لم تكن دموع الدكتور محمد البرادعي قبل أيام شيئا دخيلا على “العاشرة مساء”، فسوابق البرنامج في ذلك معروفة، ولا مشكلة في الأمر، فالبرامج، كالبشر، مزيج من البسمات والدموع، مادامت جزءا من واقعها المتقلب. المشكلة التي تخصنا نحن الذين نعيش خارج مصر ويفصلنا عن التوقيت المصري ساعتان زائدتان أننا نبكي مع منى الشاذلي أو ضيوفها ونحن نستعد للنوم، حتى أن بعضنا أصبح يخشى فخاخا تنصبها حين تستقبل أيا من ضيوفها ثم نفاجأ به يبكي، وإن لم يفعل، تبكي هي. بكت منى الشاذلي قبل ذلك أكثر من مرة .. إحداها قبل ثلاثة أعوام تقريبا في حضرة الإعلامي الكبير حمدي قنديل حين كان خارجا لتوه من تجربة مجتزأة، كالعادة، في تليفزيون دبي وقبل أن يلتحق لفترة قصير بقناة “الليبية”. كانت منى تسأله وقتها إن كان في إمكانه أن يعود إلى التليفزيون المصري، عاما أو خاصا، بعد توقف برنامجه “قلم رصاص” فكان رده سؤالا مستنكرا: ” هل تريدينني أن أنشر إعلاناً أنني أبحث عن وظيفة؟”. وكادت منى الشاذلي تبكي بعد ذلك مرات وهي تعرض شجون وشؤون الواقع المصري الآخذ في التداعي حتى كانت المكالمة الشهيرة مع الموسيقار الكبير عمار الشريعي في ذروة الثورة وهو يسأل الرئيس السابق بكل عمل فني جميل قدمه له أن يرحل. وقتها بكى كل المتحلقين حول شاشة “دريم” في العالم من فرط صدق عمار وبقدر النار المشتعلة في كل القلوب وأصبحت المكالمة في اليوم التالي بكائية يتشارك فيها كل المبحرين في الإنترنت. لم تمض أيام حتى كنا على موعد جديد مع البكاء بغير مقدمات. كان وائل غنيم يتحدث بعد الإفراج عنه وقبل رحيل مبارك بساعات يحكي ما جرى معه وأجزاء من قصة الثورة ، ولم يكن من منى الشاذلي إلا أن باغتته بصور رفاقه الذي سقطوا شهداء فباغتها هو بعد كلمات قصيرة بدمع سخين لم يحتمل معه البقاء على الشاشة واختتم الفقرة قائلا ” لازم أمشي” وتبعته منى الشاذلي. لم تكف منى عن الاستجابة لغواية البكاء التي تتملكها فتندفع خلفها ونحن معها حتى لو لم تكن المقدمات تنبيء بهذا. هل تصور أحدكم أن يبكي البرادعي، وعلى الهواء ؟. فعلتها منى الشاذلي وأنزلت الرجل من علياء تاريخه الدبلوماسي والدولي وعمره ، وبعد أن استدرجته في حديث معتاد عن رؤيته للمرحلة المقبلة في مصر بعد 25 يناير، عادت به فجأة إلى 25 يناير لتلقيه في أتون جمعة الغضب وحصاره مع الآلاف في ميدان الجيزة . حكى الرجل بهدوء بعضا مما جرى وعبر عن فخره بأنه أول حملة نوبل الذي حوربوا بالمياه الساخنة والقنابل المسلة للدموع وهو يبحث عن الحرية. مازحته منى الشاذلي حول هذه الريادة الفريدة من نوعها المتعلقة بضربه، وكان من الطبيعي أن تكتمل المزحة بابتسامات متبادلة، لكن دموع الرجل سالت فجأة وعلق “عمرنا ما هننضرب تاني”. أثق إلى حد كبير في أننا “عمرنا ما هننضرب تاني”، لكن من يحمينا من ضربات منى الشاذلي الموجعة ومفاجأتها الباكية بين حين وآخر؟. لا ضير من البكاء، فكلنا يبكي وفي الغالب منفردا، لكن لماذا تصر هذه السيدة أن تبكينا جماعة؟. إن منى الشاذلي أصبحت خطرا على قلوبنا التي هرمت ونحن في شرخ الشباب وبقي قلب مبارك الذي تجاوز الثمانين محتفظا بحيوية شاب في الثلاثين، فاحذروها.