تصدرت هبة ملايين المصريين أحداث المنطقة في تحول تاريخي هو بمثابة اشهار لهزيمة المشروع الاستعماري الغربي الذي قادته الولاياتالمتحدة لإعادة ترتيب الهيمنة على المنطقة العربية تحت عباءة ما سمي بالربيع، ومن خلال الصفقة التي عقدتها الإدارة الأميركية مع قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي تعتبر إزاحته عن السلطة في مصر ضربة قاصمة للمشروع الأميركي برمته بعدما تكفل صمود سوريا باستهلاك وفضح جميع أدواته الرجعية والعميلة من حكومة الوهم العثماني حتى قطر والمملكة السعودية وما بينهما من تبع في لبنان و سواه! أولاً: بدأ انكسار المخطط الاستعماري لتجديد الهيمنة ولحماية أمن إسرائيل مع تجذر الصمود السوري في وجه الحرب العالمية التي قادتها أميركا بالشراكة مع إسرائيل وحكومات قطر والسعودية وتركيا ودول الناتو،وهذا الصمود ساهم في دفع الرأي العام العربي لاكتشاف حقيقة الإخوان وتنظيماتهم التكفيرية الإرهابية و فضح الدعاية الإعلامية الخادعة وأدواتها وهو الصمود نفسه الذي فرض كسر الأحادية الأميركية في العالم وأنهض أدوار كل من روسيا والصين ودول البريكس وإيران إلى واجهة المشهد الدولي رغم أنف الغرب وإسرائيل. منذ مطلع عام 2011 بات العدوان الاستعماري على سوريا محور حركة الإمبراطورية الأميركية ورغم ذلك صمدت الدولة الوطنية السورية بقوة شعبها وجيشها وبصلابة زعيمها الوطني المقاوم بينما المعسكر الإمبريالي الصهيوني الرجعي اعتبر تدمير سوريا أولويته المطلقة والحاسمة. إن الارتباك الأميركي الواضح أمام التحول المصري هو امتداد عضوي لارتباك استراتيجي كبير أنتجته هزائم المخطط الأميركي في سوريا والآتي أعظم. ثانياً: سعت قيادة التنظيم العالمي للإخوان واستطالاتها الإرهابية والتكفيرية إلى تنفيذ أجندتها لتصفية قضية فلسطين بعد إسقاط وضرب حلف المقاومة من خلال العدوان على سوريا وعبر إشعال الحرائق المذهبية لمحاصرة قوى المقاومة في المنطقة وبالتالي لخدمة إسرائيل وخصوصا في لبنان والعراق وسوريا. هذه الأجندة كانت ثمرة مقايضة تسلم الإخوان للسلطة بموافقة ودعم أميركيين وبالمقابل قدمت قيادة الإخوان خلال حرب غزة وبعدها برهانا حيا على تقيدها بحراسة الأمن الإسرائيلي وتوغلت بعيدا في السعي لأخذ قيادة حماس إلى مهالك التورط بالعدوان على سوريا وإلى السعي في مسار تصفية قضية فلسطين من خلال التكيف السياسي مع المشروع الاستعماري وهو ما برزت مؤشراته بقوة في مفاوضات القاهرة السرية وما سربه عنها الصهاينة كالعادة من غير ان يتجرأ أي قيادي حماسي على نفيها مما حرك جدلا داخليا خرجت بعض مفرداته إلى العلن. ثالثاً: حتى اللحظة الراهنة يلتمس زعماء الإخوان دعماً أميركيا يبقيهم في الحكم ومنذ ثورة 30 يونيو وهم يرفضون كل العروض ومشاريع التسويات و يثابرون على استدراج ضغوط أميركية وغربية على قادة الجيش ويحلمون بتدخل أميركي واستعماري مباشر لصد ثورة شعبية عارمة تسبب بها عام من وجودهم في الحكم وبعدما سقط قناع الديمقراطية الزائف عن وجوههم بدفع البلاد إلى دوامة عنف وإرهاب رداً على أرقى انتفاضة شعبية سلمية شارك فيها عشرات ملايين المصريين التي استنزفت طاقتها على التعايش مع حكمهم التابع للمستعمر والمذعن لإسرائيل والفاشل في جميع المجالات من ملف الشراكة الوطنية في الحكم إلى جمع النفايات مرورا بمعالجة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية بغير وصفات حسني مبارك المجربة و القائمة على تسول المساعدات والقروض الغربية والوقوع في شرك شروط البنك الدولي وصندوق النقد. آخر الأثمان التي قدمها الحكم الإخواني لشراء الدعم الأميركي كانت انخراطه في العدوان على سوريا في خطاب قطع العلاقات والدعوة للمشاركة في القتال ضد الدولة الوطنية السورية وحيث انطلقت التساؤلات في الشارع المصري يوم 30 يونيو عن مبررات قطع العلاقات مع سوريا وحراستها مع إسرائيل ودولة الاغتصاب التي يرأسها "الصديق الحميم" شمعون بيريز على حد وصف الرئيس المصري المعزول في حين أثار كلام مرسي عن ضرورة استعداد الجيش المصري للقتال في سوريا غضب القيادة العسكرية وقلقها لحسابات مصرية خالصة من كلفة تلك الورطة في مغامرة كارثية وخطرة. أيا كانت احتمالات التطور المرتقب للوضع المصري الذي يجتاز مخاضا صعبا ويواجه أخطاراً كبيرة لكن الأكيد أن ما حصل حتى الآن هو بداية لمرحلة جديدة سيكون لها الكثير من النتائج والانعكاسات التي ترسخ هزيمة مشروع تجديد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة بحكومات يتسلمها إسلاميون تابعون للغرب وينفذون أجندته وسيكون إشهار انتصار سوريا ونهوضها القادم بداية مرحلة تاريخية جديدة في المنطقة العربية بينما سيكتشف الوطنيون المصريون إلى أي حد كانت سوريا بشعبها وجيشها وقيادتها تدفع أثمانا مقدمة عنهم وعن مستقبل مصر وكل العرب. .