رئيس "الجبهة الوطنية": الفرص متساوية في الترشح لانتخابات "النواب".. والشفافية تحكم الاختيار    محافظ المنوفية يبحث سبل تنفيذ برامج تدريبية تُعد الطلاب لسوق العمل المحلي    25 صورة جوية حديثة.. مسار مترو الأنفاق يشق شوارع الإسكندرية    ما هي تفاصيل المقترح الأمريكي الجديد للهدنة في غزة؟    اهتمام غير متوقع.. دي خيا مرشح للعودة إلى مانشستر يونايتد    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    طالب يخفي لوحات سيارته للهروب من المخالفات.. وتحرك عاجل من الداخلية    "الصحة" تعقد اجتماعًا لبحث مستجدات "زراعة الأعضاء".. واستعراض "حالة استثنائية"    قرار جديد من محافظ الوادي الجديد بشأن سن القبول بالمدرسة الرسمية الدولية    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    سموتريتش يتضامن مع عضو بالكنيست بعد منعه من دخول أستراليا    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    بداية التعاملات .. ارتفاع الذهب 20 جنيها فى مصر.. وحركة ملحوظة فى الأونصة وعيار 21    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    أرباح "أموك" للزيوت المعدنية ترتفع طفيفا إلى 1.55 مليار جنيه في 6 أشهر    "نفسي ابقى أم".. اعترافات المتهمة بخطف طفل في مستشفى الوايلي    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    بعد رحيل تيمور تيمور.. شريف حافظ: الموضوع اتكرر كتير    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    المفتي يوضح حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود    برلماني: هل تمتلك "الزراعة"خطة واضحة لرفع كفاءة الإنتاج تكنولوجيًّا؟    مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا    غلق 152 من المحال لعدم الالتزام بقرار الغلق ترشيدًا للكهرباء    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    إصابة 14 شخصا إثر حادث سير في أسوان    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    «الصحة» تكشف عن 10 نصائح ذهبية للوقاية من الإجهاد الحراري    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ أحمد الشريف: البيان الكاوي لتلبيس القرضاوي
نشر في البديل يوم 04 - 09 - 2013

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد
فقد اطلعت على مقال لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بعنوان " ردود علمية على الشيخ أو الجنرال علي جمعة " و قد لاحظت أن هذا المقال بني على ثلاثة أركان
1- الركن الأول : التعرض لشخص مولانا الإمام العلامة عمدة المفتين نور الدين علي بن جمعة بطريقة الشيخ القرضاوي الخطابية المعتادة و هذا لا حاجة للرد عليه فكما أعلم و يعلم كافة الناس فقد تصدق مولانا الإمام بعرضه منذ سنين على كل ساب و طاعن .
2- الركن الثاني : إبداء مواقف سياسية بحتة يعتقدها الشيخ القرضاوي و يروج لها منذ مدة و يوالي في سبيلها من وافقه و يعادي من خالفه ، و قد ساق كلامه بطريقة غلبت عليها العاطفة و الاستدلال بما تميل إليه النفس دون استناد لوقائع و حقائق ، و كأن هذه الآراء السياسية للشيخ القرضاوي هي لب الدين و أساس القضية و هذا ما حذرنا منه مرارا إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين لا تجعلوا مشروعكم الحزبي و فكر الجماعة الاجتهادي "الذي لا سند من العلم لكم عليه و لم يوافقكم عليه أحد من العلماء الراسخين" لا تجعلوا هذا المشروع دينا توادون في سبيله من قَبِلَه و تنكرون على من ردَّه و لن أتناول في سطوري هذه الرد على مثل هذا الكلام مع العلم أنه يشكل العمود الفقري لمقال القرضاوي سامحه الله .
