منذ خروج الجماهير في الثلاثين من يونيو والبيان العسكري الذي تلاه والي يومنا هذا والسؤال لا ينتهي أهي ثورة .. ام انقلاب؟؟ ولا يخفى على قاريء السطور أن من يطرح السؤال ايا كانت هويته انما ترتبط الاجابة لديه بالنتيجة التي يتمنى ان تسود فإن كان خرج عازما على اسقاط النظام الاخواني فهي الثورة الشعبية التي خرجت فيها مصر عن بكره ابيها وان كان منحازا لهذا النظام فهو الانقلاب الغاشم الذي قاده العسكريون وان كان حريصا على ارضاء الفريقين هنا وهناك لاجل اصواتهم فهي نصف ثورة ونصف انقلاب وهكذا صار بعضهم يزن الموقف التاريخي بالكيلو. لاترتبط الاجابة بالبحث الموضوعي او التدقيق المنهجي انما هي – الا فيما ندر- حجة يعضد بها كل طرف الموقف السياسي الذي ينحاز اليه، اذ ربما لو تغيرت شخوص المشاركين وتوجهاتهم ونهاية الحدث لتغير توصيفه بالكامل . هذا ولم تعد الاشكاليه قاصرة على (30 يونيو) بل ان الجدل قد امتد ل (25 يناير) بدورها فالبعض يراها ثورة والبعض يراها انتفاضة وفريق ثالث يراهما ثورة واخرى مضادة ورابع يحسبهما ثورة اعقبها انقلاب وخامس يراهما ثورة وموجة تصحيح. الحقيقة ان المعايير المميزة بين التوصيفين انما تبدو غائمة ومتغيرة وربما لم تكن 30 يونيو هي اولى الاشكاليات في هذا الشأن بل سبقتها ثورة يوليو والتي اعتبرتها كبريات ثوارات التاريخ الحديث وحركات التحرر بالعالم الثالث بإنها الثورة الام ، غير ان بعض يتامى العهد الملكي والمتباكين عليه قد استغل فساد عهد مبارك لتمرير الاعمال الفنية الموجهه لتجميل اسرة محمد علي ومحاولة تشويه الذاكرة المصرية بتوصيف ثورة يوليو بالانقلاب العسكري وهو ما لم تتصف به في تاريخها ولا حتى من أشد خصومها خاصة بعد أن وضعت تغييرا جذريا بالمجتمع من كافه الأوجه قد يكون مثارا للجدل في نفعه لكنه يستحيل انكاره . كان الدكتور طه حسين من السباقين الي نعت حركة ضباط يوليو بالثورة وقد روي عنه انه قال (كيف يقوم حدث بعزل ملك البلاد ويغير وجهها الاقتصادي بإلغاء الاقطاع وتزيع الاراضي على الفلاحين ثم يوصف بعد ذلك بأنه مجرد حركة لا ثورة) . هكذا تحرر المفكر والاديب من عقدة الفكرة الثابته بالذهن من ان الثورة هي خروج الجماهير بالصياح الغاضب ايا كانت نتيجته والحقيقة انها فكرة لا تستند الي تعريف علمي أو تجريد فلسفي فلا تعرف ما هو العدد المحدد لتلك الجموع الغاضبة ؟ او نسبته المئوية ؟ او أماكن خروجه أو طبيعة هتافه ؟ أو ساعات بقائه في الشارع ؟ ادرك عقله البصير أن المسألة لاتتجاوز الصورة الذهنية والفكرة المجتمعية فتحرر منها ونفذ مباشرة للمضمون ان الثورة هي التغيير الجذري بالمجتمع . في كتابه (ثورة يوليو وعقل مصر) يطرح الاستاذ أحمد حمروش على عمر التلمساني هذا السؤال : هل تعتبر الحركة العسكرية ليلة 23 يوليو ثورة أم انقلاب؟ يرفض التلمساني كلمة ثورة فيقول (الثورة شعب يثور ويشارك وينتصر في الاحداث الدامية التي تعبرعنها كلمة ثورةهذاواضح في كل ما قرأناه في التاريخ عن الثورات. اضيف الي هذا ان الثورة عمل شعبي قد يشترك فيه الجيش والشرطة او لا يشتركان). لقد أرجع التلمساني تعريفه للثورة الي انطباعه الخاص من كتب التاريخ دون تحديد علمي ثابت ولم يكن الرجل بطبيعة الحال يتصور قيام أحداث 25 يناير و 30 يونيو فالأولى حسب تعريفه لن تكون ثورة فأحداثها الدامية لا تذكر بالاساس ولا تعد علامة فارقة في تاريخ التضحيات الشعبية والثانية قد شارك فيها الجيش والشرطة مع الشعب مع ذلك لاتعتبرها جماعة التلمساني ثورة في يومنا هذا ولا اظنهم راجعوا كلماته ولا اظنه تخيل وقوع تلك الاحداث الضخام والا لراجع تعريفاته . من جهة آخرى فان الاحداث المتلاحقة بمصر باتت حدثا انسانيا فريدا لفت انظار العالم الي غياب التعريف المانع المحدد لكلا الوصفين فتباينت النعوت للحدثين (25 يناير & 30 يونيو) حسب المواقف والمصالح والتحالفات الدولية . وبعيد عن ذلك كله فالاولى بالمصريين الخروج من هذا المعترك الجدلي الذي استهلكهم وان يعمل القائمون على السلطة الان على تفيعل كلمات النزول الاول للجماهير وهدفها الاصلي وهو العدل الاجتماعي فإن تحقق فقد قامت ثورة ايا كان تاريخها فليست الايام هي التي تصنع للانسان تاريخا بل هو من يحولها لحدث تاريخي . اما ان يبقى الجدل دائرا فكلا الحدثين لا يمثل ثورة وانما تغيير في الشخوص وبقاء للسياسات المجحفة واظن ان حال المواطن المصري تجاه هذا الجدال الدائر حول التوصيف هو قول الشاعر نزار قباني (أسخف ما نحمله يا سيدي الأسماء).