"صرخات ..عويل ...سُباب " كلها أصوات مُزجت بالبكاء ، لا تسمع غيرها وأنت تتجول في طرقات المستشفيات الحكومية؛ بسبب الإهمال وعدم وجود الأدوية، ووحدهم الفقراء، والمستضعفون يدفعون الثمن من أجسادهم وأرواحهم ، فلا يدخرون جهدًا في مطالبة الحكومة بالنظر إليهم وتوفير المستلزمات الصحية ، ولكن الحكومة تدخر 22.2% من الميزانية المقدرة للدواء، وإنفاقها في اتجاهات أخرى، ولا أحد يدري لمن تصرف تلك الفروق !!! أليس "صحة المواطنين" من أولويات مهام الحكومة و بالأخص وزارة الصحة؟؟ "سرير الموت ...مكافأة الحكومة للفقراء " لا تتوقف كوارث المستشفيات العامة عند حوادث الإهمال، التي يمكن تفسيرها في بعض الحالات على خلفية الإمكانات المتدنية، ونقص الأجهزة والأدوية، بل يصل الأمر إلى حوادث لا يمكن تفسيرها إلا بالإهمال المتعمد، والاستهانة بأرواح البسطاء، الذين يلجئون إلى مثل هذه المستشفيات، لتلقى العلاج بالمجان، فيضطر البعض منهم إلي شراء المستلزمات التي يحتاجها الطبيب المعالج على نفقتهم الخاصة، بدءًا من الحقن مرورًا بالقسطرة، والجبائر، ووصولًا إلى أكياس الدم، أي أن الخدمة "المجانية" الحقيقية الوحيدة داخل هذه المستشفيات الحكومية المفترض كونها "مجانية"، تنحصر في الكشف الذي يجريه الطبيب وسرير الموت الذي يتم وضعه عليه، ويغادره سريعًا، في محاولة للتخلص من الأعداد الغفيرة التي تكتظ بها ممرات المستشفى "القذرة"، ويرجع ذلك إلي السمة المشتركة بين جميع المستشفيات الحكومية ألا وهي ( ضعف الميزانية ). ذهبت "البديل" إلي عدد من الإحياء السكنية العريقة ذات الكثافة العالية بالقاهرة الفاطمية، حيث تقع واحدة من أقدم مستشفيات وهى مستشفى" أحمد ماهر التعليمي "، ففي عام 1954 تم وضع أول لبنة لتشييد هذا الصرح، ولكن بعد مضى ما يقرب من خمسين عامًا ... ترى "مستشفي أحمد ماهر التعليمي" وهي خالية تمامًا من العديد من الأدوية، وعلى رأسها عقار "كونكيون" المستخدم في علاج مرضي القلب، وغير متوافر بالعناية المركزة بشكل مستمر، وكذلك عقار "زايلوكلين" وهو مخدر موضعي يستخدم في بعض العمليات الجراحية ، وذلك وفقًا لتصريح الممرضة سميرة عبد العاطي . كما كشف دكتور محمد متولي -قسم الجراحة بأحمد ماهر-، أن أدوية القيء و بعض المسكنات العادية غير متوفرة ، بالإضافة إلي نقص الغيارات من قطن وشاش ولكن بصورة غير دورية . نبدأ بإجمالي قيمة مخصصات الإنفاق الصحي، في الصيغة الأولى لمشروع الموازنة العامة للدولة 2013/2014، والتي تبلغ 32.736 مليار جنيه، مقارنة بالعام المالي 2011/2012 بنجو27.413 مليار جنيه، وهذا النمو لا يكفي لرفع نوعية الخدمة الصحية للمصريين ولا مطالب الأطباء والفنيين بأجور لائقة. وعند وضع الموازنة لعام المالية 2011/2012 وصلت المخصصات إلي 2.757 مليار جنيه، مقارنة مع الفعلي للمصروف من واقع تقرير الحساب الختامي بنهاية العام 2.145 مليار جنيه. بإجمالي نسبة صرف 77.78% ؛و بذلك تم تجميد 22.2 % من المخصص أو صرفها علي باب أخر في ظل تفاقم أزمة الأدوية خلال العام. " الأدوية ...سلع محرمة يصعب الحصول عليها " كارثة أخرى، وهى ظاهرة نقص الأدوية بالصيدليات، التي زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ومن أبرز الأدوية الغير متوفرة، والتي أعلن عنها المنشور الدورى الصادر من وزارة الصحة، عقار "ميكوناز أورال" جيل لعلاج عدوى "كومبيفنت" بخاخ لعلاج الأمراض الصدرية "فيوسى توب كريم"، "يوثاريروكس" لعلاج الغدة الدرقية، "تيبونينا فورت" أقراص لتحسين القدرة الذهنية، وغيرها من الأدوية المتعلقة بعلاج القولون العصبى والتقرحى، والحموضة، وعلاج