3- الركن الثالث : قام فيه الشيخ القرضاوي بمحاولة الرد بطريقة علمية على مولانا الإمام العلامة بارك الله فيه و هذا و الله و للأسف ما أحزنني و كشف الأمر بجلاء أمام عيني فما ذكره الشيخ القرضاوي تحت عنوان " وقفة علمية مع الشيخ علي جمعة " لم أشم فيه للعلم رائحة حتى أنكرت أن يكون الشيخ القرضاوي هو كاتب هذه " الوقفة " كما سماها لكن أكد لي بعضهم أن القرضاوي هو فعلا من قام بكتابة هذه الكلمات فازداد حزني و لكني تذكرت سن الشيخ و تأثير ذلك على ملكته العلمية التي عهدناها عنه على مر السنين من خلال ناتجه العلمي المبارك .
لذلك كله رأيت أن أنبه الشيخ القرضاوي و إخواني في الله من المؤيدين و المعارضين أن هذا العلم دين و من أراد أن يقف على الحكم الشرعي في نازلة من النوازل فعليه أن يتبع المسلك العلمي مجنبا الخطابة و السياسة و هوى النفس فأقول و بالله التوفيق :
قد تعلمنا من شيخنا الإمام العلامة أن إثبات الحكم الشرعي في واقعة أو نازلة لابد أن يمر بخمس مراحل 1- التصوير 2 – التكييف 3- الحكم 4- التعليل 5- الاستدلال .
و قد جانب القرضاوي الصواب في كل هذه المراحل للأسف الشديد و كما قلت من قبل فإني ألتمس للشيخ العذر بسبب السن أسأل الله له دوام الصحة و العافية و ها أنا اشرع في المقصود و أبين ما وقع فيه الشيخ القرضاوي من غلط في كل مرحلة من تلك المراحل :
أولا أغلاط الشيخ في التصوير :
فلازم على كل مثبت لحكم شرعي من أهل الاختصاص الموقعين عن رب العالمين أن يتصور المسألة و أن يصورها لمن يتلقى الحكم عنه تصورا تاما كاشفا و أن يبين ذلك بجلاء و قد التبس الأمر على الشيخ القرضاوي فلم يراع هذا في " وقفته " العلمية فلم يقم القرضاوي سامحه الله بتصوير المسألة النازلة بطريقة علمية بل اكتفى بكلام إنشائي من قبيل : "كان الواجب على الشيخ علي جمعة أن يرى تلك الأزمة الحالكة، وهذا المنعطف الخطير، الذي تمر به مصر، فيؤثر الحق، ويقول الصدق.. يتكلم بما شهدت به آيات القرآن الصريحة، وبما نطقت به نصوص السنة الصحيحة. " انتهى كلامه .
فهل يعد هذا يا فضيلة الشيخ تصويرا لحقيقة النازلة ؟ أم لعل تعريضك بالإمام العلامة هو نوع تصوير فقهي للمسائل حيث قلت " لكن الشيخ الجنرال علي جمعة رمى كل من يخالفه الرأي، ويعارض الانقلابيين، فجعلهم من الخوارج، الذين يجب قتالهم، والبغاة الذين يتقرب إلى الله باجتثاثهم؛ مستغلا في ذلك عدم معرفة كثير من الناس لمعنى هذه الألفاظ، وإن وقر في قلوبهم بغضها، وتأكد في أنفسهم استبشاعها. " انتهى كلامه .
