الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    سعر البطيخ والبرقوق والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 20 يونيو 2024    ارتفاع عدد ضحايا الانهيارات الأرضية إلى 10 أشخاص في بنجلاديش    حرب الاتهامات تشتعل بين مندوبي السودان والإمارات في مجلس الأمن (فيديو)    أسرتا مشجعتي النادى الأهلى: «ملحقناش نفرح بهما»    الأرصاد: اليوم طقس شديد الحرارة على أغلب الأنحاء.. والعظمى بالقاهرة 38    مصرع 3 بينهم طفل فى حادثي غرق بكفر الشيخ وبنى سويف    تصل إلى 200 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي في يونيو    هيئة الداوء تحذر من 4 أدوية وتأمر بسحبها من الأسواق    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    بعد بيان الأبيض.. اتحاد الكرة يبحث عن حكم أجنبي لإدارة قمة الأهلي والزمالك    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    الجيش الأمريكي يعلن شن هجمات على أهداف للحوثيين باليمن    رئيس قبرص ردا على حزب الله: نحن جزء من الحل لا المشكلة    وفاة عروسة أثناء حفل زفافها بالمنيا    وزير الداخلية السعودي: موسم الحج لم يشهد وقوع أي حوادث تمس أمن الحجيج    مصرع عامل نظافة تعاطى جرعة زائدة من المواد المخدرة بالجيزة    بوتين: روسيا ستواصل تعزيز العلاقات وتطوير التعاون مع فيتنام    كتائب القسام: أطلقنا طائرة زواري الانتحارية تجاه القوات الإسرائيلية في مستوطنة حوليت    «إن كنتم تناسيتم ذلك أنا لم أنسى».. تعليق مثير من محمد عواد بعد إحالته للتحقيق    الركود يسيطر على سوق الذهب وإغلاق المحال حتى الإثنين المقبل    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    انفجارات واشتباكات مسلحة مع الاحتلال بالضفة الغربية    بعنوان «قلبي يحبك يا دنيا».. إلهام شاهين تُعلن عن فيلم جديد مع ليلي علوي وهالة صدقي    قمة أوروبية.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «من أجل كايزر تشيفز».. بيرسي تاو يضع شرطًا مُثيرًا للرحيل عن الأهلي (تفاصيل)    أهالي "محلة مرحوم" بطنطا يؤدون صلاة الغائب على أرواح الحجاج المتوفين بالأراضي المقدسة    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    كندا تصنف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    تامر حسني يشعل حفله بكفر الشيخ رابع أيام عيد الأضحى (صور)    بعد نجاح زراعته في مصر.. هل الكاسافا هو البطاطا؟ الزراعة تجيب    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 20 يونيو 2024 في البنوك    المركزي الكندي يدرس الانتظار حتى يوليو لخفض معدل الفائدة    تفاصيل جريمة قتل اب لأبنته فى المنيا    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    وفاة الناقد الأدبي محمود عبدالوهاب    فرقة أعز الناس.. سارة جمال تغني "ألف ليلة وليلة" في "معكم منى الشاذلي"    وزير الرياضة ينعي مشجع نادي الزمالك    معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    ارتفاع رصيد الذهب فى الاحتياطى الأجنبى لمصر إلى 456 مليار جنيه    هيئة الدواء المصرية: تلقينا 1500 شكوى واستفسار منذ مطلع الأسبوع الجاري    مشروبات صحية يجب تناولها عقب لحوم العيد (فيديو)    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور: الحياة بطعم الموت في "هضبة الزهراء"
نشر في بص وطل يوم 15 - 03 - 2010

في الوقت الذي تقوم فيه محكمة الجمالية حالياً بمحاولة كشف ملابسات حادث الدويقة والمتسببين فيه، والذي وقع يوم السادس من شهر سبتمبر عام 2008 وخلَّف 603 ضحية بين قتلى ومصابين، ووصل الأمر إلى مطالبة المحكمة لمحافظ القاهرة والمهندس إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق للمثول أمامها؛ لمحاكمتهما عن الحادث، نسي المسئولون أن هناك العديد من المناطق التي تنتظر مصير الدويقة؛ ومنها هضبة الزهراء التابعة لحي مصر القديمة، والتي تمتد بطول 480 فداناً تضم مناطق تعيش على حافة الموت، سواء المقامة أعلى الهضبة أو أسفلها مثل (اسطبل عنتر، وعزبة خير الله، وبطن البقرة)؛ حيث تم بناؤها بشكل عشوائي، دون أي معايير هندسية، علاوة على انعدام الخدمات بها؛ فلا وجود لشبكات المياه أو الصرف الصحي أو الكهرباء أو طرق ممهدة، وهو ما جعلها منطقة خطرة يعاني أهلها الأمرّين؛ فمن ناحية هم معرضون للموت تحت أنقاض الصخور في أي لحظة، ومن ناحية أخرى يعيشون حياة بائسة.
