أوضح المحلل السياسي "داليبور روهاك" في معهد "كاتو" الأمريكي للتحليلات السياسية أن الأزمة في الدول العربية التي تشتعل فيها الثورات ليست أزمة سياسية بل هي اقتصادية من الطراز الأول. وأوضح روهاك أن عدد الشباب الذي يتخرج ليبحث عن فرصة عمل في الدول العربية وخاصة في مصر كبير جدا، وحينما لا يجد هؤلاء الشباب عمل يسد احتياجاتهم واحتياجات أسرتهم يظل ساخطا على السلطة القائمة التي لا توفر له ذلك. وأوضح المحلل بالمعهد البحثي بواشنطن أنه بدون الحلول الاقتصادية، فإن منطقة الشرق الأوسط ستظل في فترة اضطرابات اجتماعية طويلة، حيث إن أغلبية المصريين الذين نزلوا لإسقاط الرئيس السابق حسني مبارك كان يحركهم عوامل الفقر ونقص الفرص الاقتصادية. ويضيف الباحث أنه للأسف مع الرئيس المنتخب محمد مرسي فشلت الحكومة في معالجة المشكلات الاقتصادية، بالإضافة إلى فشلها في حل مسألة الإنفاق غير الضروري والتنظيم الاقتصادي، ففي الأشهر التي سبقت إسقاط الرئيس محمد مرسي، فقد شهدت البلاد أدنى معد للنمو خلال العقدين الماضيين بالإضافة غلى ارتفاع البطالة والعجز في الموازنة العامة. وتابع " روهاك ": الغريب أن السياسيين والخبراء في منطقة الشرق الأوسط يعتبرون ان المشكلات الاقتصادية هي مشكلات ثانوية، وذلك بسبب اعتقادهم بأهمية المستقبل السياسي للبلاد، ففي القاهرة، يتم التركيز في المقام الأول على الصراع الغامض على السلطة والولاء والأيديولوجية. ويضيف الباحث أنه إذا بدأ الساسة في الدول العربية التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الجذرية أولا من أجل تحسين حياة المواطنيين العادي، فإن ذلك سيقود إلى استقرار سياسي واجتماعي، ولكن هذا يتطلب إقامة مؤسسات ديمقراطية من أجل الشروع في هذه الإصلاحات. ويرى الباحث أنه نتيجة أن مصر وبعض الدول العربية من أكثر الدول التي يزداد سكانها في العالم، لذا فإن عدد الشباب الذين يبحثون عن وظائف لتوفير احتياجاتهم ورفع مستواهم المادي في تزايد أيضا، وسوف يزداد أكثر خلال العشر سنوات المقبلة على الأقل، لذا فإن المنطقة العربية ستشهد فترة طويلة من الاضطرابات الاجتماعية إذا لم تلتفت الحكومات للإصلاحات الاقتصادية. وفي هذا السياق، يشير "روهاك" إلى أن البطالة بين الشباب في المنطقة العربية لا يزال يفوق 20%، بل هي تفوق ذلك بكثير، حيث إن الكثير من الشباب غير مدرجين في هذه الإحصاءات. وخلافا للاعتقاد الشائع بأن التعليم سيمنح الشباب وظائف أعلى وأكثر، إلا أن التعليم يزيد من تفاقم هذه المشكلة، فنسبة البطالة، في المغرب على سبيل المثال، بين الشباب الحاصلين على مستوى أعلى من التعليم تصل إلى 19,4% بالمقارنة ب 4% فقط بين الشباب الحاصل على مستويات تعليمية أقل. وعلى مدى العامين الماضيين، لم تتغير الأوضاع الاقتصادية للمواطنين كثيرا، خاصة في مصر التي تعاني من عجز في الميزانية يصل إلى 15% بالإضافة غلى الدين العام الذي يصل إلى 80% من الناتج المحلي، حيث تعتبر أساس المشكلات المالية في مصر على فشل الحكومات في تنظيم الدعم على المواد الغذائية ومواد الوقود، فتنفق الدولة ثلث ميزانيتها على هذا الدعم والذي تستفيد منه الشركات الكبرى والقطاعات الأكثر ثراء من السكان بخلاف المواطن العادي. ويضيف روهاك أن مصر وباقي الدول العربية ليس في حاجة إلى مساعدات خارجية بل إلى اصلاحات اقتصادية تخرجها من الأزمة، وذلك من خلال الانفصال عن الأيدلوجية السياسية، بالإضافة إلى قائد شجاع يستطيع تنظيم مسألة الدعم ووقف عملية النزيف في النفقات، وكذلك التركيز على عملية الانفتاح الاقتصادي وإلغاء العقبات المهمة التي تعرقل النشاط الاقتصادي، ولكن ذلك وفق رقابة جيدة.