فلماذا لم تسق أيها الشيخ الجليل لنا الأحداث مجردة عن الهوى و عن خطابك الإنشائي الذي لا يتناسب مع مقتضى الحال في رد علمي على إمام جليل كالشيخ علي جمعة ؟ أم أن الهدف من وراء ذلك مداعبة عواطف الناس بغض النظر عن الوصول لحكم الشرع الشريف في المسألة ؟
ألم يكن حريا بك أن تكتفي بذكر الأحداث مرتبة ترتيبا زمنيا دقيقا كاشفا و مصورا لنا ما جرى ثم تبدأ لنا بتكييف ذلك تكييفا فقهيا ؟
ثانيا أغلاط الشيخ في التكييف الفقهي :
ثم تابع الشيخ سلسلة الأخطاء فبدأها بالغلط في اختيار عنوان تلك الفقرة من كلامه حيث عنون لجملة من كلامه بقوله " هؤلاء ليسوا بغاة و لا خوارج " و لم يوضح الشيخ لا في السباق و لا في اللحاق على ماذا يعود اسم الإشارة "هؤلاء" في العنوان الذي اختاره ، فهل قصد بذلك الجماعات التي تقاتل الجيش في سيناء ؟ أم قصد من يحملون السلاح في المدن و القرى ككرداسة و غير ذلك ؟ أم قصد من خرجوا للتظاهر حاملين المدافع الرشاشة و هجموا على أقسام الشرطة ؟ أم قصد من خرجوا يتظاهرون سلميا ضد ثورة 30 يونيو ؟ فكما هو واضح بجلاء أن من عارض الثورة المباركة ليسوا سواء و هذا ما قاله و كرره مرارا مولانا الإمام علي جمعة حتى مل الرجل من التكرار فإن أردت التكييف الفقهي العلمي يا فضيلة الشيخ القرضاوي فكان عليك أن تميز بين أقسام المعارضين للثورة و مما سبق يتضح لنا أنهم ينقسمون إلى أربعة أقسام :
1- من حملوا السلاح و خرجوا به على الأمة و كفروا المسلمين و قتلوا المسلمين و استباحوهم و هؤلاء جلهم في سيناء .
2- من حملوا السلاح و قتلوا الآمنين المسلمين و تحصنوا في قرى و أعلنوا انفصالهم عن الدولة "كرداسة نموذجا".
3- من حملوا السلاح و خرجوا به في مظاهرات و تترسوا بالمتظاهرين السلميين و هاجموا المنشآت و قطعوا الطرق ثم فروا بعد ذلك "ما حدث أمام قسم الأزبكية نوذجا".
4- من خرجوا للتظاهر السلمي تعبيرا عن رفضهم لنتائج ثورة 30 يونيو .
فكان لزاما عليك يا فضيلة الشيخ أن تفعل كما فعل العالم الإمام الشيخ علي جمعة من اتباع لمسلك العلماء في تكييف المسائل تكييفا فقهيا دقيقا و أن تطرح الهوى و اتباعه لنصرة شخصك أو حزبك السياسي ، فقد صرح مولانا بجلاء أن الرافضين للثورة ليسوا سواء و أن لكل قسم منهم تكييف خاص ينتج عنه أحكام خاصة لا تسري على باقي الأقسام .
ثم بدأ الشيخ في تلبيس الحق بالباطل فيقول "فالبغاة لهم شوكة ومنعة، وليس لهؤلاء شوكة ولا منعة ، وإنما هم أُنَاس عُزْل ، تلقَّوا بصدورهم العارية طلقات الأعيرة النارية ، وتمَّ إشعال النيران فى أجسادهم المطعونة، التي كان يجب مداواتها، فتم قتلها أو إحراقها." انتهى كلامه .
و هنا يحزن القلب و تدمع العين حينما أجد الشيخ يكذب و يصر على الكذب فما كنت أظنه يفعل ذلك أبدا فما ذكره هنا أراد به القسم الرابع من أقسام الرافضين للثورة و هذا القسم لم يوجه إليهم مولانا الشيخ علي جمعة أي نقد بل حاول أن يستوعبهم بشتى الطرق و لم يصفهم أبدا لا بالبغاة و لا بالخوارج فقام الشيخ القرضاوي بمحاولة للكذب على الشيخ و ادعاء أن مولانا الشيخ علي جمعة يرى هؤلاء المتظاهرين السلميين من البغاة و هذا افتراء واضح .
ثم يتابع افتراءه فيقول "وهؤلاء لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ ، ولا ترويع الآمنين ، فَيكون ُحكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ طَرِيقٍ ، فيواجهوا بالسلاح ، بل كانوا دعاة أمن وسلام." انتهى كلامه .
