هل الرعب هو خارطة الطريق الأساسية التي يتبناها المجلس العسكري؟ الرعب الذي أقصده ليس فقط سلاح التخويف، والتهديد، والعنف اللحظي الذي يستخدم ضد جموع المتظاهرين والمعتصمين. لا يتمثل فقط في المحاكمات العسكرية، والتعذيب، وكشف العذرية، واصطياد النشطاء، إلي آخر هذه القائمة من الممارسات. الرعب كذلك لا ينحصر فيما يقوله الجنرالات، بأن قضايا مصيرية، من حق أي مواطن نقاشها، هي قضايا أمن قومي، وبالتالي فليس هناك مجال للحوار حولها، ملوحين بالقبضة الحديدية ضد من تجرأ أو سيتجرأ علي “فتح بقه”. الرعب المقصود هنا... هو سلاح لم يستخدم بعد، الإرهاب والفوضي الدموية. هذا هو المشهد: تورَّط الآلاف من ضباط الشرطة خلال عهد مبارك في التعذيب والقتل والفساد، لدي كل منهم شبكته الخاصة من البلطجية والمجرمين. أطلقوها للشوارع خلال الثورة. في نفس الوقت الذي مارس فيه المئات من الضباط العنف المباشر ضد المتظاهرين، وأطلقوا عليهم الرصاص. هؤلاء الضباط مرتبطون بشبكة أخري واسعة من رجال الحزب الوطني، ورجال الأعمال الفاسدين. ولكل واحد من هؤلاء “مافيته” الخاصة، ولكل منهم قائمة جرائمه. مرت خمسة شهور وجميعهم مطلقو السراح. لديهم المال، والعلاقات، والسلاح. يعرفون بعضهم جيدا، ولديهم تاريخ من العمليات القذرة والتعاون المشترك، ولديهم أيضا ما يشبه التنظيمات الإجرامية. جميعهم يتحركون بحرية، ويتابعون المعركة الإعلامية والسياسية حول محاكماتهم ومحاسباتهم من عدمها. فلنتساءل عما يدور في ذهن شخص افتراضي، وحقيقي جدا في نفس الوقت، مثل “فلان”: “فلان” هو واحد من هؤلاء الآلاف، لديه المال، والسلطة، والسلاح، والعلاقات، والوقت الكافي. هناك احتمال أن يخسر كل هذا، وأن يقضي بقية عمره في إحدى الزنازين، أو أن يتم إعدامه. ماذا سيفعل؟ ماذا سيفعل أمام مسألة حياة أو موت؟ هلي سيكون القرار هو: عليا وعلي أعدائي؟ هذا هو الرعب الذي أقصده. إن كانت سلطتك مهددة، فإن الفوضي عبر اغتيالات وعمليات عنف محدودة، متنوعة الاتجاهات، وبطرق تبدو مختلفة، للدرجة التي يصعب معها تحديد الجهة التي تمارس هذا الرعب، وتحدث خلطا في الكثير من الأوراق، ربما يكون المخرج الملائم. لا أعرف إن كان علي الاعتذار لفتح الحديث حول هذا السيناريو الكابوسي. لكن فتحه، أو مجرد الإشارة إليه، ضرورية قبل أن يحدث. وخصوصا أن التاريخ يعلمنا أن سلاح الرعب تم استخدامه كثيرا، وفي بلدان مختلفة. استطاع في بعض الحالات تحقيق نتائج باهرة... إسقاط نظام مصدق في إيران، وإجهاض عملية التحول الاجتماعي والسياسي، التي كان يقودها مصدق فى بدايات الخمسينيات، عبر عملية معقدة ومركبة، تضمنت دورا لعصابات مارست هذا النوع من الرعب. ليس بعيدا عن الذهن. ليس هناك داع للإشارة إلي الكثير من التجارب الأخري في أمريكا اللاتينية، الغنية علي هذا المستوي. حتي تجربة التحول الديمقراطي الإسبانية في السبعينات، السلسة نسبيا، وفي رحم أوروبا “المتمدنة”، لم تخل من هذا العنصر، ومن الحوادث الغامضة. من بينها اقتحام أحد مكاتب المحاماة اليسارية في وسط المدينة، واغتيال عدد من المحامين النقابيين داخله. هل هذا السلاح ذو جدوي في الحالة المصرية؟ لا أعرف. لكن ما يقلق هو اعتقادي بأن بقايا نظام مبارك تعي أهمية هذا السلاح. وجميعنا نعلم أن المحاكمات الحاسمة والسريعة، والحزم مع العناصر القادرة علي لعب هذه اللعبة، سيقضي علي فاعليته، ويجهض أي محاولة لاستخدامه. بالتالي فالتساؤل مشروع: لماذا لا تستجيب السلطة للمطالبة الشعبية بالعدالة والحساب السريعين؟ لماذا لم يتم سحب سلاح الضباط المتورطين في الدم علي الأقل؟ سابقا، كانت أغلب الثورات وعمليات التحول الديمقراطي تتم تحت قيادة الأحزاب والقوي السياسية. عبر بث الرعب بين صفوف هذه القوي، بإمكانك إجهاض هذه الثورات، وإجبار السياسيين علي الانسحاب. في الحالة المصرية، كانت الثورة في مرحلتها الأولي، ومازالت في مرحلتها الثانية، حالة شعبية بالكامل، دون قيادة واضحة. إذا، كيف تبث الرعب في مئات الآلاف الذين لا ينتمون إلي أي تيار سياسي، ومستمرين ومصرين علي انتصار ثورتهم؟ سيدي الحاكم: بالرغم من هذه الميزة المصرية، إلا أن المحاكمات الحاسمة لكل أفراد هذه الشبكة المرعبة، والعدالة السريعة لمن سقطوا في ثورتنا، أفضل لكم ولنا... أفضل للجميع. فحين يجد الثوار المصريون، أن السلاح الموجه إليهم ينتمي لأكثر المناطق فسادا وعفونة من “معدة” نظام مبارك، ربما يضطرون لتوجيه لكمة قوية إلي هذه “المعدة”، فاتحين ملفات مغلقة حول عمولات سلاح وفساد مالي، لم يتحدث عنها أحد حتي الآن. [email protected]