رغم مرور كلّ ذلك الزمن، ما زال قلبها يدقّ، سليماً، بالنضال والحرية، ورغم تقدّم العمر (74 عاماً)، ووهن الجسد، إلّا أن ذاكرتها تأبى أن تغيّر طبعها الحديدي تعرف بسهولة كيف تواصل زحفها نحو نقاط مركزيّة في خريطة العمر، والدها عبد الحميد شوقي مقلد، الضابط الكبير والمثقّف«كان عازفًا رائعًا على العود، لو لم يجبره والده العمدة على الالتحاق بكلية الشرطة، لاشتغل عوّادًا بفرقة أم كلثوم». مناضلة بمعنى الكلمة تجسد شخصية المرأة المصرية المناضلة التي ظلت تدافع عن حريتها وعن حقوق الفلاحين، قال عنها الشاعر أحمد فواد نجم: يا شاهنده وخبرينا يا أم الصوت الحزين.. أم العيون جناين يرمح فيها الهجين إيش لون سجن القناطر إيش لون السجانين إيش لون الصحبة معاكي نّوارالبساتين.. هي المناضلة شاهندة مقلد -رئيس اتحاد الفلاحين وعضو جبهة الإنقاذ والناشطة السياسية والنسوية- لم تفوت فعالية، ومظاهرة إلا وتجدها في مقدمة الصفوف. تشعروأنت أمامها وكأنك أمام هدى شعراوي أو صفية زغلول فهي امرأة ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه عاصرت ثورة يوليو 52، وكانت وقتها ابنة 13 عاما ، وعاصرت ثورة 25 يناير شاركت في كل موجاتها، وناضلت في صفوف الفلاحين إلى جانب زوجها صلاح حسين ضد الإقطاع في قرية كمشيش، وكونا معا ثنائي الحب والثورة. واغتيل زوجها في 30 إبريل 1966 بيد الإقطاع في قريته كمشيش، وإلى اليوم وبعد مرورأكثر من 47 عاما تواصل دفاعها عن حقوق الفلاحين وعاهدت نفسها ألا ترتدي لونًا إلا الأسود حزنا على رفيق دربها. وبعد وقوع هزيمة يونيو 1967 تطوعت شاهندة ومعها 70 فلاحًا في صفوف المقاومة الشعبية، واعتقلت عدة مرات في عهد السادات وكانت من معارضي كامب ديفيد. كما اشتهرت في الأيام الماضية بمعارضتها لحكم الإخوان، وخرجت في المظاهرات الرافضة للإعلان الدستوري وقت حكم الإخوان واعتدى أحد أفراد الإخوان عليها وكمم فمها، وتواصل إلى اليوم مطالبتها بحقوق المصريين في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفي القلب منها حقوق الفلاحين. المناضلة شاهندة مقلد في حوار شامل ل"البديل".. وإليكم نص الحوار: بما أنك أحد مؤسسي اتحاد الفلاحين المصري، في رأيك ما أهم مطالب الفلاحين التي يريدونها في الدستور؟ نحن نريد دستورًا جديدًا قوامه متماسك، ولا نريد تعديلات، لكي نبدأ بداية صحيحة بدستور ينظم العلاقة بين الشعب والحكومة، وفيما يخص الفلاحين نتمنى أن ينص الدستورعلى ثلاثة حقوق في الملكيات، الملكية العامة والخاصة، والملكية التعاونية، وكذلك الحق في إقامة التنظيمات المستقلة، وأن تكون ثروات مصر الطبيعية ملك للدولة وأن يتم إنشاء مشروع قومي للاستفادة منه، فعلى سبيل المثال، الرمال البيضاء يتم بيعها بملاليم وتصدر لنا سيليكون. ومن الضروري أن يتضمن الدستور حقوق الفلاحين في "السكن، والعلاج، والطعام" ، وأن يوفر للفلاحين تعاونيات زراعية مستقلة تحت إدارتهم، ووجود خطة قومية تحدد الخطة الزراعية وعائد الدولة مع التسويق التعاوني. ما رأيك فيما وصلت إليه مصر حتى الآن، وإصرار أنصار "المعزول" على أنه عائد إلى منصبه لا محالة؟ الشعب المصري استطاع أن يعيد مصر"بهبته" يوم 30 لتصحيح المسار، وهذا شئ عظيم تحقق بوعي الشعب، وتحت حماية الجيش، لأن الشعب المصري إذا لم يشعر بقوة معه يصمت، وصمته لا يعني رضاه، وأنصارالمعزول "مش مصدقين نفسهم "، ويسيرون بمبدأ "اكدب اكدب حتى تصدق نفسك"، ويكفي أنهم قاموا بنسب الشهداء لأنفسهم، ويهاجمون المواطنين لدرجة أنهم تحولوا لعصابة. حق التظاهر والاعتصام السلمي مكفول، لكن الذي يتم الآن هو ترويع المواطنين، وعلى السلطة أن تتخذ موقفًا واضحًا، ولا تظل مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث، لأننا نريد دولة قوية بما يحمي حقوق الإنسان، ويجب أن يتم التعامل مع أنصار"مرسي" على أنهم خارجون على القانون. ما هي حدود ومعايير المصالحة الوطنية من وجهة نظرك ؟ أولًا: المحاكمات العادلة، فلابد من محاكمات عاجلة وعادلة لكل من ارتكب جريمة، ولا يجوز أن يوجد مصالحة مع من أجرم وقتل، لا يجوز أن "تصلح الديب مع الغنم"، وهذه لن تكون "مصالحة" بقدر ما هي استسلام. ولماذا ظهرت المصالحة الوطنية الآن ولم تظهر بعد سقوط "مبارك"؟ الإخوان تتلاعب بكل الأوراق، ويضغطون بكل ما أوتوا من قوة، والاستعانة بالخارج، وبينهم كثير من المغيبين، "الإخوان انكشفوا وسقطوا أخلاقياً" قبل أن يسقطوا سياسيًا، ويظنون أن الشعب غبي، ولكن هم الأغبياء. ما أكبر خطايا "مرسي" خلال عام من حكمه؟ الإعلان الدستوري، وأنا عندما سُئلت ما رأيك في البرلمان قلت "سيرحل كسابقه"، فضلاً عن محاصرة أنصاره للمحكمة الدستورية، واستهزائه بالقانون. وعندما تم مناقشة قانون العزل السياسي في مجلس الشعب قلت لعصام سلطان "كنا بنطالب أيام عبد الناصر بإصدار قانون العزل السياسي على الإقطاعيين، وعندما صدر القانون كنا 50 مناضلًا في قرية كمشيش معزولين، و قلت له:"انت يا عصام ستُعزل بهذا القانون وإياك أن تصدر قانونًا استثنائيًا". من المعروف أن توجهك اشتراكي، فما رأيك في تشكيل الحكومة والدكتور حازم الببلاوي المعروف بانتمائه الرأسمالية؟ نحن في مرحلة لا نطرح فيها الاشتراكية ولا الرأسمالية، نحن في سبيل تخليص الوطن المصري من الفاشية الدينية، وهو ما جعل القوى المدنية تتحد من أجل ذلك، ما نريده الآن بمشاركة كل القوى أن ننتقل إلى مجتمع ديمقراطي يتيح لنا جميعاً، أن نناضل من أجل أفكارنا وأحلامنا، من يريد أن يكون اشتراكيًا يناضل ويثبت نفسه، أو رأسمالياً يناضل، بعد وضع أساس مادي لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. كيف ترين تعامل الجيش مع ما يحدث في سيناء؟ أعتقد أن الجيش متواجد ويعمل، وأهيب بمنظمات حقوق الانسان أن يدافعوا عن حقوق الجندي والضابط لأنه إنسان، كما يافعوا عن حقوق الإخوان. وما تعليقك على اعتراف أوباما أمام الكونجرس بأنه صرف ملايين الدولارات على جماعة الإخوان المسلمين؟ هناك مثل في مصر يقول " إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه"، فالنظام يتميز بالكذب وتلوين الحقائق وفق مصالحهم، ويدعي أن النظام الحالى أصدر إعلانًا دستوريًا ظالمًا، مع أن الإعلان الدستورى الآن التزم بما وعد به الشعب، وهذا يلزمنا إلى احترام رغبة 30 مليون مصرى خرجوا إلى الشوارع، ولابد أن تبقى جماهير الشعب المصرى محتشدة فى كل الميادين مصرية للحفاظ على خارطة الطريق. هل تتوقعين عودة ما يطلق عليه "حكم العسكر" مرة أخرى مثلما حدث أيام المشير طنطاوى؟ الجيش المصرى هو جيش وطنى فى الأساس، وهذا الجيش ليس مرتزقة وإنما جيش كل الأبطال المصريين، أما من يسيئون للجيش فهم سذج أو غيرواعين. وما رأيك فى حزب النور واعتراضه على جميع المواقف التى تخرجها القوى الثورية؟ السلفيون لم يكونوا فصيلًا سياسيًا من الأساس، فهم فصيل دينى ، وكان عليه ألا يدخل فى اللعبة السياسية، فمن حق كل مصرى أن يختار من عقائدة ، ولكن لا يمكن أن يكونوا أداة من أدوات الإخوان، وأتمنى أن يبتعدوا عن هذا الموقف لأنهم فصيل دينىفى الأساس. كيف تتذكرين نضالك الثوري؟ أتذكره الآن حينما أرى كل الشباب الثورى فى الشوارع والميادين وفى المحافظات المصرية، فدم الشهيد صلاح حسين لم تضع هدرا. وقفتِ أمام سيارة"عبد الناصر" و"جيفارا" أثناء مرورهما من كمشيش، فما تفاصيل هذه الواقعة؟ كان "عبد الناصر" من المفترض أن يمر من أمام كمشيش ليتجه لمنزل "السادات"، بينما كنا ذاهبين للمطالبة بالإفراج عن ال50 معتقلًا سياسيًا فى كمشيش، وكنا نهتف نشيد كانت كلماته «سنين عزلونا عنك يا جمال..حرب مسعورة شنّوها علينا. بالدم غسلنا ذل الإقطاع»، وهذا لم يكن تأليف أحد إنما خرج هكذا من الميدان. وتتذكر "مقلد" وتغرغرعينها الدموع: وبدأ الأمن فى الاشتباك معنا، فى الوقت الذى جاء فيه موكب الرئيس وأثناء مرور موكبه، وقفت أمام السيارة، ووقف وقدم لنا التحية، وقتها سلمته الورقة التى نطالب فيها بالإفراج عن المعتقلين. وما وجه الشبه بين 23 يوليو و30 يونيو؟ هزيمة 48 شكلت للجميع جرح وألم ، ولكن الضباط الاحرار قرروا أن يحكموا مصر لتكون قوية، بعد أن رأوا تخاذل الملك وخيانته للجيش، واتفق تنظيم الضباط الأحرار على عزله، فكان ناصر والسادات وغيرهم يمثلون تيارات مختلفة ، لكنهم اتفقوا على السيطرة على الإقطاع وتحقيق مطالب الشعب. أما فى ثورة يناير، فالشباب بدأها والشعب تكاتف حوله، والجيش تبنى تظاهراته، ولكن بعد ذلك حدث عدم وضوح فى الرؤى بسبب خديعة الإخوان فى تلك الثورة، فأتمنى أن تتم محاكمات عادلة حتى يكتشف الشعب من خان الثورة من غيره. ماذا تقصدي بخديعة الإخوان؟ الإخوان تلاعبوا كتنظيم غير شرعى دولى مدرب على المؤامرات، وصعدعلى أكتاف شباب الثورة فى الوصول إلى الكرسى، وحينما وصلوا إلى الكرسى ظهر للشباب الخديعة الإخوانية، وأتمنى ألا نقع فى أخطاء يناير مرة أخرى، فعلى الشباب أن يعيد دراسة التجربة التى تم الوقوع فيها، فاعتقادى أن ما وصلنا إليه حتى الآن جيد. كيف تنظرين إلي ثورة يوليو الآن بعد سقوط حكم الإخوان؟ حين قامت الثورة كان عمرى 13 عامًا ، ولكننى تعلمت من معاركها أننا كنا نؤيد "عبد الناصر" لأنه زعيم وطنى قومى تمنى تحقيق أشياء كثيرة، ودائما الدولة أقوى من الثورة، وجهاد الدولة عطل عبد الناصر فى أشياء كثيرة، إلا أن ثورة 52 مهدت لأشياء كثيرة منها السد العالى، وتلك المرحلة هى مرحلة عظيمة فى تاريخ مصر، وعبد الناصر مازال حيا فى قلوب المصريين. - وجود الشباب فى الشوارع والميادين يذكرني بنضالي ودم الشهيد صلاح حسين لم يضع هدرا - أنصار المعزول يؤمنون بمبدأ "اكدب اكدب حتى تصدق نفسك" - الجيش المصري ليس مرتزقة وكل بيت مصري له مجند في الجيش..ومن يسيئون له سذج - حذرت عصام سلطان من قانون العزل وقلت له «سيأتي الدورعليك وتعزل بهذا القانون» - يا حماة حقوق الإنسان دافعوا عن حقوق الجنود والضباط مثلما تدافعون عن الإخوان