و هل قال مولانا الشيخ علي جمعة بقتال القسم الرابع من الرافضين للثورة أم قال بوجوب قتال القسم الأول ؟ و صور من القسم الثاني و الثالث ؟ فلماذا هذا الافتراء الواضح على الإمام العلامة ؟ و محاولة تصوير الأمر و كأن الإمام قد أفتى بأن المتظاهرين السلميين "القسم الرابع من الرافضين لنتائج الثورة" يجب قتلهم لأنهم خوارج و بغاة ؟؟؟ و لا أجد مبررا لذلك إلا الهوى و حب الانتصار للنفس و تقديم مصلحة الجماعة و الحزب على أحكام الشرع الشريف و قواعد البحث و المناظرة المحررة عند أهل العلم .
ثم يتابع الشيخ قائلا "والبغاة هم الخارجون على الإمام العادل القائم بأمر الله تعالى ، وليس الأمر هكذا هنا ، كما علم الجميع." انتهى كلامه .
و هذا كذلك من باب الغلط في التكييف الفقهي فمرسي لم يكن "إماما" بالمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء بل لعل أقرب تكييف فقهي لمنصب رئيس الجمهورية في زماننا هو "الإجارة" أو "عقد الوكالة" يقول الحصكفي في الدر المختار في باب الإمامة من كتاب الصلاة : " باب الإمامة : هي صغرى و كبرى فالكبرى استحقاق تصرف عام على الأنام " انتهى كلامه . و قد بين هذا المعنى ابن عابدين في حاشيته على الدر فقال : " و عرفها في المقاصد بأنها رياسة عامة في الدين و الدنيا خلافة عن النبي " . انتهى كلامه و صاحب المقاصد كما لا يخفى على أهل التخصص هو السعد التفتزاني الإمام .
فبالله عليك يا فضيلة الشيخ القرضاوي هل ينطبق تعريف هذين الشيخين "للإمام الاصطلاحي" أي لمنصب "الإمامة الكبرى" على الرئيس المعزول مرسي ؟ و هل بايعه الناس رئيسا عاما في في أمور الدين و الدنيا ؟ لا و الله بل لا يعدو منصب رئيس الجمهورية في مصر في زماننا بحسب التكييف المنضبط على قواعد الفقه على أن يكون "عقد إجارة" أو "عقد وكالة" فليتك راعيت تلك القواعد و لكن لا زلت أعذرك بسبب السن يا فضيلة الشيخ القرضاوي .
ثم يتابع الشيخ سلسلة أغلاطه في التكييف الفقهي فيقول "وهؤلاء الانقلابيون هم البغاة الذين يجب مناصرة الإمام بالتصدي لهم، كما قال الفقهاء : إذا اجتمع المسلمون على إمام، وصاروا آمنين به، فخرج عليه طائفة من المؤمنين، ولم يكن ذلك لظلم ظلمهم إياه، ولكن لدعوى الحق والولاية. فقالوا: الحق معنا، ويدعون الولاية، ولهم تأويل ومنعة، فهم أهل بغي، فعلى كل من يقوى على القتال مناصرة الإمام عليهم. قال ابن عابدين: ومن البغاة الخوارج". " انتهى كلامه .
