رست سفينتان حربيتان إيرانيتان، أمس الأربعاء، في أحد موانئ السودان، في ثالث زيارة من نوعها في أقل من عام، مما يبرز العلاقات الوثيقة بين البلدين، وهو "أمر تنظر إليه دول الخليج العربية والغرب بريبة". قال متحدث باسم الجيش السوداني، إن "السفينتين رستا فى ميناء (بورسودان) للتزود بالمياه والغذاء ولا يعد هذا الرسو زيارة رسمية". في هذه الأثناء؛ كما قالت وكالة (فارس الإيرانية للأنباء)، إن "زيارة السفينتين جاءت لتعزيز العلاقات مع الخرطوم"؛ مضيفة أن "السودان شريك واضح لإيران فى تعزيز نفوذها في المنطقة، بينما تتطلع الخرطوم لمساعدات تجارية وعسكرية". وتعتبر السودان نقطة الانطلاق بالنسبة لإيران فى اهتمامها بالقارة الإفريقية، حيث ارتبط الانفتاح الإيراني على إفريقيا بعهد الرئيس رفسنجاني، الذي حطت طائرته في عام 1991 في السّودان، الذي كان يعيش عامه الثاني في ظل نظام إسلامي عسكري إيديولوجي معزول ومحاصر من قبل المجتمع الدول، وشكّلت زيارة رفسنجاني حدثًا محوريًا للسودان الإسلامي الجديد، وقد كانت الزيارة حصادًا لأعوام من التواصل مع الإسلاميين السودانيين حتى قبل استيلائهم على الحكم. وسارعت إيران بتنشيط سساستها ، مستغلة انتشار الكثير من الموالين لإيران في غرب إفريقيا عبر بعض المنتمين لحزب الله اللبناني، فتكررت زيارة رفسنجاني للسودان في عام 1996، ولكنها تمددت حينها إلى جنوب إفريقيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا، وزيمبابوي، وكانت تتحرك يومها وفقًا لفلسفة "سياسة البناء" التي بدأها رفسنجاني، وبعده عزز محمد خاتمي في زيارته لإفريقيا، كجنوب إفريقيا والسنغال ونيجيريا والنيجر. وبرغم أن وجود الأسطول الإيراني بزياراته المتكررة لشواطئ البحر الأحمر أمر ذو تكلفة، إلا أن الأهداف الاستراتيجية الإيرانية من خلفة كبيرة جدًا لدرجة تجعل إيران لا تبخل بهذا الاهتمام، ففي نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي قام على السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء، المنتخب تخطيه للمحيط الحيوي للسودان ومصالحه المباشرة في توجهه مدفوعًا بمقاصده نحو إيران. هذا التوجه أدى إلى تقاطعات مع الحزب الشريك (الاتحادي الديمقراطي)، مدفوعًا في ذلك بضغط المؤسسة العسكرية، – ومذكرتها التي فتحت الطريق لانقلاب البشير في يونيو 1989م، بموازنة الخلل بعلاقة خاصة مع العراق أنتجت تزويدًا للجيش السوداني بالراجمات، التي أسهمت بدورها في استرداد مدينتي الكرمك و قيسان من الجيش الشعبي (قرنق) على الحدود السودانية/ الإثيوبية. من قاموا بانقلاب يونيو 1989، استعملوا أيضًا حاجة المؤسسة العسكرية للعتاد الحربي، وتأرجح ميزان السياسة بين شريكي الحكم في شل إرادة الآخرين من التحرك الإيجابي المطلوب لإجهاض الانقلاب بواسطة المؤسسة العسكرية أو قوى المجتمع المدني الحية الفاعلة، والتنفيذ على أرض الواقع، أخذ عشرات المليارات التي صرفت لتأمين انسياب النفط من دول الخليج العربي بما فيها العراق للعالم الحر، درءًا لأزمة نفطية أشبه بتلك التي حدثت بعد حرب أكتوبر1973، عندما استعمل العرب سلاح النفط لإكمال ما حققه الصدام بالنيران في عبور القناة و فتح الطريق نحو تحرير سيناء وربما الجولان لاحقًا. وبدخول القرن الجديد أدرك من يخططون لسياسة السودان الخارجية والدفاعية بطريقة يفترض أن ترعى المصالح الحيوية للدولة، أن مجال المناورة أمام السودان محدود للغاية. فالبحر الأحمر اكتسب أهمية قصوى كشريان رئيس لمرور الزيت العربي نحو أسواقه التقليدية في دول العالم في الغرب، وفي بلدان النمور الناهضة في الشرق. ولكن نشط القراصنة – لغياب الدولة في الصومال- في بوابته الجنوبية عند باب المندب، وأصبحت هناك حرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران تدور بين الدولة اليمنية والحوثيين. والوضع المأزوم في غزة وفي سيناء في مصر يمكن أن يصبح خطرا لاحقا على قناة السويس، الأمر الذي دفع بالأسطول الإسرائيلي لتكثيف وجوده في البحر الأحمر وجزره شبه المهجورة حماية لثغره الجنوبي في إيلات، ومراقبة للأسطول الإيراني الذي وجد أن الكارت الاستراتيجي في يد إيران ممثلا في الخليج ومضيق هرمز لم يعد كرتا ذا قيمة، نتيجة للخطط سابقة الذكر، وتمركز الأسطول الأمريكي الخامس – بعد حرب الخليج الثانية – في البحرين.