تعففت في البداية عن الكتابة ردا على الاستاذ “مكرم محمد أحمد” نقيب الصحفيين المخلوع . أشفقت عليه وهو في هذه السن وبعدما افقدته ثورة 25 يناير الإتجاه وأصبح ضائعا بلا “بوصله” أمنيه أوحزبيه . وهذا حال من ظلوا طوال رحلة صعودهم على سلالم صحافة الدولة البوليسيه أشبه ب ” عرائس الماريونيت ” تحركها خيوط تمسك بها أيادى غير مرئية .يكتبون ب “تعليمات ” و يهاجمون ويدافعون ب ” تعليمات ” . لكن ما جرى من شأن الاستاذ ” مكرم ” دفعنى للكتابة ، بعدما منحنى متعة تأمل لحظة الإنخلاع من المقاعد وما يصاحبها من أعراض إرتفاع ضغط الدم و هبوط لغة الحوار و تدهور في المنطق والحجة وإنهيار في الملكات المهنية إن وجدت. ولقد اتيح لي للمصادفة مراقبة هذه اللحظة عند الرجل مرتين . الأولى عندما كتب مستدرا عطف رئيسيه في الحزب “حسني مبارك ” وفي المجلس الأعلى للصحافة ” صفوت الشريف “. قال : ” لم يعد في العمر بقيه ” في مقال نشره ” المصور بعدد 24 يونيو 2004 ، وهو على اعتاب إحالته ودفعته من قيادات الصحف القومية الى “الاستيداع القيادي” ،بعدما داسوا لسنوات ومعهم نظام “مبارك” بأحذيتهم على القانون . ولقد كان لافتا ان هذا الاستيداع جاء مصحوبا بالإحتفاظ لهم بحق إحتكارنشر الرأي هنا وهناك وتلقى المكافآت السخية من أموال المؤسسات الصحفية ، فيما أجيال من الكتاب المحترمين والصحفيين المهنيين محجوبة عن النشر و الضوء . ولحظة الإنخلاع الثانية التي استمتعت بمراقبتها جاءت عندما دفعته الثورة الى “التخلى” عن منصب نقيب الصحفيين في شهر فبراير الماضي . فنالت منه أعراض “فقدان السلطة” ، وأخذ يدور على الفضائيات منفعلا ساخطا وهو يهذي بكلمات لا نفهم منها إذا كان استقال أو لم يستقل . وقد وضع نفسه تماما في حال رئيسه وولي النعم والمناصب ” مبارك المتخلي ” بلا سند في دستور . وقد أوكل هو الآخر سلطاته النقابية الى سلطة خارج النص ( الاستاذ عبد المحسن سلامة ). وعلى أي حال فقد امتدت بالرجل الأعراض وندعو له بالشفاء الى أن نشر في عاموده اليومي بجريدة الأهرام ” نقطة نور ” أو “نقطة ظلام “ لا أدري هياجا تحت عنوان ” غاغة المؤسسات الصحفية ” ،وذلك يوم 21 مارس 3011. وقد حاول ان يستبكى القراء على حاله وحال دفعته ممن احتكروا مساحات النشر بسيف المناصب والتقرب للسلطة. كما أخذ في امتداح نفسه وأقرانه ، ولا يمدح نفسه إلا الشيطان . ويبدو أن ” النقيب المخلوع ” استشعر مع الثورة خطر ان يفقد ميزته الإحتكاريه ، وأن تفسح الصحف مكانا لأجيال طالما جرى حجبها على يديه وأيدى دفعته و أبنائها من القيادات الجديدة التي اخلصت لشعار ” نافق رئيسك الذي ينافق الرئيس”. أعرف ان هناك زملاء اعزاء إنخدعوا في الاستاذ ” مكرم” بوصفه الأفضل مهنيا بين دفعته من القيادات الصحفية المنتقاه بعناية لاغراض نهاية عهد ” السادات ” و بداية عهد ” مبارك ” . لكن على هؤلاء الزملاء ان يعودوا بالذاكرة أو يسألوا : وهل كان الرجل وقتها الأكثر استحقاقا من بين زملاء تميزوا بالاستقلاليه والمهنية والمحترمين سياسيا ونقابيا ؟ . وأين الرجل ودفعته كتابه ونقابة من ” أحمد بهاء الدين ” و “كامل زهيري” و غيرهما ممن فرض عليهم النسيان كي يجرى احتكار مساحات النشر و منصب نقيب الصحفيين لرجال الحزب الوطني ” المطيعين الطيعين ” ولكتبه التعليمات والتقارير غير الصحفية . الطريف ان النقيب المخلوع وبعدما أهان مكانة موقع النقيب وخلطه بانتمائه الحزبي السياسي ( كما فعل في واقعة منع الدكتور البرادعي من دخول النقابة في ديسمبر 2010 ) وبعدما صمت دهرا عن انتهاك حقوق زملائه في الكتابه والنشر بصحفهم بما في ذلك ” الأهرام ” الى الآن ، يشكو في مقاله ” الغاغة” عن غياب الكفاءات في المؤسسات الصحفية القومية . وكأنه لم يكن مسئولا هو ودفعته من قيادات هذه المؤسسات وعلى مدى نحو ربع قرن كامل عن سياسة توظيف فاسدة وعن تصعيد ” الأسوأ مهنيا وأخلاقيا ” من أتباع مدرسة ” نافق رئيسك الذي ينافق الرئيس “. وكأنه لم يكن أيضا مسئولا عن الحاق الإداريين و السكرتاريه بنقابة الصحفيين وبالمهنة . . وكأنه لم يكن ودفعته القادة في حملة استبعاد وتهميش الكفاءات التي تتمتع بالاستقلاليه والمهنية ،و لاعتبارات لا تخلو من السياسة وتقارير الأمن ؟. النقيب المخلوع في ” غاغته ” على صفحات “الأهرام ” التي مازلت لا تنشر لكتابها وصحفييها المحترمين و المستقلين ينصح بالتريث في تغيير قيادات الصحف القومية . وهو في ذلك يدافع عن مصالحه الشخصية الضيقة ومعها مصالح من يمنحوه احتكار مساحات النشر و المكافآت المالية السخية والامتيازات الخاصة . وهو في ذلك يدافع أيضا عن استمرار إرتكاب جرائم مهنية مخجله كخلط الإعلان بالتحرير كما كان يحدث في عهده بمؤسسة دار ” الهلال ” وعن تدهور توزيع هذه الصحف ونهبها إقتصاديا . ولتذهب الى الجحيم حقوق القراء و زملائه الصحفيين ومعها مستقبل البلد . بالقطع لا أتصور ان الرجل بامكانه التعلم “على كبر” فضيلة الديموقراطية والرأي والرأي الآخر وتحمل النقد . ومع أنني سأسلم مكاتبه المتعددة والمعلومة بالنسبه لي في كل من ” الأهرام ” و ” الهلال “ نسخا من هذا المقال .لكنني لا أتوقع أن يتفضل بنشره . ببساطه لانني حاولت معه في ديسمبر الماضي . وكانت النتيجة ” صفرا كاملا ” حصل عليه في اختبار الإختلاف في الرأي (راجع مقال ” مكرم نقيب حظر نشر ” على موقع جريدة ” البديل ” ) . وببساطة أيضا لأنني لم افقد بعد والقراء الذاكرة . وكيف ننسى مثلا مقاله ب “أهرام” 26 يناير الماضي دفاعا عن قمع المتظاهرين ” المؤامرة لن تمر ؟” . لكن لعله يرى وسط أعراض وأوجاع الإنخلاع الثاني له إنها حقا ثورة ، وستصل الى صحافة الشعب . * صحفي بالأهرام 22 مارس 2011