و هنا يصدق على هذا الكلام قول القائل "رمتني بدائها و انسلت" فبعد أن أنكر على مولانا الإمام العلامة تكييفه الفقهي العلمي المحرر لكل من حمل سلاح و خرج به في وجه المجتمع و الدولة بأنه من البغاة كما هو معلوم عند كل العلماء ، ها هو الشيخ القرضاوي يحرف الواقع مجددا فيدعي أن من خرجوا في ثورة يونيو المجيدة كانوا بغاة و قد رأى العالم أجمع أن هؤلاء ما حملوا سلاحا و لا ألقوا حتى حجرا بل كانت مظاهراتهم سلمية و حشدهم هو الأكبر في تاريخ البشرية فهل يكونون بهذا بغاة يا فضيلة الشيخ ؟
و مما أحزنني بشدة نقل الكلام عن كتب أصحابنا الحنفية غير تام بما يؤدي إلى تحريفه عن مقصده فقد استدل بنص من حاشية ابن عابدين لم يتمه ليغير معناه و لم يذكر المصدر ظانا أن الله لن يكشف تحريفه و ها أنا أسوق كلام حاشية ابن عابدين بتمامه ليتضح الأمر بجلاء قال ابن عابدين في حاشيته شارحا لقول الحصكفي :
( قوله : وتمامه في جامع الفصولين ) حيث قال في أول الفصل الأول : بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين ، فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي ، وعليه أن يترك الظلم وينصفهم . ولا ينبغي للناس أن يعينوا الإمام ، عليهم ; لأن فيه إعانة على الظلم ، ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام أيضا ; لأن فيه إعانة على خروجهم على الإمام ، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم ولكن لدعوى الحق والولاية فقالوا الحق معنا فهم أهل البغي ، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين ; لأنهم ملعونون على لسان صاحب الشرع قال عليه الصلاة والسلام { الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها } فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد . فليس للإمام أن يتعرض لهم ; لأن العزم على الجناية لم يوجد بعد كذا ذكر في واقعات اللامشي ، وذكر القلانسي في تهذيبه قال بعض المشايخ : لولا علي رضي الله عنه ما درينا القتال مع أهل القبلة ، وكان علي ومن تبعه من أهل العدل وخصمه من أهل البغي ، وفي زماننا الحكم للغلبة ولا تدري [ ص: 262 ] العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا . ا ه . ط لكن قوله ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الإمام فيه كلام سيأتي . انتهى كلام ابن عابدين .
و بنقل الكلام تاما عن حاشية ابن عابدين يتضح تلبيس الحق بالباطل في كلام القرضاوي حيث اختار من الكلام ما يؤدي إلى فهمه الغريب فقد بين ابن عابدين بجلاء أن الناس إذا خرجوا على الحاكم لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي و عليه أن يترك الظلم و ينصفهم و أي ظلم للناس أكبر من تكفيرهم و سبهم في مؤتمر نصرة سوريا يا فضيلة الشيخ ؟ ألم يقل أحدهم ممن تراهم من كبار العلماء " الحمد لله الذي أحياني حتى رأيت رئيسا مسلما يحكم مصر " ؟ و مفهوم المخالفة معتبر في كلام الناس بإجماع العلماء و منهم الحنفية ألا يعني هذا كفر من سبق من رؤساء مصر ؟ و ألم يقل الآخر داعيا على من سيخرجون في المظاهرات ضد مرسي " اللهم اهزم الكفار و المنافقين يوم 30 يونيو " ؟؟؟ أليس هذا من باب تكفير الناس ؟؟ ألم يقل ثالثهم عن الشيعة بأنهم أنجاس فقتل الشيعة بعد ذلك بأيام قتلة بشعة لا يقرها الشرع الشريف و بغن النظر عن اختلافنا مع الشيعة فهل يجوز أن يتقلوا هكذا ؟؟؟ ألم ير الناس كيف يمنع الماء عن مصر بسبب فشل الرئيس ؟؟؟ ألم ير الناس المؤتمر السري و هو يذاع على الهواء مباشرة و تعرض كل أسرار الدولة للعالمين حتى أصبحنا أضحوكة بين الأمم؟؟ كل هذا و تنكر على الناس خروجهم بسلمية و بتحضر ضد هذا الفساد السياسي و الظلم و الاستبداد باسم الدين ؟؟
ثم يتابع الشيخ أغلاطه في التكييف الفقهي فيقول :
"والخوارج يوجبون قتال المسلمين، ويستحلون دماء أهل العدل، ويسبون نساءهم وذراريهم؛ لأنهم في نظرهم كفار. فالخوارج من خرج بالسلاح على الإمام العادل، وعلى من معه، مستحلين دماءهم وأموالهم. وهؤلاء لم يخرجوا بالسلاح على أحد، ولم يستحلوا دماء أحد ولا أمواله، ولا سعوا إلى سبي نساء مخالفيهم، حتى يوصفوا بذلك؛ بل هؤلاء يدافعون عن حقهم الذي سلبه: من خرج على الإمام بقوة السلاح، لذلك قلت: إن الذين خرجوا على الرئيس مرسي هم الخوارج." انتهى كلامه .
