لا يوجد أدنى شك لدى كل من يتتبع الأحداث الجارية في صيدا أنّ العصابة التي يتصادم الجيش معها ليس لديها أي حس بالإنتماء للوطن أو المواطنة. ومن منا لا يذكر اليوم الوطني الذي تحرر به جنوب لبنان من الإحتلال الصهيوني في أيّار 2000. فما هي علاقة أحداث صيدا بنصر عام 2000 يليه نصر 2006 ثمّ النصر في معركة القصير 2013؟ يبدو أن ذاكرة بعض السياسيين في الداخل اللبناني لا تقوى على إدراك المجريات بواقعيتها إذ أنّها حتّى الساعة لم تعترف بإنتصار المقاومة الإسلاميّة على العدو الصهيوني. وقد يتوهم البعض أنّ العدو الصهيوني قد طوى هزيمته وتخلى عن فكرة هدم صورة حزب الله وإبادة شعبيته وجمهوره على حد سواء. وعلى سبيل الشاهد لا السرد لا زال رئيس أحد أقطاب 14 آذار يكرر كلمة السيد حسن نصرالله التي قالها في أحد خطاباته أنه لو كان يعلم أن خطف الجنود سيؤدي إلى مثل هذه الحرب لما أتت المقاومة على هذه الخطوة. ولم ينفك الزعيم المذكور يكررها دون أن يُدرك معناها وخاصة أنها أتت في سياق الكلام ولم تكن محوراً، وفي المقابل صرّحت "رايس" أنّ هذه الحرب كان معداً لها ضمن خريطة جديدة للشرق الأوسط. ولقد شهد العدو الصهيوني بنفسه على نفسه وشكّل محكمةً لمحاسبة قادته على الفشل الذريع ولا زال هذا الفريق يُحمّل حزب الله مسؤولية إندلاع الحرب. إن دعم إيران للمقاومة الإسلاميّة وكذلك الجمهوريّة العربيّة السوريّة لم يناسب بالطبع الدول الحليفة لإسرائيل كأميركا وبالتالي أحرجت المقاومة الإسلاميّة في إنتصاراتها كل حلفاء أميركا في الداخل اللبناني وكل الدول العربية التي تقاعست وتحالفت مع العدو، بل لقد قامت المقاومة الإسلاميّة بتعرية هؤلاء وكشف تآمرهم على الأوطان والشعوب وبالأخص الشعب الفلسطيني. وما تقاعسهم سوى طمعاً بمراكز الحكم والسلطة والمصالح الشخصيّة على حساب شعوبهم. هذا النصر أثار حنقهم وما نشاهده من إصرار لديهم ليس سوى إستكباراً لحكام يشبهون الفراعنة في أساليب حكمهم. في أيار ال 2000 رُفعت رايات حزب الله وصور السيد حسن نصرالله في كل دول العالم، وهذه الصورة فاجأت الحكام العرب والأنظمة العالميّة فكان لا بد من وضع مخطط محكم لتحطيم هذه الصورة بأي شكل. منذ تلك الساعة ونحن نشهد أعنف هجوم على شرعيّة سلاح المقاومة. فالخطة البديلة إذاً هي نزع سلاح المقاومة الإسلاميّة وإفقاده شرعيته. ولأجل هذه الغاية لم تتوانى الأقطاب السياسية عن تنفيذ تعليمات السفارة الأميركيّة والنتيجة كانت التصادم في السابع من أيّار الذي كان لا بدّ منه لإسقاط سياسة الإنقلاب على سلاح المقاومة الأمر الذي أيضاً لم يُدركه حتّى الساعة الخصماء السياسيين الذين يعملون جاهدين لإسقاط القدسيّة عن هذا السلاح لذا كان إعتمادهم للنهج التكفيري كأداة للقيام بهذه المهمة. في ظل هذه المجريات كانت أجهزة العدو الصهيوني ومن يقف خلفها تعمل على كسر هامة السلطات العربيّة بأداة مختلفة فقامت الدول المتأمرة بإيصال السلاح إلى شوارع ليبيا ومصر وتونس وسوريا ولبنان حتّى أنها تمكنت من تفكيك الفلسطينيين أبناء الجلدة الواحدة تحت قاعدة "فرّق تسد". لقد أُستخدم هذا السلاح في سوريا ولبنان على حد سواء في وجه الجيش الوطني في كلا البلدين أمّا الإعلام فتولى مهمة بث التفرقة والعصبيّة وما بات يُعرف بالفتنة المذهبيّة بين السنة والشيعة. وهنا نسأل: من هم هؤلاء الذين يحملون السلاح في وجه الجيش. إنّ كل الباحثين في علم النفس والإجتماع يعلمون أنه من السهل أن تجنيد فئة معيّنة من المجتمع وهو ما يُعرف إصطلاحاً بالفئة المهمشة ، كما هناك الأفراد الذين يملكون شخصيّة مضطهدة وإدراكهم بسيط مما يجعلهم عدوانيين تجاه المجتمع، وتجدهم في الأغلب لا يملكون مستوى ثقافي-فكري والمعرفة لديهم تقتصر على بعض الأفكار اللاعقلانيّة