(1) وحده التلميذ الراسب؛ في التاريخ؛ يظنُ (وهنا يبقى كل الظن إثماً) أن ما يربط سورية ومصر بدأ؛ فقط ؛ في عام النكسة؟! فيما يعرف التلميذ النجيب؛ أن العلاقات بين رئتيْ الجسد العربي تضرب في عُمق التاريخ؛ ولا أدل على ذلك من أن فرعون التوحيد "اخناتون" ("أمنحوتب الرابع") كان ابناً لأم شامية/ فينيقية/ سورية. ما جعله يُضمِّن في نشيده للإله "آتون" النص التالي: "... في بلاد سورية والنوبة؛ وفي أرض مصر؛تضع أيها الإله آتون, كل شيء في مكانه. أنت الذي يعطي سورية؛ والنوبة؛ ومصر؛ كل ما تحتاجه هذه الأراضي .. وبإرادتك أيها الإله آتون خلقتَ الأرض والإنسان والحيوان وجميع المخلوقات؛وخلقت أرض سورية كما خلقت أرض مصر.فأنعِم علي سورية بمثل ما أنعمتَ علي مصر". ما يهمنا هنا ليس الجهل بوقائع التاريخ القديم؛ بل تجاهل التاريخ المُعاصر؛ حيث سورية هي الإقليم الشمالي لجمهوريتنا العربية المتحدة؛ بين عامي 1958؛1961 برئاسة القائد جمال عبد الناصر؛ الذي هبطت طائرته في الشام لأول مرة؛ وهو رئيسها؛ فيما يخشى بعضهم أن يُغادر قصره؛ حتى إلى بورسعيد. في استعادة لأجواء ماضينا العربي كانت "ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها / كالقطِ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ"! (2) " لن أسمح بأن يرفع عربي السلاح في وجه عربي.. وإذا كان مُهماً؛ أن تبقى سورية جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة؛ فالأهمُ أن تبقى سورية نفسها موَّحدَة " كان هذا رد القائد جمال عبد الناصر؛ القاطع على من دَعُوه ؛لإرسال الجيش المصري؛ إلى سورية؛ لإعادة الوحدة؛ بقوَّة السلاح. بعد إعلان مؤامرة الانفصال؛ في 28 سبتمبر / أيلول 1961 (3) سؤال في "التاريخ": مَنْ هؤلاء السبعة الآتية أسماؤهم: مأمون الكزبري؛ عزت النص؛ ناظم القدسي؛ لؤي الأتاسي ؛أمين الحافظ؛ نور الدين الأتاسي؛ أحمد الخطيب ؟! و جواب من "الحاضر الأسود" الذي وصل بمن تعرف؛ عزيزي القارىء؛ كما أعرف؛ إلى مقعد جلس عليه جمال عبد الناصر: هؤلاء السبعة هم الذين تولوا المسئولية السياسية؛ في دمشق؛ بعد إنفصال الإقليم الشمالي عن "الجمهورية العربية المتحدة"؛ و لم يجرؤ واحد منهم؛ على الجلوس على مقعد جمال عبد الناصر؛ في دمشق؛ منذ الإنفصال في خريف 1961؛ وحتى رحيل عبد الناصر في خريف 1970. فظلت صيغة "مجلس رئاسي" هي المُعتمدة؛ فبعد الانفصال لم تعرف سورية رئيساً غير عبد الناصر؛ طيلة 9 سنوات كاملة؛ حتى وافاه الأجل؛ في العام 1970 ؛ فكان الرئيس حافظ الأسد؛ أول من جلس على مقعد قيادة سورية؛منفرداً؛ بعد عبد الناصر. (4) نبقى مع "التاريخ" الذي شاءت مصادفاته المُرَّة أن يكون المُترجم الأشهر؛ والعروبي الوحدوي سامي الدروبي؛ هو أول سفير لسورية لدى مصر بعد الانفصال؛ وقد حدث أثناء مراسم تقديم أوراق اعتماده؛ شيء لم يسبق أن وقع له مثيل في تاريخ الدبلوماسية العالمية؛ ولم يتكرر بعد ذلك أبداً. إذ يقضي العرف الدبلوماسي أن يُلقي السفير كلمة مقتضبة أثناء تقديم أوراق اعتماده لرئيس الدولة المعتمَد لديها، وحين وجد سامي الدروبي نفسه وجهاً لوجه مع " قائده" جمال عبد الناصر، تهدَّج صوته وقال باكياً: "إنه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه كأجنبي، كأنما ما كنتُ في يوم مجيد من أيام الشموخ مواطناً في جمهوريةٍ أنت رئيسها" قبل أن يُردف: "عزائي عن هذه الوقفة التي تطعن قلبي يا سيادة الرئيس ؛والتي كان يمكن أن تشعرني بالخزي حتى الموت، أنك ارتضيتَ لي هذا الموقف" .فردَّ عليه عبد الناصر؛ وهو يُغالِب دموعه: "إنني لا أستقبلك كأجنبي ولكن كإبن من أبناء الأمة العربية التي هي أمة واحدة، وهذه حقيقة تاريخية واقعة" وتسربت الدموع حارَّة إلى مآقي الحاضرين؛ وبكى عبد الناصر، في مشهد لم يكن له سابقةً؛ قط. (5) إن ما يَدهَش له كل من احتفظ بعقله؛ في "صيف الجنون"؛ الذي نعيش لفحاته اللاهبة؛ يوماً بعد آخر؛ هو هذا التشابه التام بين ظروف سورية السابقة للوحدة مع ظرفها الراهن، إذ كانت دول "حلف بغداد" تُحاصر سورية إقليمياً ودولياً؛ كما هي الحال الآن، "وأصبحت التهديدات تحيط بسورية من جميع الاتجاهات وخاصة من تركيا التي بدأت بحشد القوات على الحدود السورية"؛ وكأن التاريخ يعيد نفسه. مع فارق يبدو بسيطاً لكنه "قاتل"؛ في الخمسينيات (وما أدراك ما الخمسينيات)؛ كان هناك عملاق بحجم جمال عبد الناصر؛ احتضن سورية؛ وحماها من المتربصين بها؛ عبر وحدة فورية؛ لم يكن عبد الناصر نفسه؛ مستعِداً لها؛ وراضياً عنها؛ لولا مخاوفه على وحدة سورية الترابية؛ ورغبته في إبعاد الأنياب والمخالب؛ التي تتربص بها. واليوم لدينا "مهاويس" لا يتورع أحدهم عن "الهتاف" بحماس مقيت؛ بإعلان قطع العلاقات، شبه المقطوعة أصلاً، مع سورية، التي تتكالب عليها كلاب الشرق والغرب، معاً، ما يُجسده؛ تماماً؛ قول جدِّنا المتنبي: كَيفَ لا يَأمَنُ العِراقُ وَمِصرٌ وَسَراياكَ دونَها وَالخُيولُ وَسِوى الرومِ خَلفَ ظَهرِكَ رومٌ فَعَلى أَيِّ جانِبَيكَ تَميلُ ؟!