الأهالي يتشبثون بالمارة عسى أن يكون أحدهم من المسئولين
الصعود إلى الهضبة يتطلب منا اختراق ممرات شاقة؛ حيث لا وجود للسلالم التي تمكّننا من الوصول إلى أعلى، ولكن مجرد (مدقات) حفرها الأهالي بأنفسهم، ولاحظنا أن الشباب فقط هم من يستطيعون الصعود؛ لأنه أمر شاق على كبار السن، وأثناء سيرنا وجدنا المنازل والعشش متلاصقة، ولا يزيد عرض أي شارع عن المترين فقط، ومغطاة بمياه الصرف الصحي، والأهالي جالسون أمام بيوتهم يتطلعون لأي شخص غريب؛ ويتشبثون به عسى أن يكون أحد المسئولين جاء لينقذهم من عذابهم وجلسنا معهم لرصد مأساتهم..
وفور وقوفنا أمام أحد أهالي المنطقة ويُدعى عبد المجيد منصور بادرنا قائلاً: نعيش مثل الحيوانات في هذا المكان؛ فالقمامة تحاصرنا من كل جانب، ولو أصيب أحد الأهالي بمكروه لا نستطيع إحضار الإسعاف له؛ لصعوبة اختراقها لشوارع المنطقة، علاوة على انعدام شبكات مياه الشرب النظيفة، ونضطر إلى شرائها من الباعة الجائلين مقابل جنيه ونصف للجركن الواحد، وقد تحوّلت المنطقة بفعل وعورتها إلى مأوى للمسجلين خطر والمدمنين؛ ليحرموا بناتنا من الخروج من المنزل سوى بالنهار فقط.
وتقول سناء عبد الرحمن: جئنا من محافظة الفيوم؛ بسبب ظروف عمل زوجي، وهو عامل تراحيل في عمليات البناء، ولم نجد سكناً سوى في اسطبل عنتر؛ لضيق ذات اليد واستأجرنا حجرة صغيرة أعلى سفح الجبل؛ لنعيش فيها أنا وزوجي وأبنائي الخمسة مقابل 70 جنيه شهرياً.
ننتظر الموت في أي لحظة؛ فرغم وقوع حادثين لسقوط صخري بالمنطقة قبل ذلك فإن أحداً من المسئولين لم يتحرّك إلا بعد وقوع حادث الدويقة؛ لتحدث عمليات إزالة لعدد من المنازل الواقعة على حافة الجبل وأسفله، ولكن ليس بالعمق الكافي فلا تزال المنازل موجودة على بعد أمتار من الجبل وعلى حوافه أيضاً، ولم تتم استكمال عمليات الإزالة خاصة مع هدوء الرأي العام تجاه حادث الدويقة، وهو ما يجعل شبح الموت يطاردنا كل يوم؛ فالجبل كله معرّض للانهيار؛ فقد تشبّع بالمياه نتيجة عدم وجود شبكات للصرف الصحي ويضطر الأهالي إلى التخلّص من مخلفاتهم في بطن الجبل.

