* يسأل سيد محمد أبوالجود من بورسعيد عن عقوبة أهل البغي وقتالهم؟ ** يجيب د. محمد بكر إسماعيل: حرم الله البغي بكافة صوره وأمر بالعدل والإحسان في كل شئ. قال تعالي "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفشحاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون". والكلام هنا عن البغي فيه بعض صوره لا عن جميعها. فإن صور البغي لا تكاد تنحصر. وما نتكلم فيه هنا من الأحكام يدور حول قوله تعالي: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين". هذه الآية قاعدة تشريعية عملية لصيانة المجتمع المؤمن من الخصام والتفكك بسبب الأهواء الجامحة والنزوات الطائشة. والتيارات المنحرفة والحمية الجاهلية والعصبية الطاغية. وتحقيق الأمن والسلام بين الناس علي أساس سليم من العدل المطلق والمساواة التامة في سائر الحقوق العامة. يأمر الله في هذه الآية المؤمنين إن وقع قتال بين طائفتين منهم لأي سبب من الأسباب أن يصلحوا بينهما بفض النزاع وإزالة الاشكال. وردهما إلي حكم الله تعالي. وتذكيرهما بما يترتب علي استمرار النزاع من عواقب وخيمة لا يدرك مداها ومعظم النار من مستصغر الشرر. كما يقولون. فإن بغت إحداهما علي الأخري واستمرت في بغيها ولم تقبل الرجوع إلي أمر الله تعالي وجب علي المؤمنين غير الطائفتين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية حتي ترجع إلي أمر الله كارهة صاغرة. وأن أبت كلا الطائفتين الرجوع إلي أمر الله تعالي بالحجة والموعظة الحسنة أجبرتا علي ذلك ولو بقتالهما. وذلك حقنا لدماء الأبرياء. وصيانة لأعراض النساء ومحافظة علي وحدة الأمة وسلامتها من التفكك والانهيار. والضعف والانحلال فإن النزاع ولا شك من أخطر أسباب الفشل والانحطاط. فإن رجعت الطائفة الباغية إلي أمر الله تعالي ترك المحايدون قتالهم ومشوا في الصلح بينهما بالعدل دون تحيز أو جور. فالله حكم عدل يحب العدل ويأمر به ويبغض الظلم وينهي عنه. ويؤخذ من الآية فوق ما ذكر في بيان معناها ما يأتي: 1 استدل البخاري وغيره كما يقول ابن كثير في تفسيره علي أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وأن عظمت. لا كما يقول الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم. دلت هذه الآية علي أن نصرة المظلوم وتخليصه من بغي الظالم. ونصرة المظلوم وتخليصه من ظلمه الذي هو سبب في شقائه وهلاكه في الدنيا والآخرة من الواجبات. وقتال الطائفة الباغية كما يقول القرطبي في تفسيره فرض علي الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين. ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن نصرة علي كرم الله وجهه كسعد ابن أبي وقاص. وعبد الله بن عمرو. ومحمد بن مسلمة وغيرهم. وأقرهم علي ذلك علي رضي الله عنهم واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر فقبله منه. ويروي أن معاوية رضي الله عنه لما أفضي إليه الأمر. عاتب سعداً علي ما فعل. وقال له: إنك لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين اقتتلا. ولا ممن قاتل الفئة الباغية. فقال له: ندمت علي تركي قتال الفئة الباغية. فتبين أنه ليس علي الكل تبعة فيما فعل. وإنما كان تصرفاً بحكم الاجتهاد وإعمالاً بمقتضي الشرع والله أعلم. إذا خرجت طائفة من الناس علي الإمام الذي اختاره المسلمون بغياً وعدواناً وجب علي المسلمين أن يعينوا الإمام علي قتالهم حتي يردوهم عن غيهم أو يقطعوا دابرهم صيانة لوحدة الأمة وأمنها. والخارجون علي الإمام أقسام. ولكل قسم أحكام تتعلق به لا حاجة لذكرها هنا.