا نريد ان تتم المحاكمات علي اساس ذلك انها اتهامات رخيصة , ماذا يعني ان ثروة حبيب العادلي الوزير 8 مليارات جنيه إذا كان سفك دماء الملايين من المصريين في المعتقلات و السجون , و ماذا تفيد عودة أمواله لأم مات وحيدها يوم 28 يناير , او لأطفال استشهد والدهم في موقعة الجمل برئاسة القواد صفوت الشريف , يجب ان يباد النظام السابق من فوق أرض مصر بحمض الكبرتيك ( مياة النار ) , و علي رأس ذلك وزارة الداخلية الذي عشش فيها العفن منذ سنوات طويلة . ولكن من الملاحظ فى الفترة الأخيرة أن المجلس الأعلى الذى يوجد الأن فى سدة الحكم يسير بخطوات بطيئة نحو التغيير الذى أعلن هو مساندته إياه فى بداية الثورة ، بل إن السلوك الذى يتبعه المجلس فى الأونة الأخيرة يوحى وكأن هناك تباين فى الأراء داخل المجلس نفسه ، وهذا لايعنى شىء سوى أن هناك ضغوطاً خارجية تمارس على المجلس الأعلى وهذه الضغوط لايمكن أن تمارس إلا من أمريكا عدوتنا الأولى التى قامت ثورتنا ضد نظامها فى مصر. وكان هذا واضحاً بتكثيف الزيارت للمسؤولين الأمريكيين الكبار إلى مصر أثناء الثورة وبعدها مما يعنى أن أمريكا تنظر إلى الثورة بعين العداء ، وليس كما يتشدق مسؤولوها بأنهم يساندون ثورة الشعب المصرى إن جوهر التناقض في الواقع بين رؤية القوات المسلحة ورؤية القوي الثورية كلها (وليس مجرد الشباب) هو أن الشعب يريد إسقاط النظام وفق الهتاف الأشهر في التحرير, في حين أن القوات المسلحة تسعي بالضرورة إلي إصلاح النظام! القوي الشعبية الثورية نظرت وتنظر- إلي خلع مبارك باعتباره مجرد مقدمة لإسقاط النظام الذي يتضمن بالضرورة ليس فقط الرئيس ورجاله, وإنما جميع مؤسسات الحكم وسلطات الدولة! أما القوات المسلحة, فقد نظرت إلي خلع مبارك باعتباره إجراء كان لابد منه للحفاظ علي النظام! ولذلك لم يكن غريبا مثلا- أن حركة المحافظين إنما تتم وفق معايير النظام القديم, وليس معايير نظام جديد مختلف يأمله الشعب وثواره! وأن التشكيلات الوزارية التي تمت إنما سارت وفق المنهج القديم نفسه, والذي ساده منطق الوزراء التكنوقراط عقب ثورة شعبية حقيقية جارفة! والأمر نفسه ينطبق علي كثير من السياسات الداخلية والخارجية, والتي لم تعكس أبدا روح وتوجهات الثورة المصرية, ثورة 25 يناير! إن العبور بالثورة المصرية يحتاج إلي جهود أضحت اليوم واجبة أكثر من أي وقت آخر لتجنيب مصر وثورتها مصائر واحتمالات لا نرغب فيها أبدا, بما فيها فشل الثورة المصرية, وسط أجواء نعلم جميعا أنها مليئة بالمتربصين والمتآمرين المراهنين علي فشل الثورة, وفشل الشعب المصري .