الحياة في هذه المنطقة الجبلية تمثّل خطورة على السكان
الصخور تتساقط على أسطح الغرف
أما محمد نيازي من سكان المنطقة فيوضّح لقد سقطت صخرة قبل عام ونصف بجوار منزلي الذي يقع في حضن الجبل، وأحدثت تصدعات بمنزلي وبعدد من المنازل المجاورة، وانهارت أجزاء منها خاصة أن بناءها يتم بلا وضع أساسات لها، وأكد أن سكان عزبة خير الله الموجودين فوق الجبل قد يتسببون في كارثة من جراء تصرفاتهم؛ إذ يوجد مسافة مترين خالية بين منازلهم وحافة الجبل؛ لضمان عدم الانهيار، ولكنهم استغلوها في زراعة نباتات وشتلات وريّها بكميات غزيرة من المياه التي تتسبب في انهيار الحواف، وسقوط الصخور على سكان القاع.
وسعيد إسماعيل فقال: أقيم بالمنطقة منذ عشرين عاماً، وقمت ببناء منزلي على قطعة أرض مساحتها 150 متراً على هضبة الزهراء التي ترتفع عن الأرض حوالي 60 متراً، وعلى الرغم من عدم وجود شبكات للصرف الصحي أو المياه فقد قمت بتوصيل شبكات بدائية وإنشاء خزانات للصرف الصحي أسفل المنزل، وأوضح أن الحياة في هذه المنطقة الجبلية سواء أعلى الهضبة أو أسفلها تمثّل خطورة داهمة على السكان؛ خاصة مع استمرار تسرّب المياه بحوافّ الهضبة في الوقت الذي يقتصر دور مسئولي الحي على تحصيل الغرامات فقط، خاصة المتعلّقة بالكهرباء (فأغلبها يتم توصيلها بشكل غير قانوني من أعمدة الإنارة).
وداخل غرفة صغيرة ببطن الجبل التقينا مع سامي إبراهيم المصاب بعجز أقعده عن الحركة، والذي قال: أعيش مع زوجتي وأبنائي الأربعة في هذه الغرفة، معتمداً على تبرّعات الأهالي لتدبير نفقات المعيشة؛ حيث لا أحصل سوى على 80 جنيهاً كمعاش شهري، وعبّر عن خوفه من السكن بالمنطقة؛ حيث تتساقط كتل صخرية صغيرة على منزله نتيجة استمرار رشح المياه بها، لافتاً إلى أن مسئولي الحي حصروا سكان المنطقة منذ سنوات؛ لتوفير مساكن بديلة آمنة لهم، ولكن لم يتحقق شيء.
وبالقرب من شارع المحجر بعزبة خير الله، وجدنا كمال محمد جالساً مع أسرته المكوّنة من ستة أفراد يعيش بمنزل متهالك مع أربع أسر أخرى يستخدمون دورة مياه مشتركة تصرف عشوائياً بالمنطقة الملاصقة للجبل، وأبدى كمال تخوّفه هو وأسرته من التصدّعات التي تزيد بالهضبة وبجوار منزلهم؛ حيث تتساقط الصخور على أسطح الغرف، وأدى ذلك إلى تحطّم بعضها، وأصيب السكان ببعض الكسور وكادت أن تودي بحياتهم، وأكد أنه في عام 1995 سقطت صخرتان عملاقتان على عدد من منازل شارع الرشاد؛ الأولى وزنها 7 طن وقد اخترقت أسقف الطابقين الأول والثاني لأحد المنازل حتى استقرت على الأرض، أما الصخرة الثانية فكانت تزن 2 طن، وهي مستقرة حتى الآن على أسطح أحد المنازل بعد أن حطّمت سقف الدور الثاني لمنزل آخر، وأشار إلى أنه تقدّم بالعديد من الشكاوى التي تفيد تضرره دون جدوى.