فوقع في نفس الخطأ حيث أبهم باسم الاشارة "هؤلاء" المعنى المراد و لم يبين أي قسم من الأقسام الأربعة يقصد فإن كنت تقصد القسم الأول ممن اعترضوا على الثورة و الذين حملوا السلاح في سيناء و قتلوا المسلمين و استباحوهم و "الذين دعوت مجاهدي العالم من باكستان و بنجلاديش و أفريقيا للانضمام إليهم" فهؤلاء ينطبق عليهم نص كلامك الذي نقلته فهم خوارج بلا أدنى شك .
و إن كنت تقصد القسم الثاني ممن حملوا السلاح و تحصنوا بكرداسة و غيرها فهؤلاء أيضا ينطبق عليهم نص كلامك أو هم بأقل حال من البغاة .
و إن قصدت القسم الثالث ممن حملوا السلاح و قطعوا الطرق فهؤلاء لم يقل عنهم الإمام العلامة الشيخ علي جمعة أبدا أنهم خوارج بل التكييف الفقهي الأقرب لوصف فعلهم هو مفهوم "البغي" و قد بين مولانا الإمام أن هؤلاء لا يجهز على جريحهم و لا يقاتل الفار منهم سواء بسواء كالخوارج .
و إن قصدت القسم الرابع ممن خرجوا معترضين بسلمية فهؤلاء لم يقل مولانا الشيخ علي جمعة أبدا عنهم لا خوارج و لا بغاة و إنما هم مخدوعون بأمثالك ممن يلبسون الحق بالباطل و حسبنا و الله و نعم الوكيل .
ثالثا أغلاط القرضاوي في الحكم و التعليل و الاستدلال :
كما هو معلوم عند أهل العلم فإن الحكم على الشئ فرع عن تصوره و إن كان القرضاوي لم يتمكن من تصور الواقع و لا أراد أن يكيفه وفقا للقواعد الشرعية المرعية عند علماء الفقه و الأصول فمن البدهي أن يخطأ في الحكم و التعليل و الاستدلال فما بني على باطل فهو باطل و هذا واضح و جلي في "وقفته العلمية" كما سماها و قد أخطأ في مواضع كثيرة ، و لا يتسع المقام هنا أن أذكر كل ما وقع فيه من أغلاط ، و لكن هالني أنه قام بالافتراء على الشيخ العلامة علي جمعة فيقول :
"ومما حاول الجنرال علي جمعة أن يوهم الناس بأنه إجماع المسلمين، وقول كافة المذاهب بأن شرعية الرئيس مرسي قد انتهت بتغلب الجيش، ليس من الأمانة العلمية؛ بل جمهور العلماء على غير ما يقول. قال الماوردي: اختلف أهل العلم في ثبوت إمامة المتغلب وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته، وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار.
وفي قول للشافعية: يشترط لصحة إمامة المتغلب استجماع شروط الإمامة." انتهى كلام القرضاوي .
و أنا أعجب من قدرة الشيخ على الكذب و الافتراء فقد كذبه هنا مرتين :
الأولى : حينما ادعى بأن مولانا الشيخ علي جمعة حفظه الله قال بإجماع الفقهاء على شرعية السلطان المتغلب و هذا لم يذكره مولانا أصلا بل قال إن أغلب الفقهاء يرون هذا و هو الحق .
الثانية : عندما أخذ من كلام الماوردي ما يوافق مراده و طرح آراء جل علماء المسلمين في المسألة و كانت الأمانة العلمية تقتضي أن ينقل ما عليه جمهور العلماء و عليه عمل الأمة عبر القرون و من ذلك ما قاله الحصكفي في الدر : "و تصح سلطنة متغلب للضرورة " و ماقاله الشيخ عبد الغني الميداني في كتابه اللباب نقلا عن الخانية في كتاب السير " السلطان يصير سلطانا بأمرين بالمبايعة له و يعتبر في المبايعة مبايعة أشرافهم و أعيانهم و الثاني : أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره و جبروته فإن بايع الناس و لم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا فإن صار سلطانا بالمبايعة فجارَ "أي ظلم" : إن كان له قهر و غلبة لا ينعزل لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر و الغلبة فلا يفيد و إن لم يكن قهر و غلبة ينعزل اه " . انتهى كلام الشيخ عبد الغني الميداني رحمه الله .
