في علاقتي كشاعر مع اللغة وعلم النحو لم أهتم بشيء قدر اهتمامي بالجملة الفعلية ولم أتعاطف سوى مع صيغة المفعول به المنصوبة علي الدوام ربما كعقاب وجودي ، هي وحدها تتحمل أعباء الجملة الفعلية ، مكانها الطبيعي في نهاية الجملة ، وعليها تقع تبعة الاستقامة ، استقامة الجملة أو استقامة الحياة ، ليس هناك من فارق ، أيضاً ليس هناك فعل بلا فاعل ، أما الأهم فليس هناك فاعل دون مفعول به ، الجلاد لا بد له من ضحية ، والمحب لا بد له من حبيبة ، و المتكلم لا بد له من مستمع ، والعامل لا بد له من معمول به ، والعابث لا بد له من معبوث به ، الحاكم لا بد له من محكوم ، هل رأيتم سيداً بلا عبد ؟؟ ، عاشقا ً بلا عشيقة ؟؟ ، قاتلاً بلا قتيل ؟؟ ، هل يمكن أن نصادف فاعلا ً بلا مفعول به ؟؟؟ شرط وجود الفاعل إذن أن يكون له مفعول به . باختصار لا تستقيم الحياة ولا يمكن تصورها سوي بهذا الدور الحيوي و الوجودي الذي يقوم به المفعول به , هو حجر زاوية في الوجود . لكن المؤلم في هذا أنك عندما تتأمل هذا الدور تكتشف كم هو محبط ، كم هو مظلم ، كم هو مخيف ، فثمة تواطؤ ضمني يقوم به المفعول به للفاعل ، هو يدعمه ، يقويه ، يحفزه على التمادي ، المرأة في السرير لا تصل إلا ذروة النشوة أو ما يسمونه بالاورجازم سوي في إخلاصها الغريزي لدورها كمفعول بها في اللحظة التي يتمادى الرجل في إيقاع أقصى ألم بها ، أي التمادي لأقصى حد في دوره كفاعل ، المازوخية و السادية هنا ليست مفتاح اللغز ، إنها العلاقة الوجودية بين الفاعل والمفعول به ، وكمثال أيضاً أعيد ما قاله جان جاك روسو في العقد الاجتماعي عن العلاقة بين العبيد وسادتهم ، إذ يقرر وأظنني أتفق معه أن العبيد هم بالأساس من يصنعون سادتهم وليس العكس ، الشعوب المقهورة هي من تصنع حكامها الطواغيت وليس العكس ، لنفرض مثلاً أن حاكما من دول العالم الثالث ذهب الي أوروبا وشاء القدر أن يتولي منصب حاكم هناك ، هل تعتقدون أن أحداً سيسمح له بأن يصبح طاغية ؟؟؟ . أحياناً قد تستغرب عندما تري المفعول به يمسك بيد الفاعل ليدله علي الطريق ، ينوره ، يعلمه الطرق المثالية لممارسة الفعل عليه ، هذا ليس غريباً بالنسبة له ولا حتى مؤلم بل ربما يكون علي العكس ممتع وهنا تصلح المازوخية كمفتاح للفهم ، هو مؤلم فقط لمن يراقب المشهد من بعيد . في قاع البئر أيضاً ، في عتمته ، ستكتشف ما هو أفدح إذ ربما يصح لنا أن نتعاطف مع الفاعل الذي قد يمل دوره ويرغب في استراحة ، أو حتى في الاعتزال عن هذا الدور وللأبد ، هو قد يرى أن دوره هذا غير عادل ، لكنه لا يعرف كيف يتخلص من هذا العبء الوجودي ، أما المفعول به فهو علي الدوام من لا يتردد ، من لا يتخلى ولو في أحلامه عن دوره ، الحمار لا يفكر أو حتى يتصور أبداً أن يركب صاحبه ، هو خلق ليكون كذلك ، أتذكرون حكاية جحا مع حماره ، لا معنى له سوى في أن يركبه صاحبه ، كما لا معني للقطيع سوى بأن يقوده راع , هي أبجديات الحياة إذن ولا مجال سوي لأن تدوم ليكون الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب على الدوام ، أما نحن فليس أمامنا سوى أن نرى وننصت بألم أو بلا ألم ، فهذه هي قوانين الحياة. [email protected] مواضيع ذات صلة 1. أشرف العناني : بانجو ميديا .. أرض الخيال بين قوسين 2. أشرف العناني يكتب: مصر والعرب والعكس صحيح