مما تُشكل خامة لإستدراجهم بسهولة عبر عدّة خطوات كما يلي: أوّلاً : إيجادهم عبر أشخاص يتمّ توكيلهم من الجهات الراعية وعرض الأموال عليهم وهو الوسيلة التي تضمن ولاء مثل هؤلاء. ثانياً: تأمين التغطية الدينيّة وهو ما شهدناه من فتاوى تُعطي هؤلاء الأشخاص الحافز للقتل بحجة الجهاد. ثالثاً: تكليفهم بمهمات تندرج من البسيط إلى القتل ومدح إنجازاتهم حتّى يشعروا بأن أعمالهم بطوليّة رابعاً: تكليفهم بتجنيد آخرون من محيطهم وهو ما يُعرف بعيّنة كرة الثلج. بعد جمع هؤلاء الأفراد يتوّلد لديهم شعور بالإنتماء إلى بعضهم ويصبحون أكثر تمسكاً بالتعليمات وأكثر حرصاً على تنفيذها خوفاً من العودة للشعور بالنقص الذي كانوا عليه، كذلك تجدهم أكثر عناداً لكي لا يعترفوا بأنهم على خطأ ويعتبرون أن المجتمع الذين يتواجدون فيه هو العدو. ويصبوّن عدوانيتهم على كل من يقف في طريقهم أو يؤمرون بقتاله وهذا ما نراه في سوريا ولبنان. ولم يغب عن المتابع لبعض الأقلام الخليجيّة والوهابيّة ما صرحت به من تكفير الشيعة وتحويل كل الأنظار إليه بدل العدو الصهيوني وهذا ليس صدفة. بل لقد نُشرت مئات الكتابات التي تُحرض وتُفتي أن قتال الشيعة أوجب من قتال اليهود. هذه الكتابات رأيناها تتكثف بعد عام 2000 عبر وسائل الإنترنت وأقنية فضائية خاصة لنشر هذه الأفكار حيث بدأ شحن هذه النفوس لنراها تتفجر حرباً في عام ال 2006 وتوّلد لاحقاً شبح فتنة وهميّة بين السنة والشيعة لا يمت إلى الواقع بصلة. أجل، لا يوجد فتنة سنيّة-شيعيّة بل هناك مشروع فتنة بين المقاومة الإسلاميّة وإرادة الشعوب العربيّة التي يخافها العرب والغرب. وهناك مشروع الهيمنة والتسلط على الفكر والإقتصاد والسياحة وكل ما قد يُشكل مصدر للقوّة وخاصة أنّ الموارد الطبيعية من النفظ الخام إلى الغاز الطبيعي مصدره الأكبر هو الشرق الأوسط. إنّ ما يُعرف بالخطاب المذهبي هو غير موجود إلاّ على القنوات المتلفزة من قبل أشخاص محددين تقودهم السفارة الأميركية ولا ننكر إنجرار بعض العائلات وراء أبنائها المجندين من قبل الفكر التكفيري. كما أنّ قتال حزب الله إلى جانب الجيش العربي السوري في القصير هو أمراً طبيعياً وخاصةً أنّ القصير قدّ تمّ تجهيزها بالخنادق والذخائر الإسرائيليّة. والقصير مدينة تقع على الحدود اللبنانية وقربها من خط بعلبك-حمص يجعلها نقطة إستراتيجيّة تُشكل خطراً على كل سكان الجوار الذين لم يسلموا من صواريخ الحقد الغاشم. إنّ سقوط القصير وفشل إسقاط الحكم السوري دفع الجهات التي إبتدعت "الأسير" وعصابته إلى التخلي عنه لأن الهدف كان إستفزاز المقاومة وجمهورها وليس الدولة اللبنانيّة. ولكن مرّة أخرى أحبطت القيادة الحكيمة منذ اليوم الأول المشروع الأسيري الذي أطل ليهدد ويتوعد المقاومة وسيدها ورئيس مجلس النواب نبيه بري وهو يأمل بأن يتم الإعتداء عليه كي يحتمي بالجيش اللبناني وبالتالي تتصادم المقاومة مع الجيش لكنّ السحر إنقلب على الساحر. إنّ العزم والإصرار نراه يشتد لتجريد المقاومة وسلاحها بعد ظهور الموارد الطبيعيّة في لبنان، إذ أنّ إمتلاك لبنان للغاز سيحوله إلى مُصدّر بعد أن كان مستهلك وهذه القوّة الإقتصاديّة لا تناسب الدول المنافسة. وتجدر الإشارة أنّ محاولة إشعال الفتنة المذهبية وتحويلها إلى حرب طائفيّة ليست الأولى إذ بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري طلب الشيخ سعد الحريري من حزب الله الكشف على موقع الجريمة وطلب أن يقوم الحزب بالتحقيق وتوظيف خبرته لكشف المجرمين وفتح صدر قصره للسيد حسن نصرالله ولكن ما لبث أن تحوّل الخطاب السياسي إلى إتهام بالقتل وهذه النقطة لا أدري لماذا تغيب عن ذهن الإعلاميين!! وهذه المحاولة جرّت بعدها محاولات تنذر أن "الأسير" ليس الأول ويبدو لن يكون الأخير.