و من أراد المزيد فإني أحيله إلى كتب أهل العلم من السادة الحنفية و المالكية و الشافعية و الحنابلة و من أراد واقع ماكان عليه عمل أهل الإسلام فليطالع كتب التاريخ عبر 14 قرنا من الزمان ، فعلى ما اختاره القرضاوي هنا لا تصح ولاية كل من صلاح الدين و لا قطز و لا بيرس رحمهم الله جميعا فقد تمكنوا من السلطة بالغلبة جميعا فيكون فتح بيت المقدس و صد المغول و الصليبيين واقع من سلاطين غير معتبرين شرعا ؟؟؟؟؟
ثم يواصل الشيخ أغلاطه في الحكم على الأشياء فيقول :
"بل إن ما قامت به أجهزة الدولة العميقة، وما أظهرته للإعلام، بما يطلق عليه حركة (تمرد) نوع من البغي، الذي ينبغي على المسلمين مواجهته، لذلك إذا تكلم جماعة في الخروج على الإمام ومخالفة أوامره، وأظهروا الامتناع، وكانوا متحيزين متهيئين لقصد القتال، لخلع الإمام وطلب الإمارة لهم، وكان لهم تأويل يبرر في نظرهم مسلكهم دون المقاتلة، فإن ذلك يكون أمارة بغيهم." انتهى كلام القرضاوي .
و هنا يتضح بجلاء خطأ القرضاوي في إثبات الحكم الشرعي و اختياره الحكم بالهوى و بالرأي السياسي و شتان بين حكم الشرع و رأي السياسة الحزبية المنتنة ، فكما هو معلوم أن أنظمة الحكم قد تطورت تطورا كبير في العالم كله من بعد الثورة الفرنسية و استتبع ذلك ظهور مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل تحتاج لتكييف فقهي يتناسب مع واقع الناس في زماننا ، و من ذلك تكييف منصب رئيس الجمهورية الذي تعرضانا له آنفا ، و كذلك ما أسميه "ولاية المؤسسات" فللمؤسات ولاية شرعية اعتباريه تنوب في زماننا ولاية الأشخاص في تاريخ المسلمين فكما هو معلوم فإن القاضي كان يعقد عقد النكاح في التاريخ الإسلامي نيابة عن "الإمام" و المراد بالإمام هنا "الإمامة الكبرى" التي ذكرنا تعريفها في الفقه الإسلامي من قبل ، و في زماننا صار هذا العمل غير متوقف على شخص من الأشخاص بل صارت المرجعية فيه إلى شرعية الدولة ذاتها فهل تتوقف مثلا أنكحة المسلمين في الفترات الانتخابية التي لا يكون للدولة فيها رئيس و لا حاكم؟ أم يكفي أن تقوم بذلك المؤسسة المنوط بها مراعاة هذا الشأن؟؟
فأعجب أن يتغافل القرضاوي عن هذا كله و يشنع على ولاية الدولة و مؤسساتها و شرعيتها و كل ذلك من أجل بقاء رئيسه و حزبه و جماعته في السلطة و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
و بعد فهذا ما سمح به القلم و انتهضت له الهمم ، و إن لي في الذب عن الحق ألف همة و همة ، و لن أسكت عن نصرة الحق مادمت حيا ،نفاقا للجماهير أو للسلاطين ، و قد وقفت في وجه الطغيان في عز جبروته و خرجت معترضا على طغيان مبارك لما رأيت ظلمه فلا يظنن ظان أني أقول ما أقول تعصبا لشيخي الذي هو لي أحب إلي من الأب و الأم و الولد ، أو أنني أتملق ذو سلطان زائل أو أسعى لمال فانٍ ، لا و الله بل هو الحق الذي ليس فيه ارتياب و لا يخطأه كل من أراد الصواب .
و الله أعلم و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم و الحمد لله رب العالمين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.