أثار وصف قتلى الثورات العربية بالشهداء ووصف الحكام بولاة الأمر الشرعيين أو بعكس هذه الصفات أسئلة عن مفهوم الشهيد والحاكم، كما أثار إشكالات أخرى فقهية وسياسية تتعلق بطبيعة الفعل الذي يقوم به المحتجون هل هو جهاد أو خروج على الإمام وما يترتب عليه. وعالج هذه الأسئلة الأستاذ المساعد بقسم التفسير في كلية الشريعة بجامعة الكويت الدكتور حاكم المطيري في فتوى موسعة استطاع أن يقدم فيها معلومات وآراء فقهية لحل هذا الجدل وتكييف ما يحدث في هذه الثورات من الناحية الفقهية.
وأثبت المطيري لقتلى الثورات العربية صفة الشهداء باعتبار أنهم إنما خرجوا لأحد أمور ثلاثة، إما لدفع ظلم واجهوه أو لإعانة مظلوم أو لتغيير منكر، واعتبر أن القتيل في كل هذه الحالات يعد شهيدا بإجماع علماء السلف من المسلمين.
وقال إن الخلاف على شهادة من قتل من المحتجين قصارى الأمر فيه هل هو كشهيد المعركة لا يغسل ولا يكفن أم أنه كشهيد الهدم والغرق الذي يغسل ويكفن، ورجح أن من قتل منهم في المظاهرات وبرصاص الأمن شهيد معركة.
واستغرب المطيري أن يتحامل بعض المفتين -دون أن يسمي أحدا منهم- على هؤلاء ويصفهم بأنهم من الخوارج والحرورية، ويعتبر أن من سفك دمه منهم إنما "مات ميتة جاهلية".
ولم يميز المطيري في منح صفة الشهيد بين من قتل في معارك ضد النظام ومن قتل في مظاهرات سلمية، واعتبر أن المحتجين عندما يخرجون على الحاكم فيقاتلهم يكون تكييف الأمر هو أن فئتين من المسلمين اقتتلتا، والباغية منهما هي الظالمة التي سلبت حقوق الآخرين، وبالتالي يجب قتالها ونصرة من يقاتلها إذا أبت الصلح.
ورأى المطيري أن من يصف المحتجين الذين خرجوا دفاعا عن حقوقهم ومظالمهم بأنهم خوارج وحرورية هم أولئك الدعاة والمفتون الذين "حالفوا الحكام على حساب حرية الأمة وكرامتها وحقوقها" عوض أن "يأخذوا بالعزم ويجاهدوا الطاغوت" أو يعتزلوا كما أمر الله في قوله "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار".
وأبدى استغرابه أكثر لاعتبار هؤلاء الدعاة -كما سماهم- أن الحكام العرب ولاة أمر شرعيون داخلون في قوله تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، مشددا على أن الشرط في الطاعة أن يكون الإمام مطيعا لله في الرعية وأن يكون "منها" أي من أهل الإسلام والإيمان، حسب تعبيره.
وعاد المطيري إلى بيعة المكره وقال إنها غير ملزمة، ونبه إلى أن الشرط في وجوب الدخول في البيعة على الفرد هو إجماع الأمة على إمام واحد، واحتج لذلك برفض عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية أن يدخلا في بيعة أي من ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، مشترطين أن يجمع الناس على إمام واحد.
واحتج كذلك برد أحمد بن حنبل على من سأله عن الحديث "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، فقال "أتدري من ذاك، ذاك الذي يقول المسلمون كلهم هذا هو الإمام"، وفي رواية أخرى قال أحمد "أتدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع المسلمون عليه كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه".