أفهم أن يخالف ويختلف الإنسان فى رأيه فى موضوع ما، ولكن أن يشوه عن عمد إنجاز تاريخى وأن ينبرى للدفاع عن رأيه محطماً كل الأعراف والآراء بل والحقائق المُجمع عليها .. فهذا الأمر أراه غريباً وممجوجاً بل وربما يكمن ورائه غرض ليس بالضرورة خالصاً لوجه الحق والحقيقة. أكاد أجزم أن هناك الكثيرين غيرى يكنون كل الإحترام والتقدير للكاتبة “لميس جابر”، لكن حلقتها فى “يا مسهرنى” على دريم تو مع المذيعة “إنجى على” التى لا تصلح سوى لبرامج الأطفال .. هذا إن صلحت من الأساس كمذيعة! وبقدرة قادر تحول برنامج المنوعات إلى برنامج سياسى فج .. تظل تتساءل طوال فترة مشاهدتك له: من وراءه؟ إنبرتا الإثنتان فى الدفاع بشكل مستميت وغامض عن النظام القديم، كانتا تبكيان على مصير حفيد الرئيس المخلوع الذى خسر سنة دراسية من عمره، – بالمناسبة كلاهما المذيعة والضيفة لم تكلفا نفسهما عناء التحري وراء الخبر لتعرفا أنه ليس حقيقيا بل ان وزارة التربية والتعليم نفسها قامت بنفي الخبر وقتها- غاضين الطرف عن الشهداء الذين قتلوا بيد قناصة وجهوا رصاصاتهم الآثمة مباشرة إلى قلوب ورؤوس أناس لم يرتكبوا من ذنوب سوى التعبير عن آرائهم، بل أن منهم أطفال ومراهقون كاونوا يشاهدون أحداث موقعة الجمل من شرفات المنازل لا أكثر ولا أقل، و آخرون ممن فقدوا البصر نهائياً بعد أن كانت عيونهم هدفاً لقناصة من نوع آخر صدرت لهم أوامر بفقأ العيون وفقط، تكلمت لميس عن الحرية التى كانت تنعم بها ككاتبة فى ظل النظام الجائر والآن مدى تخوفها من الكتابة فى بعد “أحداث يناير” ، نعم كانت تقول “بعد اللى حصل” فى إشارة واضحة لتسفيه أعظم ثورة شعبية، فإذا كان هذا منظورها، فلا غرابة أن تستهزىء وتقلل بل تمحو هذه الثورة من الأساس. إنبرت فى الدفاع عمن تم سجنهم بتهم مالية، وخرجوا سالمين، متسائلة :”ألسنا مدينين لهم بإعتذار؟” وكانت تتكلم تحديداً عن مفيد شهاب. وأنا هنا أوجه لها سؤالاً، كم تساوى جرائمه المالية مقابل إفساده للحياة السياسية فى مصر؟ مقابل تفصيل قوانين كانت تصدر ليلاً ليتم التصديق عليها صباحاً بالإجماع فى مجلس الشعب المشبوه؟ ترى ماذا يساوى فى رأيها وهى التى تتكلم وتتنفس سياسة ثمن تزوير إرادة شعب؟ إنه وأمثاله يحملون بجدارة تهمة البِغاء السياسى وخيانة المصلحة العليا للشعب الذين حلفوا اليمين للعمل من أجله والحكم باسمه. يقولون أن “مصر فوق الجميع” وأنا هنا أتسائل ماذا تعنى مصر هنا سوى الشعب؟! فهل تفهم سيادتها أن مصر هى النيل والمبانى والطرقات؟ أم الطبقة الحاكمة والبطانة الفاسدة؟ ربما هى الأولى أو الثانية “الغير فاسدة” من وجهة نظرها، وفى الحالتين تغفل المعنى الحقيقى للكلمة، وهى “الشعب” ولا شىء آخر. إنه الشعب الذى ظل مقهوراً خائفاً جائعاً محروماً من أدنى مقومات الحياة الكريمة فى ظل وزراء مليارديرات كانوا يرون أن ستمائة جنيهاً أكثر من كافية لقيام أود أسرة مكونة من أربعة أفراد ليأكلوا ويشربوا ويدرسوا ويعالجوا بها !!!! رأت أن من جلسوا فى بيوتهم -وكانت من ضمنهم- ربما يكونون أكثر وطنية ممن نزلوا التحرير معرضين أرواحهم للقتل! وأنا هنا لا أزايد على وطنية أحد، لكن من المنطق والعدل ألا نستهين بما فعله من أقام ثمانية عشر يوماً كاملة يدافع عن إرادة الشعب، ويحرس الثوار العُزّل ضد مغول موقعة الجمل، بالأطباء الذين أنشأوا مستشفى ميدانى يستقبلون ثواراً يذهبون إليهم مجروحون ثلاث مرات فى اليوم، فى كل مرة يتم تضميدهم ليذهبوا ثانية لإستكمال مهمتهم الوطنية وربما يعود بعضهم فى آخر مرة جثة هامدة بعد أن ينال الشهادة، بأناس لم يكونوا يهتمون أو حتى يعرفون معنى السياسة، وأصبحوا بعد زيارة أو زيارتين للميدان من أكبر السياسيين بعد أن إختلفت حياتهم وأولوياتهم مائة وثمانون درجة عما كانت عليه. كان ينبغى أن أفهم أن من صورت الملك فاروق فى مسلسلها الذى حمل نفس الاسم ملاكاً بلا أية خطيئة – وأنا بالمناسبة أحبه وأحترمه وأجد أنه ظلم ظلماً بيناً، خاصة حين مقارنته بالمخلوع وحرصه على مصر والمصريين أكثر منه وإيثاره للخروج منها بحقيبة ملابسه وبدون إراقة نقطة دماء واحدة وهو الألبانى وليس المصرى الذى نهب قصر ومتاحف عابدين عن آخرها والتى كانت تضم مقتنيات الأسرة العلوية – قادرة على خلق أكثر من ملاك بلا أية بينة، فقد إنبرت فى الدفاع عن فاروق، والسادات، وبالطبع الرئيس الخائن مبارك، والوحيد الذى أفلت من هذا التصنيف النورانى كان عبد الناصر، الذى حينما تكلمت عن هزيمة 1967 ، نستطيع أن نجده بسهولة فى خانة الشيطان، فهى تصنف الرؤساء فى خانتين لا ثالث لهما إما أبيض وإما أسود، مبتعدة فراسخاً عن النقد الحيادى والعلمى. إستنكرت الكاتبة محو اسم مبارك من أى مشروع أو كوبرى أو مبنى، وقالت كيف نرفع اسمه من محطة مترو الأنفاق وهو الذى أنشأه؟! متناسيه أن ما حدث يوم 25 يناير هو ثورة شعبية حقيقة وأن ما يحدث بعدها يسمى شرعية ثورية تمنح للثوار الحق فى محو كل رموز الطغيان والخيانة إن أرادوا، وأن الخديوى سعيد على سبيل المثال على الرغم من أنه هو من أمر بحفر القناة، لم تسمى باسمه، لأن التاريخ لم ينس للآن وحتى قيام الساعة أنه هو من منح حق إنتفاع لمدة 99 عاماً للفرنسيين لإستغلال موارد القناة التى حفرها آلاف المصريون بالسخرة والدم. ولى هنا أيضاً سؤال آخر، هل معنى أن عبد الناصر الذى أنشأ القطاع العام أن تسمى كل المصانع باسمه (وهذا ما كان يحدث أيام المخلوع مبارك)؟ وهل الرئيس الذى ينشىء شيئاً ما – وهو وضع طبيعى وليس تفضلاً منه على الشعب- أنه ينشىء هذا المصنع أو تلك المؤسسة فى عزبة السيد الوالد، فيصبح من حقة ختمه بخاتمه ؟! إن كانت سيادتها تأسف لحال مصر الآن وترى أن الثورة جاءت بالدمار والخراب وتقييد الحريات، فيبدو أنها لم تقرأ التاريخ جيداً لتعرف أن الثورة الفرنسية -على سبيل المثال وليس الحصر- استمرت عشرة أعوام مرت فيها بثلاث مراحل، وأن فرنسا لم تصبح القوى العظمى التى نراها الآن بعد ثورتها مباشرة، بل بعد سنوات طوال، وأنها مرت بجمهوريتين حتى تصل إلى ما هى عليه حالياً. نحن فى مرحلة إنتقالية صعبة ومريرة لكن لا بد منها كى تعتدل رمانة الميزان، وهذا هو الثمن ويستوجب دفعه إن أردنا مجتمع أفضل، ولم نسمع عن ثمن مجانى لتقدم الشعوب والحريات. وبما أن الصدور حينما تمتلىء عن آخرها، وحتى إذا فعل أحدنا المستحيل لوئد ما تعج به، فإنها عادة لا تفلح فى طمس وطمر الخبيئة طويلاً، وها هى تسبقنا فى إتهام نفسها قبل أن نتهمها، بأنه يتم مهاجمتها وتخويفها وتخوينها، مشيرة إلى القائمة السوداء التى ضمت فنانين كثيرين. بل أننا نكاد نصل إلى لب الموضوع الذى حيرنى أنا شخصياً كمشاهدة طوال البرنامج، حينما منحت للإخوان حق الحكم – وهى ضدهم بالطبع- إن هم سددوا كل ديون التليفزيون، متناسية -عن عمد بالطبع- أن جزء كبير من هذه الديون هو الأجور الفلكية والتى كانت تصل إلى ثمانية مليون جنيه للممثل الواحد فى أى مسلسل وكان أولهم زوجها الممثل القدير “يحى الفخرانى” الذى إعتاد وإعتادت معه على أن يطل علينا كل عام فى عادة كانت تتمنى “إن ربنا ما يقطعها” على الشاشة الصغيرة فى مهرجان وسباق رمضان للدراما الزاعقة. ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وتكون من تبعات الثورة أن تٌقطع العادة هذه السنة كما تم من قبلها إلغاء معرض الكتاب وبعض المهرجانات الأخرى توفيراً للنفقات وإعتباراً لمجريات الأحداث، أى أن هذا من المفترض أنه وضع طارىء مراعاة للظروف الحالية، لكن ربما من تعود على شىء لا يستطع التخلى عنه بسهولة !! كم كنت أتمنى أن تظل الأستاذة لميس فى عيونى وعيون آخرين كما كانت دوماً، كاتبة مستقلة حيادية عادلة، من نسيج الشعب المظلوم الذى عانى طويلاً، كم كنت أتمنى أن استمع لحوار جرىء عقلانى لا يستخف بإرادة شعب ثار من أجل الكرامة والحرية، حتى الفرد البسيط منه والذى لم يحصل على أى قسط من التعليم، وحتى الذى لم ينزل إلى ميدان التحرير أو أية ميادين أخرى، وهم كُثُر ولهم كل الإحترام، كان على يقين من أن مبارك وحاشيته كانوا أكبر تشكيل عصابى فى التاريخ، وبأنهم دمروا مصر والمصريين كما لم يفعل أى مغتصب أجنبى من قبل، وبأن تهمتهم الحقيقة والوحيدة والتى تجُب كل ما وجه إليهم هى “الخيانة العظمى”.