ظل الرجل يجوب كل أبواب الجهات الحكومية بحثا عن مخرج له، والنتيجة أنهم أغلقوا كل الأبواب في وجهه لدواعٍ واهية، فتارة تحت مسمى أن النحت كفر، وتارة لأسباب روتينية، ولهذا يشكو"علي عبد المنعم أحمد" أحد النحاتين المصريين بالسويس، والمصنف عالميا في قائمة نحاتي العالم التابعة لليونسكو، ليكون رقم 10 على مستوى مصر، وفي النهاية محروم من العمل. اختار "علي" أن يعمل بالنحت وترميم الآثار منذ صغره، إذ احترف صناعة المشغولات والتماثيل الأثرية، حيث بدأ في حرفة النحت عن طريقه عمله في بعض القرى السياحية في الغردقة وفي شرم الشيخ، كما أنه سافر لعدد من الدول بطرق غير شرعية لتعلم فن النحت وفتح طرق سوق للعمل هناك، وأمضى فترة من عمره بين اليونان وإنجلترا وإيطاليا والمغرب ولبيا والأردن، وعاد منها محملا بخبرات مختلفة عن فن النحت مرحَّلا إلى مصر. يقول: إنه يستطيع النحت على الجرانيت والرخام والذهب والفضة والماس، وأي خامة أخرى وجدت علي الأرض، كما أنه قام بعمل أكثر من 150 قطعة فنية، وأعلن تحديه لعدد كبير من النحاتين العالميين بنحت تمثال أكبر من 100 متر، أو نحت مجسم لأبي الهول أكبر حجما بخمسة أضعاف، ومع هذا لا يزال يرفض استخدام الميكنات الحديثة لأنها من وجهة نظره ليست طريقة حقيقة لعمل الفن. ذهب "علي" لمحافظة السويس لعرض الأمر على المحافظ السابق اللواء "سمير عجلان"، الذي وعده بوظيفة تليق بفنه، ثم وجد التسويف فقط، وهذا ما برره أعضاء حزب وفد السويس بأن المحافظ كان يرى النحت من الفنون المخالفة لشرع الله، فتوجه "علي" إلى متحف السويس القومي المؤجل افتتاحه لحين وجود من يقوم بترميم الآثار؛ ولكنهم رفضوه بالرغم من اعترافهم بحرفيته، لأنه غير حاصل على دبلوم صنايع زخرفية، فتوجه لوزارة الآثار وقسم الإنتاج النموذجي في القلعة أكثر من 20 مرة، وبالرغم من شهادتهم بحرفته وخبرته وشهادة خبرة بدرجة امتياز، ومع ذلك لم يهتم أحد به. قدم مشروعًا لمحافظة السويس لإقامة معرض يضم قطع أثرية من مختلف الحضارات التي مرت على مصر، ولكن فكرة المشروع لم تجد أي اهتمام، فقط طلب منه المسئولون بمحافظة السويس أن يقوم بتزيين 4 ميادين بالمحافظة عن طريق تماثيل لشخصيات تاريخية، ولكنهم - على حد قوله - حينما وصل الأمر لحساب التكاليف توقفوا عن الفكرة بحجة أن المحافظ لم يعتمدها. كما طلب منه المسئولون بقصر الثقافة إعطاء ورش عمل في تعليم النحت في مقابل 150 جنيه شهريا، مما يعتبر أقل بكثير من المواصلات دون النظر إلى تكلفة الخامات الغالية الثمن. حتى حقه في الورشة تم هضمه لمصلحة بعض غير الحرفيين، فقد طلبت المحافظة من أصحاب الورش في وقت لاحق ترك ورشهم في وسط المدينة مقابل إعطائهم ورش في المنطقة الصناعية الجديدة، ولأن ورشته كانت تسبب إزعاجًا للسكان حينما طلب من المحافظة إعطائه ورشة في المنطقة الصناعية، رفضوا بحجة أن وقت استلام الورش قد نفد، وعليه أيضا إغلاق ورشته في وسط المحافظة لأنها مخالفة وتزعج السكان. وفي النهاية يقول "علي": إنه لم يتزوج حتى الآن، ولكن إذا تزوج ورزقه الله أولادًا، فسيعلمهم أي حرفة أخرى إلا النحت؛ لأنه - على حد قوله - المهنة أصبحت صعبة الممارسة في مصر؛ "لأن الناس في مصر مبقتش عايزة فن".