تتساقط الصخور على أسطح الغرف
ما حدث في الدويقة من المحتمل أن يحدث في هضبة الزهراء

وفي هذا الإطار يوضح الدكتور عبد الجليل عيسوي -الخبير الجيولوجي- أن ما حدث بمنطقة الدويقة من المحتمل حدوثه بالمناطق ذات الطبيعة الجبلية؛ ومنها هضبة الزهراء حيث تحتوي على صخور جيرية تتخللها طبقات طفلية، ولها نفس الظروف الجيولوجية للدويقة؛ داعياً المواطنين إلى الابتعاد عن البناء على حافة الهضبة بمسافة لا تقل عن 100 متر.
في حين أكد الدكتور محمود حسان -أستاذ الجيولوجيا بجامعة الأزهر- أن أكبر المشاكل التي تتعرّض لها مثل تلك المناطق العشوائية هي وجود ما يُسمّى بطرنشات (بيارات) الصرف الصحي، مؤكداً أنها تعجّل بنهاية مأساوية، وسقوط الصخور الجيرية علاوة على أن البناء عليها لم يراعِ أي اشتراطات هندسية.
وينادي محمد الخشاب -وكيل وزارة التخطيط- بضرورة تكاتف الجهات المعنية لنقل سكان المنازل المعرّضة للخطر، وحمّل المحليات مسئولية التقاعس والإهمال في تنفيذ القرارات السيادية، مناشداً المسئولين بتفعيل خطة الدولة في حل أزمة العشوائيات.
أما المهندس صلاح زكي -رئيس لجنة تطوير العشوائيات بمحافظة القاهرة- فأشار أن اللجنة تدرس المناطق العشوائية التي يقطن أهلها على حواف الجبال والهضاب وبطن الجبال المعرّضة للكوارث، مشيراً إلى أن هيئة المساحة الجيولوجية كانت قد أصدرت تقارير وأجرت أبحاثاً على منطقة هضبة الزهراء التي تمتد على مساحة 480 فداناً منذ عام 1994 والتي أكدت احتمال سقوط الصخور على المساكن، وأن هناك مناطق تحتاج إلى النقل الفوري وأخرى في مراحل تالية.
لكن المشكلة تكمن في إجراءات تسليم الوحدات السكنية للمتضررين والمعرّضين للخطر؛ لصعوبة حصرهم والتلاعب في عقود التمليك بهذه المناطق؛ حيث يحدث أن الفرد الواحد قد يحصل على أكثر من مسكن بديل، وعلى الرغم من ذلك فإن حملات الإزالة زادت 5 مرات في هضبة الزهراء، وهي مستمرة حتى تنتهي اللجان الفنية من تحديد الأماكن المستحقة للإزالة، وتم إزالة أكثر من 400 منزل حتى الآن بالمنطقة بطول 250 متراً وبعمق 30 متراً في بطن الجبل، ومساحات كبيرة فوق الجبل.
وأكد أنه يتم نقل الأهالي إلى مساكن بديلة بمدينة 6 أكتوبر، ونوّه إلى أن بعض الشركات تستأجر مناطق جبلية للاستفادة من ثرواتها، وبعد أن تنتهي من عملها تتركها بعد أن تخلف وراءها العديد من التصدّعات التي تهدد أرواح السكان، وقد قرر محافظ القاهرة تشكيل لجنة علمية لمعاينة صخور المقطم وامتدادها للوقوف على الأمر.
وفي النهاية يبقى هؤلاء المواطنون في انتظار نظرة عطف من المسئولين تنقذهم من خطر الموت، قبل أن يدفنوا مثل الحيوانات تحت الصخور، مطالبين بأبسط حقوقهم وهو الإحساس بآدميتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.