حمل جرح الأرض وتعايش معه حتى آخر لحظات حياته، كان صوتًا عميقًا حقيقيًا وكأنه شجرة نبتت في الضمير العربي، إنه حقا الأسطورة التي انبثقت من جراح المعني، هو الشاعر محمود درويش. في الجزء الثاني من حوارنا معه، يحدثنا صاحب أبرز الرسائل العلمية، التي تناولت "درويش"، الدكتور عماد الطراونه، عن علاقة شاعر الكلمة والموقف والعشق بالرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات"، كما يبرز موقفه من اتفاق أوسلو، ويحكي لنا أيضا عن الفترة التي عاشها في القاهرة. يقول الطراونه: "كان درويش مقربًا من الرئيس الراحل ياسر عرفات، بل كان عرفات يعتبره ابنا له، وكان هناك تنافسًا شديدًا بينه وبين الشاعر معين بسيسو، وهذا التنافس كان يغذيه الرئيس الفلسطيني، ولكن علاقة درويش بعرفات، لم تكن طوال الوقت علاقة ود ومحبه، حيث وقعت العديد من الخلافات السياسية بينهما وعلى إثرها، انقطعت العلاقة لفترة ثم عادت مره أخرى. في عام 1979 قامت قوات تابعة لمكتب الرئيس، باقتحام مجلة شئون فلسطينية وكان درويش مديرا لتحريرها، ونتيجة لذلك، قدم استقالته وسافر إلى باريس، وكتب قصيدة بعنوان "رحلة المتنبي الي مصر"، والتي اعتبرها النقاد والشعراء المصريين، هجاءًا في مصر، وخاصة بعد توقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني ولكنها في الحقيقة، كانت هجاءً في ياسر عرفات". ويتابع الطراونه: "في المرة الثانية، كان الخلاف شديدًا بين الشاعر والرئيس، كان ذلك بعد أن قدم الأول استقالته من منظمة التحرير الفلسطينية، اعتراضا واحتجاجا على "اتفاقية أوسلو"، حيث وجدها لا تحقق الحد الأدني من الحلم الفلسطيني ، وعبر عن غضبه بمجموعة من القصائد التي كتبها هجاءًا في ياسر عرفات، ومن أهمها قصيدة "أنا والآخر". وعن حياته في مصر وعلاقته بالقاهرة يقول الطراونه: "جاء درويش إلى القاهرة، عام 1971 ، وقد فتح له المصريين قلوبهم قبل بيوتهم، بل إن مجيئة إلى مصر، قد أحدث ضجة كبيرة، وكان أيضا نقلة حقيقية في تجربته الشعرية، حيث التقي بكبار الشعراء والأدباء والمثقفين، وكانت له علاقة خاصة بالشاعر عبدالرحمن الأبنودي وبالكاتب والناقد الكبير رجاء النقاش، كما أنه عمل بمجلة المصور، ثم بإذاعة صوت العرب وبعدها عينه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، في الأهرام، حيث عمل في طابق العظماء بجانب نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وغيرهما، والحقيقة أن درويش كان عاشقا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حتى أن توجهاته كانت "ناصرية" بحته، وكان من أشد مؤيدي الوحدة بين مصر وسوريا، وعندما حدث الإنفصال بكي بكاءا شديدا وقام بتحطيم الراديو الذي بث هذا الخبر". ويتابع: "بعد أن سافر درويش من مصر إلى بيروت، كتب "عودة الأسير"، وهذه القصيدة كتبها رثاءا في الأسير المصري "سعيد نصار" ، حيث اعتقل في أحد السجون الإسرائيلية أثناء حرب الاستنزاف، وحدثت مشاجرة بين نصار والسجان الإسرائيلي، فقام الأخير بضربه عدة طلقات، فسقط شهيدا في السجن، وعندما علم درويش ظل يبحث عن بلدة هذا الأسير فعرف أنه من "قيلين" إحدي مراكز محافظة كفر الشيخ، ولكن الشيء المحزن هو اعتبار بعض الشعراء والنقاد المصريين قصيدة عودة الأسير، هجاءًا في مصر وهذا غير صحيح ، حيث حصلت على هذه القصيدة بخط يد درويش وعنوانها الحقيقي "عودة الأسير المصري"، وعنوان فرعي " إلى سعيد نصار". ويقول فيها:"النيل ينسي/ والعائدون إليك منذ الفجر لم يصلوا/ هناك حمامتان بعيدتان/ ورحلة أخري/ وموت يشتهي الأسري/ وذاكرتي قوية/ والآن ألفظ قبل روحي/ كل أرقام النخيل". ويختتم الطراونه حديثه معنًا قائلًا "سيظل العالم يحتفل بشاعر المقاومة، الذي حمل بندقية رصاصها الكلمات الموجعة، التي عبرت بصدق عن آلام ومأساة شعب انتزعت منه كل الحقوق، فدرويش شاعر بارز رفض أن يخلع عباءة وطنه فلسطين، وسيظل حيًا وحاضرًا ومتوهجًا في قلوبنا إلي الأبد". أخبار مصر- البديل