تجلط الدم، وأمراض القلب بيتالوك ومثيله "لو برس 100 مجم"، أقراص وضغط الدم المرتفع، والأمراض النفسية، وعلاج السكر "سيدوفاج 1000 مجم" وبديله "وبون وان" لعلاج العظام والكساح، و"الجازون" لألام العظام، بروتكت أسبريت" و"مونوماك ديبوت " لمرضى القلب "وكورونيتا " لمرضى الذبحة القلبية. قال الدكتور عادل عبد المقصود رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بالغرفة التجارية بالقاهرة، ل"البديل" إن هناك نقصًا حادًا في عددًا من منتجات الأدوية خاصة عقاقير السكر، والكبد، والقلب، مشيرًا إلي أن المتحكم الرئيسي في تلك الأزمة نقص المواد الخام المصنعة للأدوية نظرًا لاستيرادها من الخارج الأمر الذي جعل مصانع الدواء غير قادرة علي شراءها لارتفاع تكلفتها إلي جانب ارتفاع سعر صرف الدولار. وأوضح ، أن أزمة نقص الأدوية تتمثل أيضًا في تهريب بعض الأدوية المهمة إلي البلاد الإفريقية مما يتسبب في وجود اختناقات بالسوق المصري. وأشار إلي أن الشركات الأجنبية طلبت من المصانع توفير اعتماد مالي لها أو تسهيلات ائتمانية بما يساعدها علي توريد تلك المواد الخام . وأضاف عبد المقصود أن الدولة ملزمة بتوفير الأدوية التي يحتاجها المرضي من محدودي الدخل نظرًا لأن دورها يقتصر علي البعد الاجتماعي، مشيرًا إلي أنه بسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة فإن الحكومة لا تملك تقديم دعمًا إضافيًا وحقيقيًا للدواء. ولفت إلي أن هناك أزمة في عقار الأنسولين الخاص بمرضي السكر؛ بسبب ارتفاع تكلفته، بالإضافة إلي عقار هيومان ألبيومين الخاص بمرضي الكبد والذي يصنع من الدم البشري ويزيد سعره عن 240جنيه، وبالتالي فهو غير متوافر ، مشيرًا إلي أن الدولة خلال العام المالي الجاري قدمت دعمًا للدواء بقيمة تراوحت من 176مليون جنيه لتصبح 300مليون جنيه دون أن يكون لها أي اثر بسبب ارتفاع الأسعار. وتابع ، أن حصة مصر من الدواء لا تقابل حجم الاستهلاك الفعلي بسبب عدم قدرتنا علي الإنتاج، بما يحقق أي فوائض معتبرًا إن ذلك لا يحقق أي عدالة للمستهلكين المصريين خاصة محدودي الدخل. ومن جانبه طالب د.أحمد متولي منسق برنامج النظم السياسات الصحية، رفع المخصصات الصحية، للتغلب علي المشاكل، ورفعها إلي 15% طبقًا لاتفاقيات، السنة الماضية. ويري متولي أنه لم يحدث تطور بالصحة منذ تولي د. محمد مرسي رئاسة الجمهورية، وكشف أن هناك مخطط لخصخصة المستشفيات الحكومي. وأضاف أن هناك مقترح من "لجنة الحق بالصحة" من قبل د. مني مينا لإصلاح منظومة الأدوية ومنه عدم الانحياز للقطاع الخاص، أو العام ، بجانب توحيد هياكل بالمنظومة، والإصلاح، وتعليم الأطباء ، عدم خصخصة شركات صنع الأدوية، الحفاظ علي قطاع للأدوية و البحث عن آليات لحل مشكل الشركات التي تضائل قطاع الأدوية من إنتاج 60% ،و أصبح الآن يضخ أقل من 30% ذلك علي حد قوله، وأشار إلى ضرورة إبرام اتفاقيات دولية لتركيب الأدوية دون الانتظار 20 سنه للحفاظ علي حقوق الملكية... وفي السياق ذاته أكد محى حافظ نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية، أن الدولار أصبح العقبة أمام شركات الأدوية، موضحًا أن تلك الأزمة تتفاقم بشكل دائم، وتواجه القطاع بأكمله، الأمر الذى يؤدى إلى صعوبة استيراد الخامات. وأشار حافظ أن الدولة تقاعست عن تنفيذ وعدها، بتوفير 100 مليون دولار من البنك المركزي، تخصص لتدعيم عملية استيراد الخامات، لافتًا إلى أن الشركات تلجا إلى السوق السوداء، لتوفير العملة الصعبة من الدولار، بزيادة تصل نسبتها 25%، مضاف إليها الزيادة التى طرأت على أسعار العملة رسميًا.