"باحس إن قلبى بيقف يا أبلة.. باخاف على أخويا الصغير من الوقوع من فوق الجبل.. باخاف من منظر الجبل بالليل والبلطجية اللي بييجوا يتخانقوا بالأسلحة، ونفسى بيتنا يكون على البحر".. بهذه الجمل البسيطة والمنطلقة على عفويتها وفطرتها عبر أطفال منطقة إسطبل عنتر عن أحلامهم المختبئة فى عقولهم، والتي تحول دونها كوابيس الواقع البشع الذي يحيونه، بينما الحكومة تنام في العسل، وتغمض عينيها وتصم أذنيها عنهم. "البديل – صوت المستضعفين" يستكمل لقاءاته الأسبوعية مع المستضعفين فى هذا البلد؛ لنقدم لكل مسئول يتشدق بالنهضة ليل نهار وصفًا لمصر العشوائية؛ حتى يتحمل مسئوليته الوطنية فى تلبية احتياجات هؤلاء المحرومين من أدنى قدر من الخدمات، بل والحياة الآمنة بشكل عام، وخاصة هؤلاء المواطنين الذين اضطرتهم الظروف للعيش فى هذه المساكن العشوائية الخطرة أعلى الجبل فى منطقة "إسطبل عنتر" التابعة لحى مصر القديمة. على بعد عشرات الأمتار من محطة مترو "الزهراء" ومرورًا بالأبراج السكنية الشاهقة الأنيقية فى مظهرها، تصطدم بواقع آخر مناقض على الإطلاق، وهو تلك المنازل الصغيرة التى تراها مبينة على حافة الجبل الشاهق والمرعب فى هيئته، وليس لديك اختيار للتواصل مع هؤلاء القاطنين بأعلى إلا من خلال صعود هذا السلم المنحوت بالجبل. البيوت مهددة بخطر تهدُّم حجارة الجبل: أثناء صعودنا التقينا بسيدة مسنة تهبط بصعوبة وعناء.. إنها الحاجة "أم على"، التي قالت إنها تعيش فى الإسطبل منذ أكثر من 40 عامًا، ورغم خطورة المعيشة، وأنهم مهددون بسقوط منزلهم أو تهدم قطعة صخرية من الجبل في أي لحظة، إلا أنها لا تجد بديلاً يمكن أن يؤويها مع أولادها الثلاثة؛ فالإيجارات الجديدة مرتفعة جدًّا، ولا يقدر عليها معاشها الضعيف. وأضافت أم على أنها تتمنى أن تنتقل إلى مكان سكنى آمن، ولكن فى نفس الوقت ألا يكون بعيدًا ومعدوم المرافق، مشيرة إلى أن الأسر التى قامت الحكومة بنقلها بعد تهدم منازلهم من على الجبل، ذهبوا إلى مدينة بدر و6 أكتوبر، ولكن هذه المناطق بها أكثر من مشكلة، منها غياب الخدمات من مدارس ومرافق، بالإضافة إلى بعدها عن عمل الأهالى، خاصة أن أغلب رجال المنطقة "أرزقية" من نجارين وسباكين ونقاشين، ويعتمدون فى يوميتهم على المناطق القريبة من المعادى ودار السلام وحلوان؛ وبالتالي تخشى على عدم وجود فرص عمل لأبنائها الثلاثة الذين يعملون "صنايعية". الصرف الصحى بالجهود الذاتية: وبعد انتهاء الصعود من السلم الحجرى الطويل، وأمام أحد المنازل يوجد حفر، وأخبرنا فتحى رمضان – على المعاش- أنهم يقومون بالحفر على حسابهم الشخصى وبالجهود الذاتية؛ لإدخال مواسير الصرف الصحفى لمنازلهم، فالحكومة تهمل سكان إسطبل عنتر، وتساءل "لماذا قامت الحكومة منذ سنين بإدخال الصرف لبعض المنازل وتناست الآخرين؟!"، معربًا عن أمنيته بأن توفر الدولة وحدات سكنية بدلاً من تلك المعيشة المحفوفة بالمخاطر. سيارات الإسعاف لا تصعد إلى الإسطبل ولا توجد صيدلية: والتقطت منه الخيط جارته سكينة عبد الله قائلة "أنا ست كبيرة تعبت من النزول والطلوع على هذا السلم للوصول إلى بيتى، وفى حالة مرضى لا أجد مستوصفًا أو طبيبًا ينقذنى، أو يريد أن يصعد إلى إسطبل عنتر"، مضيفة أن المنطقة تفتقد وجود صيدلية أو مستشفى صغير يكون حكوميًّا وبالمجان؛ لتقديم خدمات طبية للأهالى "الأرزقية"، الذين لا يمتلكون نفقات الذهاب إلى عيادات الأطباء؛ لارتفاع ثمن الكشف. وأشارت إلى أن سيارة الإسعاف تصعد إلى الإسطبل بعد صعوبة بالغة، وأحيانًا كثيرة لا تصعد، ويضطرون للذهاب بالمريض إلى مستشفى القصر العينى أو أى مستشفى بالزهراء، وفى أوقات كثيرة لا يستطيعون إنقاذ المرضى. جراكن المياه تصل بصعوبة.. وسعر الواحد جنيه ونصف: محمد مدحت عامل محارة طالب بشربة مياه نظيفة، وأن تستكمل الدولة توصيلها للمياه إلى كل أهالى إسطبل عنتر، مشيرًا إلى أنهم يشترون 10 جراكن من المياه يوميًّا، وبالكاد تكفى احتياجات أسرته المكونة من أربعة أطفال وزوجته، ويصل سعر الجركن مع ارتفاع درجات الحرارة ودخول رمضان إلى 1.50 بدلاً من 50 قرشًا. وأضاف "إننا لا نتفاءل بأن الدولة ستسمع لمطالبنا وتلبى احتياجاتنا، فالصحافة تأتى كل فترة وتقوم بالتصوير، لكن ليس هناك أى نتيجة، فالدولة مشغولة الآن بالصراعات السياسية، وتترك الفقراء وساكنى العشوائيات، ثم تلقي الاتهامات علينا وتصفنا بالبلطجة ومخالفة القانون"، مؤكدًا أن أهالى الإسطبل يعيشون فى ظروف اقتصادية سيئة، وطبيعة أعمالهم غير مستقرة؛ فهى تعتمد على اليومية فقط، مشيرًا إلى أنه كان قبل الثورة يعمل خمسة أيام بالأسبوع، ولكنه الآن بصعوبة بالغة يستكمل اليومين من العمل بنصف الأجر الذى كان يحصل عليه فى الماضى. فرن واحد وعشرة أرغفة فقط لكل أسرة: اشتكت فتحية يونس – ربة منزل – من وجود فرن واحد فقط بالإسطبل، وأنه يغلق أبوابه قبل الظهر، ويشترط على الأهالى بيع عشرة أرغفة فقط مهما كان عدد الأسرة، مشيرة إلى أن هذا العدد يستحيل أن يكفي أسرتها التى تتكون من حماتها وزوجها وأبنائها الأربعة، كما أن المواعيد المبكرة لغلق الفرن تؤدى إلى تكالب الأهالى عليه والتزاحم الشديد. وأشارت إلى أنها رغم ظروفها المادية "الضنك" تضطر إلى شراء الخبز السياحى؛ حتى تستطيع أن تكمل يومها، خاصة أن التموين لم يعد يصرف لهم المكرونة التى كانت تسد حاجة أسرتها بدل العيش، مضيفة أن أسرتها فقدت الأمل في أن تنتقل من معيشة الجبل المهددة بالموت فى أي لحظة، ولكنهم يطالبون بالحد الأدنى من الخدمات، طالما الدولة لا تجد مكانًا بديلاً آمنًا لهم. أما عن مشكلة المدارس فقالت سهير عرفة – ربة منزل – إنه لا توجد مدرسة بالإسطبل، ومن ثم تضطر بالذهاب بطفليها فى المرحلة الابتدائية إلى مدرسة بالزهراء أو منطقة دار السلام، وهو ما يضاعف من النفقات عليها، حيث تنفق على المواصلات فقط 5 جنيهات يوميًّا، فضلاً عن نفقات المجموعات المدرسية والمستلزمات المدرسية. وتناشد عرفة المسئولين بإنشاء المدارس بمنطقة إسطبل عنتر، قائلة "واضح أن المسئولين فاكرين إننا ساكنين فى عشوائيات ومش بنعلم ولادنا"، مؤكدة أنها تكافح مع زوجها فى العمل، حيث تعمل فى الخياطة؛ لتساعده على نفقات المعيشة، خاصة أن عمله غير مستقر، وفى نفس الوقت هما حريصان على تعليم طفليهما. عضو الحرية والعدالة يهاجم "البديل".. ويتهمه بإشعال الفتن قبل 30 يونيو: أثناء تصوير "البديل" للمنطقة، جاء صوت يصرخ من بعيد "بتصوروا إيه؟!"، واستمر فى سؤاله قائلاً في نبرة مختلطة بين التهديد والتأكيد "إحنا ما عندناش مشاكل، إنتم بتتاجروا بقضايا العشوائيات، الأهالى هى المسئولة عن بناء البيوت فى الأماكن الخطرة من الجبل، والحكومة عملت اللى عليها، وسلمتهم بديل". وبمواجهته بأن الأهالي لديهم مشاكل أخرى كثيرة، ومنها المرافق والمدارس والصحة، تهرب من الإجابة، وبسؤاله عن طبيعة عمله قال إنه يسرى بيومى "أمين شياخة المنطقة عن حزب الحرية والعدالة"، واتهمنا بأننا نريد اصطناع الأزمات وإشعال الفتن وتأزيم المشكلات؛ حتى تبدو البلد وكأنها خراب فى عهد محمد مرسى؛ تمهيدًا للحشد ليوم 30 يوينو. عضو الحرية والعدالة يتهم "البديل" بإثارة الفتن.. ويؤكد: الحياة تمام.. ولا توجد أي مشاكل مرعوبون من سقوط منزلنا أو تهدم قطعة صخر من الجبل.. ولكن لا نجد بديلاً إسطبل عنتر خالية من المدارس والمستشفيات والصيدليات. وسيارات الإسعاف ترفض الصعود جركن المياه وصل لجنيه ونصف.. ونحفر المجاري على نفقتنا رغم ظروفنا البالغة الصعوبة 10 أرغفة لكل أسرة مهما كان عددها بعد صراع عنيف للحصول عليها